نزهة الزمان تجوب آفاق العلم والحكمة (7- 30)

تحدثت في أمور الدين والدنيا وأبهرت أرباب الدولة

نشر في 20-04-2021
آخر تحديث 20-04-2021 | 00:00
No Image Caption
تواصل شهرزاد في هذه الحلقة، حكاية نزهة الزمان، بعدما اشتراها شركان كجارية وهو لايعلم أنها أخته، وجلس يستمع مع القضاة الأربعة والتاجر لعلمها وفصاحتها، وبدأت الحديث في السياسات الملكية، وما ينبغي لولاة الأمور الشرعية، وما يلزمهم من الأخلاق المرضية، ثم تطرقت إلى مجالات الآداب والعلوم، لتنال إعجاب جميع الحضور.
قالت نزهة الزمان: إعلم أيها الملك أن مقاصد الخلق منتهية إلى الدين والدنيا، لأنه لا يتوصل أحد إلى الدين إلا بالدنيا، فإن الدنيا نعم الطريق إلى الآخرة، لأن الله تعالى جعل الدنيا للعباد كزاد المسافر إلى تحصيل المراد، فينبغي لكل إنسان أن يتناول منها بقدر ما يوصله إلى الله ولا يتبع في ذلك نفسه وهواه، ولو تناولها الناس بالعدل لانقطعت الخصومات، لكنهم تناولوها بالجور ومتابعة الهوى فكانت الخصومات، فاحتاجوا إلى سلطان لأجل أن ينصف بينهم ويضبط أمورهم، ولولا ردع الملك الناس بعضهم عن بعض لغلب قويهم على ضعيفهم، وقد قال إزدشير:" الدين كنز، والملك حارس، وقد جلبت الشرائع والعقول على أنه يجب على الناس أن يتخذوا سلطاناً يدفع الظالم عن المظلوم، وينصف الضعيف من القوي، ويكف بأس العاتي والباغي".

ثم قالت نزهة الزمان:" وإعلم أيها الملك أنه على قدر حسن أخلاق السلطان يكون الزمان، وقد قال بعض الحكماء، الملوك ثلاثة: ملك دين، وملك محافظة على الحرمات، وملك هوى، فأما ملك الدين فإنه يلزم رعيته باتباع الدين، وينبغي أن يكون هو الذي يقتدي به في أمور الدين، ويلزم الناس طاعته فيما أمر به موافقاً للأحكام الشرعية، وأما ملك المحافظة على الحرمات فإنه يقوم بأمور الدين والدنيا، يلزم الناس باتباع الشرع والمحافظة على المروءة، ويكون جامعاً بين العلم والسيف، فمن زاغ عما سطر القلم زلت به القدم، فيقوم إعوجاجه بحد الحسام وينشر العدل في جميع الأنام، وأما ملك الهوى فلا يدين له إلا أتباع هواه، ولم يخش سطوة مولاه الذي ولاه فمآل ملكه إلى الدمار، وقالت الحكماء: الملك يحتاج إلى كثير من الناس، وهم محتاجون إلى واحد، ولأجل ذلك وجب أن يكون عارفاً باختلافهم، ليرد اختلافهم إلى أوقاتهم، ويعمهم بعدله ويغمرهم بفضله.

اقرأ أيضا

خواتم إزدشير

وقالت: إعلم أيها الملك أن إزدشير، وهو الثالث من ملوك الفرس، قد ملك الأقاليم جميعاً، وقسمها إلى أربعة أقسام، وجعل له من أجل ذلك أربعة خواتم، لكل قسم خاتم، الأول: خاتم البحر والشرطة والمحاماة وكتب عليه بالنيابات، والثاني: خاتم الخراج وجباية الأموال وكتب عليه العمارة، والثالث: خاتم الرخاء وكتب عليه الرخاء، والرابع: خاتم المظالم وكتب عليه العدل، واستمرت هذه الرسوم في الفرس إلى أن ظهر الإسلام، وكتب كسرى لإبنه وهو في جيشه: لا توسعن على جيشك فيستغنوا عنك، ولا تضيق عليهم فيضجروا منك، وأعطهم عطاءً مقتصداً، وامنحهم منحاً جميلاً، ووسع عليهم في الرخاء، ولا تضيق عليهم في الشدة.

وعقب ذلك، قالت نزهة الزمان:" وروي أن أعرابياً جاء إلى الخليفة المنصور، وقال له: جوّع كلبك يتبعك، فغضب المنصور من الأعرابي لما سمع منه هذا الكلام، فقال له أبو العباس الطوسي: أخشى أن يلوح له غيرك برغيف فيتبعه ويتركك، فسكن غيظ المنصور، وعلم أنها كلمة لا تخطئ، وأمر للأعرابي بعطية. وقيل: لا مال أجود من العقل، ولا عقل كالتدبير والحزم، ولا حزم كالتقوى، ولا قربة كحسن الخلق، ولا ميزان كالأدب، ولا فائدة كالتوفيق، ولا تجارة كالعمل الصالح، ولا ربح كثواب الله، ولا ورع كالوقوف عند حدود السنة، ولا علم كالتفكر، ولا عبادة كالفرائض ولا إيمان كالحياة، ولا حسب كالتواضع، ولا شرف كالعلم، فاحفظ الرأس وماحوى، والبطن وما وعى، وأذكر الموت والبلا.

أنواع النساء

وتابعت: قال الإمام علي رضي الله عنه: اتقوا أشرار الناس، وكونوا منهن على حذر، ولا تشاوروهن في أمر، ولا تضيقوا عليهن في معروف حتى لا يطمعن في المكر، وقال: من ترك الاقتصاد حار عقله، وقال الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه: النساء ثلاث: إمرأة مسلمة نقية ودود تعين بعلها على الدهر ولا تعين الدهر على بعلها، وأخرى تراد للولد لا تزيد على ذلك، وأخرى يجعلها الله غلاً في عنق من يشاء، والرجال أيضاً ثلاثة: رجل عاقل إذا أقبل على رأيه، وآخر أعقل منه، وهو من إذا نزل به أمر لا يعرف عاقبته فيأتي ذوي الرأي فينزل عن آرائهم، وآخر حائر، لا يعلم رشداً ولا يطيع مرشداً، والعدل لا بد منه في كل الأشياء، حتى ان الجواري يحتجن إلى العدل، وبالجملة فسيد مكارم الأخلاق الكريم حسن الخلق، وما أحسن قول الشاعر:

ببذل وحلم ساد في قومه الفتى

وكونك إياه عـلـيك يسـير

وقال آخر:

ففي الحلم اتقان وفي العفـو هـيبة

وفي الصدق منجاة لمن كان صادقا

ومن يلتمس حسن الثناء بـمـالـه

يكن بالندى في حلبة المجد سابقـا

باب الأدب

ثم إن نزهة الزمان تكلمت في سياسة الملوك، حتى قال الحاضرون: ما رأينا أحداً تكلم في باب السياسة مثل هذه الجارية، فلعلها تسمعنا شيئاً من غير هذا الباب، فسمعت نزهة الزمان ما قالوه وفهمته، فقالت: وأما باب الأدب فإنه واسع المجال، لأنه مجمع الكمال، فقد اتفق أن بني تميم وفدوا على معاوية ومعهم الأحنف بن قيس، فدخل حاجب معاوية عليه ليستأذن لهم في الدخول فقال: يا أمير المؤمنين أن أهل العراق يريدون الدخول عليك ليتحدثوا معك فتسمع حديثهم، فقال معاوية: ليدخلوا، فدخلوا ومعهم الأحنف بن قيس، فقال له معاوية: قرب مني يا أبا بحر بحيث أسمع كلامك، ثم قال: يا أبا بحر كيف رأيك لي؟ قال: يا أمير المؤمنين فرق الشعر وقص الشارب وقلم الأظافر وأدم السواك فإن فيه اثنين وسبعين فضيلة، وغسل الجمعة كفارة لما بين الجمعتين، فقال له معاوية: كيف رأيك لنفسك؟ قال: أوطئ قدمي على الأرض وأنقلها على تمهل وأراعيها بعيني، قال: كيف رأيك إذا دخلت على نفر من قومك دون الأمراء؟ قال: أطرق حياء وأبدأ بالسلام، وأدع ما لا يعنيني وأقل الكلام، قال: كيف رأيك إذا دخلت على نظرائك؟ قال: أستمع لهم إذا قالوا ولا أجول عليهم إذا جالوا، قال: كيف رأيك إذا دخلت على أمرائك؟ قال: أسلم من غير إشارة وأنتظر الإجابة، فإن قربوني قربت، وإن بعدوني بعدت، قال: كيف رأيك مع زوجتك؟ قال: أحسن الخلق وأظهر العشرة وأوسع النفقة، فإن المرأة خلقت من ضلع أعوج، فقال معاوية: أحسنت في الجواب فقل حاجتك؟ فقال: حاجتي أن تتق الله في الرعية، وتعدل بينهم بالسوية، ثم نهض قائماً من مجلس معاوية، ثم إن نزهة الزمان قالت: وهذه النبذة من جملة باب الأدب.

عدل عمر

وقالت: اعلم أيها الملك أنه كان معيقب عادلاً على بيت المال في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ورأى بن عمر يوماً فأعطاه درهماً من بيت المال، قال معيقب: وبعد أن أعطيته الدرهم انصرفت إلى بيتي، وإذا برسول عمر جاءني فذهبت معه وتوجهت إليه، فإذا الدرهم في يده، وقال لي: ويحك يا معيقب، أني قد وجدت في نفسك شيئاً، قلت: ماهو يا أمير المؤمنين، قال: إنك تخاصم أمة محمد صلى الله عليه وسلم في هذا الدرهم يوم القيامة، وكتب عمر إلى أبي موسى الأشعري كتاباً مضمونه: إذا جاءك كتابي هذا فأعط الناس الذي لهم، واحمل ما بقي ففعل، فلما أعطوا عثمان الخلافة كتب إلى أبي موسى ذلك ففعل، وجاء زياد ووضع الخراج بين يدي عثمان، وجاء راشد فأخذ منه درهماً فبكى زياد، فقال عثمان: ما يبكيك؟ قال: أتيت عمر بن الخطاب بمثل ذلك أخذ إبنه فأمر بنزعه من يده، وإبنك أخذ فلم أر أحداً ينزعه منه، أو يقول له شيئاً، فقال عثمان: وأين نلقى مثل عمر؟ وروى زيدبن أسلم عن أبيه أنه قال: خرجت مع الخليفة عمر ذات ليلة حتى أشرفنا على نار تضرم فقال: يا أسلم إني أحسب هؤلاء أضر بهم

البرد، فانطلق بنا إليهم فخرجنا حتى أتينا إليهم، فإذا إمرأة توقد ناراً تحت قدر ومعها صبيان يتضورون جوعاً، فقال عمر: السلام عليكم أصحاب الضوء وكره أن يقول أصحاب النار، قالت: أضر بنا البرد والليل قال: فما بال هؤلاء الصبيان؟ قالت: من الجوع، قال: فما هذا القدر؟ قالت: ماء أسكتهم به، وإن عمر بن الخطاب ليسأله الله يوم القيامة، قال: وما يدري عمر بحالهم؟ قالت: كيف يتولى أمور الناس ويغفل عنهم؟ قال أسلم: فأقبل عمر عليّ، وقال: انطلق بنا فخرجنا نهرول حتى أتينا دار الصرف، فأخرج عدلاً فيه دقيق وإناء فيه شحم، ثم قال: حملني هذا، فقلت: أنا أحمله عنك يا أمير المؤمنين، فقال: أتحمل عني وزري يوم القيامة؟ فحملته إياه وخرجنا نهرول حتى ألقينا ذلك العدل عندها، وجلس ينفخ تحت القدر، حتى طبخ وأخذ مقداراً من الشحم فرماه فيه، ثم قال: أطعميهم وأنا أبرد لهم، ولم يزالوا كذلك حتى أكلوا وشبعوا وترك الباقي عندها، ثم أقبل عليّ، وقال: يا أسلم إني رأيت الجوع أبكاهم فأحببت ألا أنصرف، حتى يتبين لي سبب الضوء الذي رأيته.

العتق الأكبر

ثم أن نزهة الزمان قالت: قيل إن عمر مر براع مملوك فابتاعه شاة فقال له: إنها ليست لي فقال: أنت القصد فاشتراه ثم أعتقه، وقال: اللهم كما رزقتني العتق الأصغر أرزقني العتق الأكبر، وقيل إن عمر بن الخطاب يطعم الحليب للخدم، ويلبس الخشن ويعطي الناس حقوقهم ويزيد في عطائهم، وقال الحسن: أتى عمر بمال كثير فأتته حفصة، وقالت له: يا أمير المؤمنين حق قرابتك، فقال: يا حفصة إنما أوصى الله بحق قرابتي من مالي وأما مال المسلمين فلا يا حفصة، فقامت تجر ذيلها. وقال ابن عمر: تضرعت إلى ربي سنة من السنين أن يريني أبي حتى رأيته يمسح العرق عن جبينه، فقلت له: ماحالك يا والدي؟ فقال: لولا رحمة ربي لهلك أبوك.

باب الفضائل

قالت نزهة الزمان: اسمع أيها الملك السعيد الفصل الثاني من الباب الثاني، وهو باب الأدب والفضائل وما ذكر فيه من أخبار التابعين والصالحين، قال الحسن البصري: لا تخرج نفس آدم عن الدنيا إلا وهو يتأسف على ثلاثة أشياء: عدم تمتعه بما سمع، وعدم إدراكه لما أملي، وعدم استعداده بكثرة الزاد لما هو قادم عليه، وقيل لسفيان: هل يكون الرجل زاهداً وله مال؟ قال: نعم إذا صبر، ومتى أعطى شكر، وقيل لما حضرت عبدالله بن شداد الوفاة أحضر ولده محمد فأوصاه، وقال له: يا بني إني لأرى داعي الموت قد دعاني، فاتق ربك في السر والعلانية، وأشكر الله على ما أنعم وأصدق في الحديث، فالشكر يؤذن بازدياد النعم، والتقوى خير زاد في الميعاد، كما قال بعضهم:

ولست أرى السعادة جمع مال

ولكن التقي هو الـسـعـيد

وتقوى الله خـير زاد حـقـاً

وعند الله تلقـى مـا تـريد

بيت المال

ثم قالت نزهة الزمان: لما ولي عمر بن عبدالعزيز الخلافة جاء لأهل بيته، فأخذ ما بأيديهم ووضعه في بيت المال، ففزعت بنو أمية إلى عمته فاطمة بنت مروان، فأرسلت إليه قائلة: إنه لا بد من لقائك، ثم أتته ليلاً فأنزلها عن دابتها فلما أخذت مجلسها، قال لها: يا عمة أنت أولى بالكلام لأن الحاجة لك فأخبريني عن مرادك، فقالت: يا أمير المؤمنين أنت أولى بالكلام ورأيك يستكشف ما يخفي عن الأفهام، فقال عمر بن عبدالعزيز: إن الله تعالى بعث محمداً صلى الله عليه وسلمً رحمة للعالمين، ثم جاء أبوبكر خليفة بعده، فأجرى نهر الرحمة وعمل ما يرضي الله، ثم قام عمر بعد أبي بكر فعمل خير أعمال الأبرار واجتهد إجتهاداً كبيراً، واستمر الحال فيما من تبعهم.

أولاد عمر بن عبدالعزيز

وقيل لما حضرت عمر بن عبدالعزيز الوفاة جمع أولاده حوله، فقال له مسلمة بن عبدالملك: يا أمير المؤمنين كيف تترك أولادك فقراء وأنت راعيهم، فما يمنعك أحد في حياتك في أن تعطيهم من بيت المال ما يغنيهم، وهذا أولى من أن ترجعه إلى الوالي بعدك؟ فنظر إلى مسلمة نظرة مغضب متعجب، ثم قال: يا مسلمة منعتهم أيام حياتي، فكيف أشقى بهم في مماتي؟ إن أولادي ما بين رجلين إما مطيع لله تعالى فالله يصلح شأنه، وإما عاص فما كنت لأعينه على معصيته.

الغنم والذئاب

وقال بعض الثقات: كنت أحلب الغنم في خلافة عمر بن عبدالعزيز، فمررت براع فرأيت مع غنمه ذئباً أو ذئاباً، فظننت أنها كلابه ولم أكن رأيت الذئاب قبل ذلك، فقلت له: ماذا تصنع بهذه الكلاب؟ فقال: إنها ليست كلاباً بل هي ذئاب، فقلت: هل ذئاب في غنم لم تضرها؟ فقال: إذا أصلح الرأس صلح الجسد، وخطب عمر بن عبدالعزيز على منبر من طين فحمد الله وأثنى عليه، ثم تكلم بثلاث كلمات فقال: أيها الناس أصلحوا أسراركم لتصلح علانيتكم لإخوانكم وتكفوا أمر دنياكم، واعلموا أن الرجل ليس بينه وبين آدم رجل حي في الموتى، مات عبدالملك ومن قبله ويموت عمر ومن بعده، فقال له مسلمة: يا أمير المؤمنين لوعملنا لك متكئاً لتقعد عليه قليلاً، فقال: أخاف أن يكون في عنقي منه يوم القيامة، ثم شهق شهقة فخر مغشياً، فقالت فاطمة: يا مريم يا مزاحم يا فلان، أنظروا هذا الرجل فجاءت فاطمة تصب عليه الماء وتبكي حتى أفاق من غشيته فرآها تبكي فقال: ما يبكيك يا فاطمة؟ قالت: يا أمير المؤمنين رأيت مصرعك بين أيدينا فتذكرت مصرعك بين يدي الله عز وجل، ورأيت تخليك عن الدنيا وفراقك لنا فذاك الذي أبكانا فقال: حسبك يا فاطمة فلقد أبلغت، ثم أراد القيام فنهض ثم قالت فاطمة: بأبي أنت وأمي يا أمير المؤمنين ما نستطيع أن نكلمك كلنا.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

حديث السلف للخلف

وقالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد، إن نزهة الزمان قالت لأخيها شركان، وهي لم تعرفه بحضور القضاة الأربعة والتاجر، إن خالد بن صفوان قال: صحبني يوسف بن عمر إلى هشام بن عبدالملك، فلما قدمت عليه وقد خرج بقرابته وخدمه فنزل في أرض وضرب له خيام، فلما أخذت الناس مجالسهم، خرجت من ناحية البساط فنظرت إليه، فلما صارت عيني في عينه، قلت له: تمم الله نعمته عليك يا أمير المؤمنين إني أجد لك نصيحة أبلغ من حديث من سلف قبلك من الملوك، فاستوى جالساً وكان متكئاً وقال: هات ما عندك يا ابن صفوان، فقلت: يا أمير المؤمنين إن ملكاً من الملوك خرج قبلك في عام قبل عامك هذا إلى هذه الأرض، فقال لجلسائه: هل رأيتم مثل ما أنا فيه؟ وهل أعطى أحد مثل ما أعطيته؟ وكان عنده رجل من بقايا حملة الحجة والمعينين على الحق السالكين في منهاجه، فقال أيها الملك إنك سألت عن أمر عظيم أتأذن لي في الجواب عنه؟ قال: نعم قال: رأيت الذي أنت فيه لم يزل زائلاً ، فقال: هو شيء زائل. قال: فما لي أراك قد أعجبت بشيء تكون فيه قليلاً وتسأل عنه طويلاً وتكون عند حسابه مرتهناً؟ قال: فأين المهرب وأين المطلب؟ قال: إن تقيم في ملكك فتعمل بطاعة الله تعالى، أو تلبس أطمارك وتعبد ربك حتى يأتيك أجلك فإذا كان السحر فإني قادم عليك، قال خالد بن صفوان: ثم إن الرجل قرع عليه بابه عند السحر، فرآه قد وضع تاجه وتهيأ للسياحة من عظم موعظته، فبكى هشام بن عبدالملك بكاءاً كثيراً حتى بلل لحيته، وأمر بنزع ما عليه ولزم قصره، فأتت الموالي والخدم إلى خالد بن صفوان وقالوا: أهكذا فعلت بأمير المؤمنين أفسدت لذته ونغصت حياته؟

ثم إن نزهة الزمان قالت لشركان: وكم في هذا الباب من النصائح، وإني أعجز عن الاتيان بجميع ما في هذا الباب في مجلس واحد، ولكن على طول الأيام يا ملك الزمان يكون خيراً، فقال القضاة: أيها الملك إن هذه الجارية أعجوبة الزمان ويتيمة العصر والأوان، فإننا ما رأينا ولا سمعنا بمثلها في زمن من الأزمان، ثم إنهم ودعوا الملك وانصرفوا.

الجريدة - القاهرة

القضاة الأربعة يشيدون بفصاحة الجارية ويصفونها بأعجوبة الزمان ويتيمة العصر والأوان

خواتم الملك إزدشير لنشر الرخاء والعمارة والعدل ودفع المظالم

ابنة الملك تستلهم العبر والعظات من سير الأمراء الكبار

الجارية أبحرت في أحاديث السياسات الملكية والنصائح الدينية والأوامر الشرعية

نزهة الزمان تنصح الملك: على قدر حسن أخلاق السلطان يكون الزمان
back to top