فاتورة «الغزو» وفواتير أخرى
على مدى 30 سنة أي منذ التحرير عام 1990 كان العراق يدفع 3 في المئة عن كل برميل نفط يصدره للخارج (تفاوتت النسب من سنة إلى أخرى) ويودعه في الصندوق الدولي للتعويضات، وحتى الأمس يكون العراق قد أوفى بجميع التزاماته لجهة تسديد مطالبات الكويت الناتجة عن "الغزو" بمبلغ 52.4 مليار دولار أميركي، وبهذا "الخبر السعيد" لم يبق من الملفات العالقة بين البلدين سوى قضيتين: الأولى استكمال البحث في الخلاف حول الحدود البحرية (ما بعد النقطة 162)، والثانية متابعة العثور على باقي رفات الأسرى والشهداء وإعادة ما تبقى من الأرشيف الوطني، وبهذا أيضا نقترب أو كدنا نطوي صفحة مؤلمة جداً من آثار الحرب والعداء التي دفع البلدان أثمانها... فالحروب ليست نزهة ولم تكن كذلك في تاريخ البشرية.الفاتورة الباهظة التي دفعها العراق بسبب قرار حاكم أرعن ومستبد، دفع ثمنها الشعب مرغماً وبكل فئاته ولم يميز بين سني وشيعي أو بين كردي أو آشوري، ولسبب بسيط أن القرار الذي اتخذه صدام حسين "نيابة عن الشعب" لم يحاسبه عليه أحد من العراقيين بل انتظروا قدوم الأميركيين ليقوموا بالمهمة، وهذه هي النتيجة الطبيعة للحاكم المطلق الصلاحية الذي يبقى محصناً من أي مساءلة، واضعاً نفسه في مرتبة ألوهية مقدسة فوق مستوى البشر يجر بقراراته ونزواته بلده إلى حروب مدمرة.كلفة الغزو المالية طالت الكويت والمنطقة، ولم تقتصر على جانب واحد، ونحن هنا نتحدث فقط عن الخسائر الاقتصادية والمبالغ التي دفعت من جراء هذا القرار الغبي الذي استباح سيادة وأرض دولة جارة وقفت إلى جانبه طيلة 8 سنوات من الحرب العراقية– الإيرانية، عدا تعرضها للأذى والاعتداءات والضم على مدى عقود متتالية، ووفقاً للتقارير التي أعدت بهذا الخصوص فقد بلغت خسائر الكويت ودول مجلس التعاون الخليجي 61 مليار دولار وخسائر حرائق الآبار النفطية 80 مليار دولار، وخسائر العراق 232 مليار دولار مضافاً إليها التعويضات لكل من الكويت وإيران.
وإذا أضفنا إلى فاتورة الغزو فاتورة "حرب تحرير العراق" أو الاحتلال الأميركي للعراق للتخلص من حكم صدام حسين عام 2003 وهو الرقم المتداول وبحدود 90 مليار دولا وهي أقل التقديرات المباشرة التي دفعتها الكويت ودول المنطقة، نكون أمام واقع آخر يتمثل باستنزاف موارد هذه الشعوب لصالح آلة الحرب والدمار وعلى حساب حياة ومستقبل التنمية التي سقطت في أول طلقة مدفعية. لم نتحدث عن الخسائر البشرية التي فاقت أعدادها مئات الآلاف ووصلت إلى المليون ولم نتحدث عن حرب الثماني سنوات بين العراق وإيران (1980– 1988) والتي وصلت فاتورتها المالية إلى نحو تريليون و19 مليار دولار لكل من إيران والعراق مضافاً إليها 47 مليار دولار مساعدات قدمتها دول الخليج العربي للعراق! استبعدنا من الحسبة، فاتورة الحرب على "داعش"، وفاتورة حرب اليمن، والحروب العربية– الإسرائيلية التي جرّت على المنطقة جمعاء الكوارث والنكبات وكانت في معظمها على حساب التعليم والصحة والاستقرار والحريات العامة، وشهدت خمس جولات كبرى في أعوام 1948 و1956 و1967 و1973 و1982، بلغ مجموع ما أنفق من الأطراف المشاركة فيها نحو 300 مليار دولار. لقد بات مصطلح "الشرق الأوسط" ومنذ نكبة 1948 وهو تعبير خبيث للخلط بين الدول العربية وجيرانها من غير العرب، مثل إسرائيل وتركيا وإيران، مسرحاً خصباً لحروب أطراف عدة، بعضها بالوكالة وبعضها الآخر حروب مباشرة، فالصراع القائم والمفتوح للقوى العظمى والفاعلة تحدده مصالح كل قوة من هذه القوى. حصيلة التنافس الدولي والصراعات بين أصحاب "البيت العربي الواحد" أدت إلى اللعب بالخرائط ومصاير الشعوب، والحروب التي شهدتها لم تأت بتبدلات تصب في مصلحتها، حتى أصبح السلام والاستقرار حلماً صعب المنال. شاعرة سورية تدعى فرات أسبر كتبت قصيدة عن الحرب والسلام وهي التي اكتوت بنيران التشرد بعنوان "هي التي أخذت كل شيء" تقول:أخذت الأنبياء والشعراءأخذت الحب إلى بيت الكراهيةوأشعلت فيها الحنين إلى القتل والفتكوالعودة إلى الجاهلية... هي الحرب.يبدو أن التكلفة المالية والخسائر الاقتصادية والبشرية ليست رادعاً أو عائقاً أمام قيام الحروب!