الشاورما التركية في الانتخابات الفرنسية
ماذا لو فازت «مارين لوبان» برئاسة فرنسا؟ الواقع يقول إن هذا الاحتمال وارد إذا تغير مزاج الناخب الفرنسي بعد المناظرة الكبرى وفي آخر لحظة، وأيا كانت النتائج فالمرشحة اليمينية المتطرفة باتت رقماً صعباً يعكس الحالة السياسية السائدة في المجتمع الفرنسي، فمارين لوبان لم تهبط فجأة بالباراشوت بل هي نتاج طبيعي للسياسات الرخوة التي جعلت الانقسامات ظاهرة واضحة على ضوء الخطاب اليميني الموغل في الكراهية لكل ما هو أجنبي، فالرئيس المنتهية ولايته اتهمها بالرغبة في الدفع إلى «حرب أهلية» لاعتزامها حظر الحجاب الإسلامي في الأماكن العامة، وهذا خطاب موجه للناخبين للاستهلاك الآني والمؤقت بالدرجة الأولى. التصويت كشف مستوى الشعبية التي تحظى بها «لوبان» فالتوجه نحو «اليمين المتطرف» يغطي سماء أوروبا، وما يحدث في فرنسا ليس استثناءً، فهذه هولندا والمجر وبولندا والسويد تسير في نهج متقارب.
لآل «لوبان» تاريخ وحضور في الحياة السياسية الفرنسية منذ الجد والأب والأحفاد، وهؤلاء يحلمون بحكم فرنسا وبنفس عنصري ليس فيه مكان للمسلمين وللوافدين الأجانب، والناخب الفرنسي اليوم مهتم بشؤونه الداخلية، وعنده الزيادة في الضرائب وحجم التضخم والارتفاع الجنوني في الأسعار أهم من الحرب الروسية في أوكرانيا، لذلك كان خطاب «لوبان» يستقطب جمهوراً أوسع، فقد سحبت البساط من تحت أقدام اليسار، بعدما حدث الانهيار شبه التام للأحزاب التقليدية. «مارين لوبان» مثلها مثل «إيريك زيمور» وجهان لعملة واحدة، لديهم ذاكرة مليئة بالكراهية وعداء مستحكم ضد المهاجرين واقتلاعهم من «بلاد الحرية والمساواة والأخوة»؟ سقوط «مارين لوبان» لا يعني تراجع إيديولوجيا اليمين المتطرف فهذه الموجات الشعبوية تتوالى وتكبر وتتوسع، قد تخسر هذه الجولة لكن المعركة لم تنته بعد طالما أن البيئة جاذبة وتتماهى مع خطاب الكراهية، والقائم على أن «فرنسا للفرنسيين الأصليين» لا للقادمين الجدد إليها حتى لو كانوا من الجيل الرابع، وهو ما سيؤدي إلى رفع منسوب التباعد الاجتماعي وجعل المواطنة حكراً على فئة معينة. بيئة التطرف والتعصب اليوم تحاكي شريحة واسعة من الفرنسيين تجعل فكرة الاندماج تهتز وتدفع بالأقليات والمهاجرين إلى المزيد من العزلة والتشبث بالهوية الأصلية، وإذا فازت «لوبان» فستحدث زلزالاً في جسم الاتحاد الأوروبي وسيتعرض هذا «الكيان الوليد» إلى صفعة ثانية مدمرة بعد أزمة بريكست وخروج بريطانيا منه، فهي من الداعين إلى «التحرر» من هذا الاتحاد والانسحاب منه والابتعاد عن حلف «الناتو». «لوبان» إذا فازت، ستنضم إلى قافلة زعماء اليمين الأوروبي الذين تجمعهم أفكار مشتركة بالرئيس الروسي بوتين، فهذا الزعيم القيصري، يتمتع بأفضل العلاقات مع زعماء أوروبا اليمينيين بصورة خاصة وهو ما يسهم بزيادة الغموض والجدل بشأن «الهوية السياسية» للقيصر الجديد؟ إذا فازت «لوبان» فستشهد فرنسا عمليات ترحيل جماعية للمهاجرين الأجانب، فهي تعمل على أن تكون فرنسا للفرنسيين الأصليين فقط، أما هؤلاء فهم «دخلاء» على «قيم الجمهورية» كما يحلو لها أن تقول، وإذا فازت فستمنع «الشاورما» التركية من المطاعم لأن وجودها يسهم «بتغيير هوية المطبخ الفرنسي» ويعتبرونها بمنزلة «غزوة ثقافية» عند أهل اليمين المتعصب، فهذا البلد ذو تقاليد «مسيحية– يهودية» كما نسب إلى رئيس بلدية «بيزيرد» وقد تخسر فرنسا المليارات من اليورو إذا طبق هذا القرار، فـ«الكباب» كما يسميه الفرنسيون ليس من العادات الأصلية لمجتمعهم؟ فقد دخلت الشاورما عن طريق المهاجرين الأتراك ومن البوابة الألمانية؟ اليمين المتطرف في أوروبا جعل من التمييز العنصري ممراً للدخول إلى السلطة، وهو خطاب يجذب أكبر عدد من أصوات الفرنسيين الذين يحمل جزء منهم مشاعر العداء لهؤلاء «المهاجرين الأجانب» نتيجة سنوات من السياسات التحريضية ضدهم، وأقصر طريق لكسب الرأي العام هو المتاجرة «بالإسلاموفوبيا»!