طوفان الرعب من الشرق: مسلمون أمام المغول 5 جيوش جنكيز خان تجتاح الصين كالسيول الجارفة

نشر في 02-09-2010 | 00:00
آخر تحديث 02-09-2010 | 00:00
شاءت الأقدار أن يقضي إمبراطور الخطا نحبه، وتولى ابنه «واي وانج» العرش الإمبراطوري خلفاً له. لم يكن الأخير مغرماً بالصيد والقنص بل يهوى الرسم واللهو، مع ذلك راح رجال البلاط يجمعون الضرائب من القبائل المقيمة خارج السور والخاضعة لنفوذ الإمبراطور، وكان من بين هؤلاء جنكيز خان الذي سبق أن تحالف مع والده وعقدت بينهما مواثيق، أما وقد توفي الإمبراطور فاعتبر الخاقان المغولي أنه في حلّ من أي عهود وله الحقّ في عدم طاعته بل الخروج عليه أيضاً، لا سيما أنه شخص غرير.

دراسة الموقف

وصل رسول الإمبراطور إلى جنكيز خان في مخيمه في هضاب الجوبي، وسلّمه إعلان اعتلاء الملك الجديد العرش ومباشرة سلطانه، وكانت العادات تقضي بأنه، إذا جاء رسول من الملك، لا بد من أن تقدّم له واجبات الإجلال والتقدير، وكان على جنكيز خان أن يستقبل الرسول طبقاً للأعراف السائدةـ بالركوع فوق ركبتيه وتوجيه وجهه نحو الجنوب خضوعاً وإجلالا، لكن الزعيم المهيب المتمرد رفض حتى مجرد الانحناء، إنما تناول الكتاب وبادره بسؤاله عن نفسه، ثم عن الإمبراطور الجديد، فلما ذكره، قال له جنكيز خان: «شخص أبله مثل واي وانج لا يستحق اعتلاء العرش، وشخص مثلي لا يخضع له»، كان رد جنكيز خان يعني احتقار إمبراطور الصين (ابن السماء) وإعلان حالة الحرب.

استدعى جنكيز خان قادة جيشه لدراسة الموقف، ثم استدعى حلفاءه، ثم رسول الإمبراطور وسلمه رسالة قاسية اللهجة وصريحة الإهانة، فلما تبلغها واي وانج استدعى حاكم النواحي الغربية الرمزي خارج السور وسأله عن المغول، فأجاب الحاكم: «إنهم يا مولاي بدو يصنعون السهام ويجمعون الخيل، وطبيعتهم القتال وشيمتهم الغدر»، فثار الإمبراطور على مساعده وأمر بسجنه (!!).

فزع وهلع

علم جنكيز خان بثورة الإمبراطور وبسجن حاكم الربوع الغربية الرمزي، فتوجس خيفة منه وأرسل إليه الرسل المحمّلين بالهدايا لنيل رضاه، وكان قد بلغ جنكيز خان ما بلغه عن مناعة السور العظيم وأدرك خطورته على خططه وطموحاته، لا سيما أنه مبني من الصخور الصلبة القوية، فراح يعاين بنفسه أبراجه الشاهقة وأبوابه القوية التي لا قدرة لأحد على اختراقها ولا سبيل لدخول تلك البلاد سوى الولوج من بوابات هذا السور العظيم.

كان جنكيز خان على علم بمجريات الأمور وعلى بينة بطبيعة الأحوال في الصين بممالكها الثلاث، فأرسل رسله إلى أسرة لياو لتذكيرها بما كان بينها وبين أباطرة الخطا من أسرة «الكين»، وبتبادل البعثات بينهما، واتفق سفراء جنكيز خان لدى أسرة لياو على أن يتحالفوا ويتعاونوا ضد الخطا، وعاهد السفراء أعضاء الأسرة على أن يعيد إليهم جنكيز خان ممتلكاتهم القديمة، وتم التوقيع على الاتفاق بإسالة دم المتحالفين ومزجه ببعضه ثم تكسير السهام، كما كانت تقضي العادات آنذاك.

بعد ذلك أرسل جنكيز خان ثلاث فرق من أكفأ فرسانه كمقدمة لقواته، بلغ عددهم حوالى ثلاثين ألفاً مزودين بأفضل الخيول، وأعطى جوادين لكل فارس، وكان الكشافة قد وقفوا على أماكن الضعف في السور، ومن نقطة معينة عبرت المقدمة ذلك السور المنيع من دون مقاومة تذكر، ودخلت في أعقابها القوات الرئيسة المكوّنة من جناحين وقلب، يضمّ كل جناح خمسين ألف مقاتل، والقلب مائة ألف مقاتل بقيادة جنكيز خان نفسه محاطاً بألف فارس من الحرس الخاص المدربين تدريبات خاصة ويمتطون جياداً سوداء، يدافعون حتى الموت عن الخاقان الأعظم.

دلفت القوات المغولية داخل السور وأباد جنودها حامية السور وداسوها تحت سنابك خيولهم، فانهار أول خط دفاعي سريعاً، ما أصاب القوات الصينية بالفزع والهلع، فانسحبت إلى مدنها المسورة، وكمنت خلف الأسوار، وراحت ترمي العدو بوابل من السهام وتطلق عليه الحمم المشتعلة، واستماتت في الدفاع عن بلادها.

أمر الإمبراطور بتحريك جيش كبير لملاقاة الغزاة، فعلم المغول بأمر الجيش والطريق الذي يسلكه، وفي حلكة الليل تقدموا نحوه وحاصروه قبل بزوغ الفجر، وأطبقوا عليه وأبادوه بمنتهى الوحشية وتركوا شراذم قليلة تفرّ إلى داخل البلاد لتبث الذعر والهلع في أرجاء الإمبراطورية المترامية الأطراف.

تلقى أهل الصين أخبار إبادة جيشهم بذعر شديد، ودبّ الرعب فيهم بعد حكايات سمعوها عن وحشية المغول، ففروا إلى مدنهم المحصنة يلتمسون النجاة من الطوفان القادم. في تلك الأثناء، تابع المغول زحفهم داخل البلاد وكانوا ينسفون المدن على سكانها مستغلين الخوف والهلع اللذين تمكنا من الأهالي وخوفهم الزائد من بطش المغول وقسوتهم.

بدأ جنكيز خان يشعر باتساع الميدان وانفساح الأرض وتزايد حاميات المدن يوماً بعد يوم بقوات تأتي إليها من المدن الشرقية والجنوبية، وكان فصل الخريف قد حل بزوابعه وعواصفه الثلجية، فقرر الخاقان العودة بقواته إلى صحراء الجوبي المحببة إلى قلبه، حيث عشيرته وأهل بيته، ليلتقط فرسانه أنفاسهم ويستعدوا للغزوة المقبلة.

جيوش جبّارة

في مستهل عام 1214، كان جنكيز خان قد انتهى من تجهيز ثلاثة جيوش جبارة لاجتياح عاصمة الخطا، فتقدمت وراحت تكتسح كل ما تجد أمامها بمنتهى العنف والوحشية وبسرعة كما العواصف الجارفة، فاجتاحت المدن، واضعة الأسرى في المقدمة قبل الهجوم ولم يكد هؤلاء يدخلون حتى كان فرسان المغول في أعقابهم، يقتحمون الأبواب ويقتلون الحراس.

تقدمت جيوش المغول كالسيول الجارفة، تقتل الآلاف وتحرق البيوت والزرع في الحقول والحبوب في المخازن المغلقة، وتسلب المواشي وتسبي النساء وتقتل الأطفال، فتحولت مدن الصين وعمائرها إلى خرائب ينعق فيها البوم.

وحدها العاصمة «ين كنغ» (بكين) ظلت آمنة خلف أسوارها، فجمع جنكيز خان قواته بالقرب من أسوارها، وألحّ قادته وكبار ضباط جيشه عليه للقيام بهجوم كاسح على المدينة، لكن جنكيز خان المحنّك لاحظ أن خيوله منهكة، وتفشى مرض غامض برجاله وبدأت قواته يخف عددها، فاستدعى كاتبه وأملى عليه رسالة إلى الإمبراطور يطلب منه منح قادته الثائرين ما يرضيهم من الهدايا قبل رحيله عن بلاده.

ما إن وصلت الرسالة إلى الإمبراطور حتى حضه الأمراء وكبار رجال البلاط على مهاجمة المغول وأكدوا له أن الأمراض تفتك برجالهم وأنهم يعانون من نقص في الزاد، غير أن الهلع كان تمكن من الإمبراطور فأمر فوراً بإرسال قطيع كبير من الخيول الأصيلة وأحمال من الذهب والحرير والجواري الفاتنات، وأرسل مع الهدايا رسالة إلى جنكيز خان يطلب منه هدنة ويتعهد بعدم مهاجمة حلفائه في إقليم لياو، لكن جنكيز خان لم يكتف بالهدايا المرسلة فأرسل إلى الإمبراطور يطلب منه عروساً تجري في عروقها دماء ملكية، كرباط وثيق وشرط أساسي لقبول الهدنة. لبى الإمبراطور مطلب الخاقان فبعث له بعروس جميلة يحيط بها الحراس من كل جانب. بعد ذلك أمر الخاقان رجاله بالعودة إلى رمال الجوبي، وفي الطريق أمر بذبح أسراه ليتخلص من مشاكلهم وحاجاتهم في بلاده القفراء.

هزائم

بمجرد أن علم الشعب بما فعله الإمبراطور وبما فعله جنكيز خان بالأسرى حتى ثار ضده، لم تخمد نيران الثورة إلا بعدما تعهد الأمراء والحكّام بالأخذ بالثأر، فجهزوا جيشاً كبيراً تحرك ناحية لياو وقتلوا الحاميات المغولية المرابطة هناك، وأوقعوا بحلفاء المغول هزائم عنيفة.

وصلت الأخبار إلى جنكيز خان وكان في طريقه إلى الجوبي، فأمر قادته بالعودة ثانياً إلى بلاد الخطا ورابط بجيشه على حدودها بالقرب من السور العظيم، وكان الإمبراطور في طريقه إلى عاصمة الجنوب، فأرسل جنكيز خان ابنه جوجي (جوشي) على رأس أفضل فرقة في جيشه في إثر الإمبراطور الهارب، ليقضي عليه أو يأتي به أسيراً. ما إن علم الإمبراطور بتعقب المغول خطواته حتى عبر النهر الأصفر وطلب اللجوء إلى أسرة سونج التي كان بينه وبينها عداوة وحروب، وكان الجيش المغولي خلفه يجتاز الجبال التي تكسوها الثلوج، ويعبر الأنهار فوق عائمات مصنوعة من الأغصان والقوارب التي رصت جنباً إلى جنب وربطت بالحبال فتحولت إلى جسر.

اقتحام بكين

في وقت كان فيه جوجي يطارد الإمبراطور الهارب، أرسل جنكيز خان سابوتاي على رأس جيش آخر إلى الصين، فتجول فيها أشهراً ثم وصل إلى خليج لياو وأخضع كوريا لحكم المغول وترك فيها حامية كبيرة وحاكماً من طرفه. كان أهل الصين قد يئسوا من حكومتهم فلجأوا إلى الجيش الغازي الذي ازداد بهم عدداً وعدة، وبعدما انتهى سابوتاي من مهمته بنجاح عاد إلى عاصمة الإمبراطورية، وكانت تشهد حالة من الفوضى والاضطراب، فاقتحمت قوات المغول العاصمة ين كنغ وفرّت حاميتها تاركة قصر الإمبراطور ونساءه، فعاث المغول فيها فساداً وانتشروا كالوحوش يقتلون وينهبون ويسبون النساء.

عجز أمراء القصر وكبار رجاله في إقناع الجند بالعودة للدفاع عن المدينة، ولم يجد قائد الحامية حلا سوى أن يقتل نفسه بالسم مثلما تقضي تقاليدهم بذلك، تاركاً ين كنغ تشتعل لهباً ويرتعد سكانها رعباً وفزعاً.

أحرز جنكيز خان انتصارات باهرة في الصين وارتكب رجاله مجازر يشيب لها الوليد، وعين «موهولي» نائباً عنه لحكم الصين وأمر الجميع بتقديم فروض الطاعة له. بإخضاعه الصين كان الشرق كله قد خضع له، فقرر العودة إلى موطنه في الجوبي، واستكمال مهمة كبيرة وهي غزو الغرب وإخضاعه له.

رغد العيش

حمل جنكيز خان من خيرات الصين ما أثرى به شعبه البدائي، فجعله يتذوق رغد العيش واستبدلت القباب المبطنة بالحرير بتلك المصنعة من اللباد الخشن، طوّر الصناع والعلماء الذين استقدمهم من الصين الحياة في قرية قرم لجعلها تشبه البلاد المتمدّنة التي اجتاحها المغول وخربوها، وتم تشكيل حكومة وأنشأوا سجلات لإدارة شؤون الإمبراطورية.

أطماع

في تلك الأثناء كانت دولة خوارزم الإسلامية قد بدأت تتسع رقعتها وتقوى شوكتها وتعلو كلمتها، في عهد السلطان علاء الدين محمد بن تكش، الذي اعتلى العرش بعد وفاة والده عام 1199، وكان كأبيه طموحاً يتطلع إلى توسيع دولته وبسط نفوذها.

تزامنت تلك الأحداث مع تطورات مهمة في دولة القراخطائيين غرب الصين (دولة الخطا السوداء) شكلت بداية احتكاك المغول بالعالم الإسلامي، فبعد انتصار هؤلاء على قبيلة النايمان، التي أدت هزيمتها إلى مقتل زعيمها تايانك وفرار ابنه ووريثه في الحكم كوجلك مع أعداد كبيرة من أتباعه ولجوئه إلى القراخطائيين، سمح له كورخان ملك القراخطائيين بالإقامة في أراضيه، وارتبط معه بعلاقة مصاهرة.

لكن كوجلك وهو في الأصل ابن إحدى قبائل يأجوج ومأجوج ـ قابل الإحسان بالإساءة، فانتهز فرصة امتناع علاء الدين سلطان خوارزم عن دفع الجزية التي كان والده يدفعها للقراخطائيين، وأدخل في روع كورخان أنه يستطيع تجميع أفراد قبيلته المشتتين وتكوين جيش يقف إلى جانبه في وجه أطماع علاء الدين، وتعهّد أمامه بأن يظل جندياً مخلصاً لا يعصي له أمراً، ولا يبرم شيئاً من وراء ظهره فصدقه كورخان.

فعلاً، تمكن كوجلك من تنظيم أبناء قبيلته في جيش واحد يدين له بالولاء والطاعة، وأغرى أعداداً كبيرة من أتباع كوخان بالانضمام إليه، ثم انضم إليه زعيم قبيلة الهاركيت وأتباعه، وبدأ يتحين الفرصة للانقضاض على ولي نعمته والقضاء عليه.

استغلّ كوجلك فرصة توتّر العلاقات بين القراخطائيين والخوارزميين، فأرسل رسالة سرية إلى علاء الدين سلطان خوارزم، اقترح عليه خطة تقضي بأن يهاجم هو من ناحية الشرق والسلطان من ناحية الغرب مملكة كورخان للسيطرة عليها واقتسام أملاكها، وصادفت الفكرة هوى في نفس السلطان علاء الدين فوافق على التدخل في الوقت المناسب.

حارب السلطان علاء الدين القراخطائيين وانتصر عليهم وتمكّن رجاله من أسر ملكهم كورخان، ثم أمر بقتل من تبقى من جيشهم، وبذلك قضى على قوة كانت تقف حاجزاً بينه وبين المغول.

حرب التوسعة

بعد هزيمة القراخطائيين، أصبح لكوجلك مملكة تمتد من التيبت حتى حدود الدولة الخوارزمية، إلا أنه افتقر إلى الخبرة في حكم شعوب مختلفة العادات واللغات، وكانت غالبية سكان مملكته من المسلمين وهو وثني، فشن هجوماً على سكان المناطق الإسلامية لإجبارهم على الاعتراف بسلطته، واختار فترة الحصاد لشن هجومه، فكان جنوده يستولون على المحاصيل والغلال ويحرقون المنازل والمساجد، في وقت كان يغدق فيه على السكان البوذيين ارتكب جنوده في حق المسلمين أقبح الموبقات وساموهم سوء العذاب، ثم بدأ يجبر المسلمين على الارتداد عن دينهم واعتناق البوذية، وارتداء زي القراخطائيين، فرضخ كثر من المغلوبين على أمرهم لضغوطه.

أثار بروز نجم كوجلك أعصاب جنكيز خان، فأمر بتجهيز جيش تمكن من هزيمة القراخطائيين وأسر كوجلك ثم قتله، وفي خلال أسابيع خضعت الشعوب التي كانت منضوية تحت لواء القراخطائيين للمغول، وامتد سلطانهم على كل ما استولى عليه كوجلك في حروبه التوسعية، وبذا أصبحت دولة المغول تمتد من حدود الصين شرقاً حتى أطراف العالم الإسلامي غرباً.

تحالف

تابع السلطان علاء الدين حروبه مع جيرانه، فبعد هزيمته لجيوش الخطا السوداء، استولى على بخارى وعقد تحالفاً مع الدولة الغورية، ثم واجه طائفة الإسماعيلية الشريرة التي أنشأها حسن الصباح واستشرى أمرها في نواحي الدولة العباسية، وحاصر علاء الدين قلعتها الشهيرة باسم «قلعة الموت» وأرغمها على الخضوع ودفع مائة ألف دينار.

بعد ذلك أرسل علاء الدين حملات على الدولة الغورية واقتطع مدينتي بلخ وهراة، ثم استولى على إقليمي كرمان ومكران وساحل المحيط الهندي والأقاليم الواقعة غرب السند وحاصر مدينة غزنة، عاصمة الدولة الغورية (عام 1215) واقتحم أسوارها وأسقطها.

استمرت فتوحات علاء الدين حتى ضم إلى بلاده مدينة كابول على نهر السند، فتطلع إلى بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية وأرسل جيوشه إليها، وفي الطريق إلى بغداد استولت جيوشه على أقاليم فارس وأذربيجان وما إن وصلت إلى حدود بغداد حتى ثارت الطبيعة ضده وأرغمته على العودة.

إلى هنا كانت حدود خوارزم اتسعت من العراق غرباً إلى حدود الهند شرقاً، ومن شمال بحر قزوين وآرال شمالا إلى الخليج الفارسي والمحيط الهندي جنوباً، ولعل تلك المساحة الشاسعة من الأرض نمّت حضارة ومدنية ونهضت العلوم سابقة كل دول الدنيا آنذاك، وكان لديها جيش من أقوى جيوش الدنيا.

وكان لدى الخوارزميين مجانيق لقذف اللهب وقاذفات لإلقاء أضخم الأحجار على رؤوس المحاصرين وتفننوا في استخدام القار والزيت الملتهب.

لم تكن ثمة رابطة قوية تربط جيوش الإمبراطورية الخوارزمية برباط متين، وافتقدت فرقها إلى التجانس، فكانت متباينة الطباع مختلفة اللغات، ذات أمزجة وأهواء متناقضة لدرجة أن السلاطين الخوارزميين فقدوا ثقتهم بجيوشهم وكانوا يقودونها بأنفسهم. في القابل، كانت الشعوب الخاضعة للإمبراطورية الخوارزمية مختلفة القوميات تتنازعها الفتن، فالفارسي يحاول السيطرة على العربي، والتركي يناضل ليسيطر على الجميع.

خراب ودمار

على الجانب الآخر أقام جنكيز خان إمبراطوريته معتمداً على قوة الجيش الذي كان مثل سيف القوة، ينزل كما الطوفان ، وحيثما ذهب هذا الجيش كانت الدماء تجري أنهاراً والخراب والدمار المحصلة النهائية لدخوله أي مدينة.

لم يبخل جنكيز خان على جنوده، فأجزل لهم العطاء وسمح لهم بالاستمتاع بكل ما ينهبونه من مال ونساء، وكان يدربهم كل عام في فصل الصيف، فيخرج بهم للسير الطويل المضني ويفرض عليهم الواجبات القاسية ويراقب تنفيذ أوامره بحذافيرها، فجعل لهم خزنة وعمالاً وموظفين مسؤولين عن الأسلحة والتموين والعتاد والتعداد.

لم يكتفِ بذلك بل كان يبعث بهم في العراء يقاتلون الوحوش ويطاردون الذئاب، فنمت فيهم طبيعة الحيوان وقويت لديهم غرائز الوحوش. لم يعلمهم القتال وراء الجدران والأسوار، إنما علمهم كيف يتسورون الأسوار بالأبراج الخشبية المنقولة ودربهم على اصطياد قاذفي اللهب بأقواس الغاب. كانت أوامر جنكيز خان تقضي باشتراك كل من زاد طوله عن البلطة من الأولاد في القتال، وجعل ابنه تولوي قائداً لقلب الجيش المكوّن من مائة ألف مقاتل والجناح الأيمن من خمسين ألفاً والجناح الأيسر من خمسين ألفاً، إلى جانب ثلاثين ألف مقاتل عبارة عن خليط من قبائل مختلفة، يضاف إلى هؤلاء الحرس الإمبراطوري الخاص لجنكيز خان والمؤلف من عشرة آلاف مقاتل على أعلى درجة من التسليح والتدريب، ويتم اختيارهم بمواصفات خاصة.

كانت قوة المغول الحقيقية تكمن في روحهم القتالية العالية ومهارة قادتهم وحنكتهم في استخدام التكتيكات المثالية في القتال، وكانت أساس تكتيكاتهم الالتفاف حول العدو وأخذه من الخلف، فإن لم يستطع القائد القيام بتلك المناورة الحربية، فإنه يخدع العدو ثم يفاجئه بالتظاهر بالعودة من حيث أتى قاطعاً شوطاً بعيداً، ثم يرتد بأقصى سرعة في زمن قياسى ويفاجئ عدوه ويسحقه.

تركت حروب الصين آثارها في العقلية العسكرية للمغول واستفادوا منها، فلما قرر جنكيز خان الزحف نحو الغرب وبلغه ما كانت عليه الجيوش الخوارزمية من نظام وقوة في التسلح، أنشأ فرقاً خاصة أطلق عليها «العاصفة»، وجعل لخيلها دروعاً من الجلد المقسي ولكل مقاتل قوسين، أحدهما لتسديد الرماية من فوق صهوة جواده والآخر يرمي به وهو مترجل، وله جعبتان من السهام تحتويان على ثلاثة أنواع من الأسهم للمسافات القريبة والمتوسطة والبعيدة، ولكل فارس خوذة من الصلب لها غطاء من الخلف لحماية العنق، كذلك سلح حرسه بالدروع وسلح فرسانه ببلطة تتدلى من نطاق الفارس، ومع كل فارس حبل ينتهي طرفه بأنشوطة لسحب آلات الحصار وجر العربات التي قد تغوص في الوحل، وأمر بأن يكون لكل مقاتل حقيبة صغيرة تحتوي على كيس لعليق الجواد ووعاء ليأكل فيه الفارس وأوتار لإصلاح قوسه ومبرد لسن الرماح والسهام، يضع الفارس سلاحه داخل قربة مستطيلة، فإذا اضطر لعبور الأنهار نفخها واستعان على العبور بها، وكان كل مقاتل يحمل طعام الطوارئ معه، وهو عبارة عن قطعة من اللحم المدخن وكمية من اللبن المجفف الذي بمجرد خلطه بالماء يصبح لبناً.

علاقات

صارت كلتا الدولتين الخوارزمية والمغولية قوتين عظميين، وقد نشأتا نشأة عسكرية، فتعتمد كل واحدة منهما على الآلة الحربية لتدمير كل ما يجاورها من قوى أقل قوة، وتغيرت الخريطة الجغرافية للمنطقة، وأصبح في حكم المؤكد أن يحدث احتكاك بين هاتين القوتين، فعلا حدثت بعض المناوشات، لكن تم تداركها في حينها وانتهت بمعاهدة صداقة.

رأى السلطان علاء الدين ضرورة أن يكون بينه وبين المغول علاقات طيبة، تقوم على حسن الجوار والتبادل التجاري، ووجد من جانبهم قبولا وحماسة لشدة حاجتهم إلى منافذ تجارية تربطهم بالغرب الغني بالحبوب، والمتقدم حضارياً وعلمياً، فعقدت معاهدة صداقة بين الدولتين لتبادل تجاري بينهما، وأحضع المغول القبائل التي اعتادت قطع الطريق على التجار، وإقامة نقاط حراسة دائمة على طرق التجارة بين الدولتين وإنشاء فرق حراسة تلازم القوافل على الطرق.

back to top