أجمل الروايات رواية جلب المياه من شط العرب

نشر في 28-03-2022
آخر تحديث 28-03-2022 | 00:10
 حمزة عليان أفضل الروايات تلك التي يسردها صانعها، فهي تنقل النبض والحياة إلينا بكل تفاصيلها، لا سيما تلك التي نقرأ عنها ولم نكن معاصرين لها، مثل «قصة الماء قديماً في الكويت» أو كما أسماها عبدالحميد صالح فرس بالسنوات العجاف، وكيف كانت تجلب المياه من شط العرب.

بالطبع هناك من كتب وروى عن هذا الموضوع، لكني وجدت نفسي مشدوداً بما قرأته في هذا الكتاب الذي تلقيت نسخة منه هدية من نجله الفنان التشكيلي كامل عبدالحميد فرس، وكتب أخرى لها علاقة بالفن التشكيلي ومشاهد عن «مذياع حزيران» و«يوميات أسير» للفنان المبدع نادر فرس، وقد بذل معدّ الكتاب كامل عبدالحميد الفرس جهداً مشكوراً بإصدار الطبعة الثانية، وفيه قيمة مضافة وهي الجمع بين الرسومات التعبيرية والروايات المكتوبة والخرائط والأفكار الجديدة.

بدأت «حرفة» جلب المياه من شط العرب باستخدام السفن الشراعية ويطلق عليها «أبوام الماي» ووصل عددها تقريباً إلى 50 سفينة، وكان العراق يفرض على تلك السفن رسوما جمركية وأصحابها يتعرضون للكثير من المضايقات تدفعهم أحياناً لدفع الإتاوات إلى جانب الرسوم.

يورد الكتاب بعض الوقائع عن الأزمات التي تعرضت إليها الكويت وحالات الانقطاع التي مرت بها، وكثيراً ما ظلت دون مياه فترة من الوقت باستثناء بعض البيوت ممن يملكون «البرك الخاصة» ويسخون بمائهم للمحتاجين، وقد ترى الناس يتجمهرون أمام «البرك العامة» ويختلط الرجال بالنساء وتتدخل الشرطة لتفريقهم، كل ذلك أملاً في الحصول على قليل من الماء المتوقع قدومه، مستقبلين إياه بصيحات الفرحة، يأخذون ماءهم قبل تفريغة في «البرك» وهم في الأغلب «الحمّارة» الذين يصلون إليها سباحة مع «قِرَبهم» الفارغة.

سفن نقل المياه (الأبوام) بناها أهل الكويت بأيديهم وتخصص بها «الأستاذية» من جماعة القلاليف، تمتاز بتصميم خاص، فهي مكشوفة ودون حواجز داخلية ومجهزة بخزانات خشبية (توانكي) تثبت داخل بطن السفينة ولها فتحات لغرض الملء والتفريغ، والسفينة تتسع لعشر خزانات خشبية مختلفة الأحجام وفيها «صواري» عدد (2) «دقل العود» والثاني «دقل الغلمي» ومن الأبوام المعروفة «بوم الناقة» للتاجر صالح محمد الفرس و»بوم سردال» للتاجر أحمد الخرافي، و»بوم الدوبة» للتاجر حمد الصقر، وأبوام أخرى بنيت خصيصاً لشركة المياه الكويتية على يد الأستاذ أحمد بن سلمان.

الرحلة من الكويت باتجاه شط العرب تستغرق 10 إلى 15 ساعة حسب اتجاه الريح ومثلها في رحلة العودة، تُعبأ «التوانكي» بالمياه العذبة بعمليات شاقة وجماعية، وتتطلب 3 إلى 4 ساعات لتتوجه السفينة إلى مركز الجمارك في منطقة «الفاو» لدفع الرسوم.

في رحلة العودة تكون السفينة محملة بما يقارب الـ50 ألف غالون من المياه، لتصل إلى «النقعة»، وهي محاطة بسور عريض ومرتفع عن الصخور البحرية ولها منفذ للدخول والخروج، وهنا يتم تفريغ المياه من السفينة، ومن الأشخاص الذين يتعاملون مع وسائل نقل الماء: «الحمارة» و«الكنادرة» و«العرباين».

أجمل ما في الكتاب رسومه التعبيرية وبالألوان الزاهية بحيث كانت الرسمة لوحة فنية رائعة، كبديل عن الصورة التقليدية، ففيها متعة النظر والحركة، ومن تاريخ عائلة «الفرس» مسيرة طويلة بالتعاطي مع جلب المياه العذبة من شط العرب، والجيل الأول منهم، علي بن محمد الفرس المتوفى عام 1946 وصالح المتوفى عام 1957 وحسين المتوفى عام 1950.

أعطت عائلة «الفرس» اهتمامها لهذه المهنة وتناقلها أفرادها من جيل إلى آخر، وصار لهم باع طويل في تسيير سفنهم الشراعية، وزادت خبرتهم في أحوال البحر ومخاطره.

وقفة وفاء أمام هذه العائلة وكل العوائل والنواخذة والتجار الذين كان لهم دور حقيقي بتاريخ جلب المياه من شط العرب، فهؤلاء يستحقون التكريم وتوثيق تجاربهم بكل تفاصيلها، فقد كان المجتمع قبل اكتشاف النفط والثروة التي غيّرت وجه الكويت يعتمد على سواعد أبنائه في كل مناحي الحياة، وفي ذلك مشهد مختلف تماماً عما بعده.

● حمزة عليان

back to top