والي دمشق يكتري نزهة الزمان جارية ضمن الحاشية (6 - 30)

تاجر الرقيق وصفها لأخيها فأعجب بها واشتراها دون أن يعرفها

نشر في 19-04-2021
آخر تحديث 19-04-2021 | 00:00
No Image Caption
تستكمل شهرزاد في هذه الحلقة، قصة نزهة الزمان، بعدما احتال عليها البدوي، وعرضها للبيع كجارية، وهنا يذهب تاجر الرقيق ليشتريها، ويساومه البدوي على ثمنها، لكن التاجر يرأف لحالها، ويدرك حسنها وجمالها وفطنة عقلها، فيصمم على شرائها، ويذهب ليبيعها بدوره إلى والي دمشق شركان، ويكتريها الوالي كجارية دون أن يعرف أنها أخته.
قالت شهرزاد: إن التاجر لما أراد أن يشتري الجارية، قال للبدوي: أشترط عليك شروطاً، إن قبلتها نقدت لها ثمناً، وإن لم تقبلها رددتها عليك، فقال له البدوي: إن شئت فاطلع بها إلى السلطان واشترط عليّ ما شئت من الشروط، فإنك إذا أوصلتها إلى شركان ابن الملك عمر النعمان صاحب بغداد وخراسان، ربما تليق بعقله فيعطيك ثمنها ويكثر لك الربح فيها، ثم قال له البدوي: قبلت منك هذا الشرط، ثم مشى الاثنان إلى أن أقبلا على المكان الذي فيه نزهة الزمان، ووقف البدوي على باب الحجرة وناداها: يا ناحبة، وكان قد سماها بهذا الاسم، فلما سمعته بكت ولم تجبه، فالتفت البدوي إلى التاجر وقال له: ها هي قاعدة دونك فأقبل عليها وانظرها ولاطفها مثلما أوصيتك، فتقدم التاجر إليها فرآها بديعة الحسن والجمال لاسيما أنها كانت تعرف بلسان العرب.

البدوي يماطل التاجر

اقرأ أيضا

قال التاجر لها: السلام عليك يا بنية كيف حالك؟ فقالت: كان ذلك في الكتاب مسطوراً، ونظرت إليه فإذا هو رجل ذو وقار ووجه حسن، فقالت في نفسها: أظن أن هذا جاء ليشتريني، ثم قالت: إن امتنعت عنه صرت عند هذا الظالم فيهلكني من الضرب، فعلى كل حال هذا رجل وجهه حسن وهو أرجى للخير من هذا البدوي الجلف، ولعله ما جاء إلا ليسمع منطقي فأنا أجاوبه جواباً حسناً، وكل ذلك وعينها على الأرض ثم رفعت بصرها إليه، وقالت بكلام عذب: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، يا سيدي بهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وأما سؤالك عن حالي فإن شئت أن تعرفه فلا تتمنه إلا لأعدائك، ثم سكتت، فلما سمع التاجر كلامها طار عقله فرحاً بها، وقال للبدوي: كم ثمنها فإنها جليلة، فاغتاظ البدوي وقال له: أفسدت عليّ الجارية بهذا الكلام، لأي شيء تقول إنها جليلة مع أنها من رعاع الناس فأنا لا أبيعها لك.

فلما سمع التاجر كلامه عرف أنه قليل العقل، فقال له: طب نفساً وقر عيناً فأنا أشتريها على هذا العيب الذي ذكرتها، فقال له البدوي: وكم تدفع لي فيها؟ فقال له التاجر: ما يسمي الولد إلا أبوه، أطلب فيها مقصودك، فقال له البدوي ما يتكلم إلا أنت، فقال التاجر في نفسه: إن هذا البدوي جلف يابس الرأس، وأنا لا أعرف لها قيمة إلا أنها ملكت قلبي بفصاحتها وحسن منظرها، وإن كانت تكتب وتقرأ فهذا من تمام النعمة عليها وعلى من يشتريها، لكن هذا البدوي لا يعرف لها قيمة، ثم قال له: يا شيخ العرب أدفع لك فيها مئتي دينار سالمة ليدك غير الضمان وقانون السلطان، فلما سمع البدوي اغتاظ غيظاً شديداً وصرخ في ذلك التاجر، وقال له: قم إلى حال سبيلك لو أعطيتني مئة دينار في هذه القطعة العباءة التي عليها ما بعتها لك، فأنا لا أبيعها بل أخليها عندي ترعى الجمال وتطحن الطحين، ثم صاح عليها وقال: تعالي أنا لا أبيعك، ثم إلتفت إلى التاجر، وقال له: كنت أحسبك أهل معرفة إن لم تذهب عني لأسمعتك ما لا يرضيك، فقال التاجر في نفسه: إن هذا البدوي مجنون ولا يعرف قيمتها ولا أقول له شيئاً في ثمنها في هذا الوقت، والله إنها تساوي خزنة من الجواهر وأنا معي ثمنها، ولكن إن طلب مني ما يريد أعطيته إياه ولو أخذ جميع مالي، ثم التفت إلى البدوي، وقال له: يا شيخ العرب طول بالك وقل لي ما لها من القماش عندك؟ فقال البدوي: إن هذه العباءة التي هي ملفوفة فيها كثيرة عليها، فقال له التاجر: عن إذنك أكشف عن وجهها وأقلبها كما يقلب الناس الجواري لأجل الاشتراء، فقال له البدوي: لك ما تريد، ثم إن التاجر تقدم إليها وهو خجلان من حسنها وجمالها.

غصة الزمان

وقالت شهرزاد : إن التاجر تقدم إلى نزهة الزمان وجلس إلى جانبها، وقال لها: يا سيدتي ما اسمك؟ فقالت له: تسألني عن اسمي في هذا الزمان أو عن اسمي القديم؟ فقال لها: هل لك اسم جديد واسم قديم؟ قالت: نعم اسمي القديم نزهة الزمان، واسمي الجديد غصة الزمان، فلما سمع التاجر منها هذا الكلام تغرغرت عيناه بالدموع، وقال لها: هل لك أخ ضعيف؟ فقالت له: إي والله يا سيدي، ولكن فرق الزمان بيني وبينه وهو مريض في بيت المقدس، فتحير عقل التاجر من عذوبة منطقها، وقال في نفسه: لقد صدق البدوي في مقالته، ثم إن نزهة الزمان تذكرت أخاها ومرضه وغربته وفراقها عنه وهو ضعيف ولا تعلم ما وقع له، وتذكرت ما جرى لها من هذا الأمر مع البدوي، ومن بعدها عن أمها وأبيها ومملكتها، فجرت دموعها على خدها وأرسلت العبرات، وأنشدت هذه الأبيات:

حينـمـا قـد وقـاك إلـهـي

أيها الراحل المقيم بـقـلـبـي

ولك الله حيث أمـسـيت جـار

حافظ من صروف دهر وخطب

غبت فاستوحشت لقربك عينـي

واستهلت مدامعي أي سـكـب

ليت شعري بـأي ربـع وأرض

أنت مستوطن بـدار وشـعـب

إن يكن شـاربـاً لـمـاء حـياة

يحضر الرد فالمدامع شربـي

أو شهدت الرقاد يوماً فجـمـر

من سهاد بين الفراش وجنـبـي

كل شيء إلا فـراقـك سـهـل

عند قلبي وغيره غير صـعـب

بكاء التاجر

فلما سمع التاجر ما قالته من الشعر بكى، ومد يده ليمسح دموعها عن خدها فغطت وجهها، وقالت له: حاشاك يا سيدي، ثم إن البدوي قعد ينظر إليها وهي تغطي وجهها من التاجر حيث أراد أن يمسح دمعها عن خدها، فاعتقد أنها تمنعه من التقليب فقام إليها يجري وكان معه مقود جمل فرفعه في يده وضربها به على أكتافها فجاءت الضربة قوية فانكبت بوجهها على الأرض، فجاءت حصاة من الأرض في حاجبها فشقته فسال دمها على وجهها فصرخت صرخة عظيمة وغشي عليها وبكت وبكى التاجر معها، فقال التاجر: لا بد أن أشتري هذه الجارية ولو بثقلها ذهباً وأريحها من هذا الظالم، وصار التاجر يشتم البدوي وهي في غشيتها، فلما أفاقت مسحت الدموع والدم عن وجهها وعصبت رأسها ورفعت طرفها إلى السماء، وأنشدت هذين البيتين:

وارحـمة لـعــزيزة

بالضيم قد صارت ذليلة

تبكي بـدمـع هـاطـل

وتقول ما في اليد حيلة

نزهة الزمان تستغيث بالتاجر

فلما فرغت من شعرها التفتت إلى التاجر، وقالت له بصوت خفي: بالله لا تدعني عند هذا الظالم الذي لا يعرف الله تعالى، فإن بت هذه الليلة عنده قتلت نفسي بيدي، فخلصني منه يخلصك الله مما تخاف في الدنيا والآخرة، فقام التاجر وقال للبدوي: يا شيخ العرب هذه ليست غرضك، بعني إياها بما تريد، فقال البدوي: خذها وادفع ثمنها وإلا أروح بها إلى النجع وأتركها تلم وترعى الجمال، فقال التاجر: أعطيك خمسين ألف دينار، فقال البدوي: يفتح الله، فقال التاجر: سبعين ألف دينار، فقال البدوي: يفتح الله، هذا ما هو رأس مالها، لأنها أكلت عندي أقراصاً من الشعير بتسعين ألف دينار شعير، فقال التاجر: أقول لك كلمة واحدة فإن لم ترض بها غمزت عليك والى دمشق فيأخذها منك قهراً، فقال البدوي: تكلم فقال: بألف دينار، فقال البدوي: بعتك إياها بهذا الثمن وأقدر أنني اشتريت بها ملحاً، فلما سمعه التاجر ضحك ومضى إلى منزله وأتى بالمال وقبضه إياه، فأخذه البدوي وقال في نفسه: لا بد أن أذهب إلى القدس لعلي أجد أخاها فأجيء به وأبيعه، ثم ركب وسافر إلى بيت المقدس فذهب إلى الخان وسأل عن أخيها فلم يجده. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح.

ترضية

وفي الليلة الثانية والأربعين بعد الستمئة، قالت: بلغني أيها الملك السعيد، إن التاجر لما تسلم الجارية من البدوي وضع عليها شيئاً من ثيابه ومضى بها إلى منزله وألبسها أفخر الملبوس، ثم أخذها ونزل بها إلى السوق وأخذ لها مصاغاً ووضعه في بقجة من الأطلس ووضعها بين يديها، وقال لها: هذا كله من أجلك، ولا أريد منك إلا إذا طلعت بك إلى السلطان والي دمشق أن تعلميه بالثمن الذي اشتريتك به، وإن كان قليلاً في ظفرك، وإذا اشتراك مني فأذكري له ما فعلت معك، وأطلبي لي منه مرقوماً سلطانياً بالتوصية علي لأذهب إلى الملك عمر النعمان لأجل أن يمنع من يأخذ مني مسكاً على القماش أو غيره من جميع ما أجر فيه، فلما سمعت كلامه بكت وانتحبت، فقال لها التاجر: يا سيدتي إني أراك كلما ذكرت لك بغداد تدمع عيناك، ألك فيها أحد تحبينه؟ فإن كان تاجراً أو غيره فأخبريني، فإني أعرف جميع ما فيها من التجار وغيرهم، وإن أردت رسالة أنا أوصلها إليه، فقالت: والله ما لي معرفة تاجر ولا غيره وإنما معرفة بالملك عمر النعمان صاحب بغداد.

فرح التاجر

فلما سمع التاجر كلامها ضحك وفرح فرحاً شديداً، وقال في نفسه: والله إني وصلت إلى ما أريد، ثم قال لها: أنت عرضت عليه سابقاً؟ فقالت: لا بل تربيت أنا وبنته فكنت عزيزة عنده، ولي عنده حرمة كبيرة، فإن كان غرضك أن الملك النعمان يبلغك ما تريد فآتني بدواة وقرطاس، فإني أكتب لك كتاباً فإذا دخلت مدينة بغداد فسلم الكتاب من يدك إلى يد الملك عمر النعمان، وقل له إن جاريتك نزهة الزمان قد طرقتها صروف الليالي والأيام حتى بيعت من مكان إلى مكان، وهي تقرئك السلام، وإذا سألك عني فأخبره أني عند نائب دمشق، فتعجب التاجر من فصاحتها وازدادت عنده محبتها، وقال: ما أظن إلا أن الرجال لعبوا بعقلك وباعوك بالمال فهل تحفظين القرآن؟ قالت: نعم وأعرف الحكمة والطب ومقدمة المعرفة وشرح فصول أبقراط لجالينوس الحكيم وشرحه أيضاً وقرأت التذكرة، وشرحت البرهان وطالعت مفردات ابن البيطار وحللت الرموز ووضعت الأشكال، وتحدثت في الهندسة وأتقنت حكمة الأبدان، وقرأت كتب الشافعية، وقرأت الحديث والنحو وناظرت العلماء، وتكلمت في سائر العلوم، وأعرف في علم البيان والمنطق والحساب والجدل والعرف الروحاني والميقات، وفهمت هذه العلوم كلها.

ثم قالت: ائتني بدواة وقرطاس حتى أكتب كتاباً يسليك في الأسفار ويغنيك عن مجلدات الأسفار، فلم سمع التاجر منها هذا الكلام صاح: فيا سعد من تكونين في قصره، ثم أتاها بدواة وقرطاس وقلم من نحاس، فلما أحضر التاجر ذلك بين يديها وقبل الأرض تعظيماً، أخذت نزهة الزمان الدرج وتناولت القلم وكتبت في الدرج هذه الأبيات:

ما بال نومي من عيني قد نـفـرا

أنت علمت طرفي بعدك السهرا

وما لذكرك يذكي النار في كبـدي

أهكذا كل صب للهـوى ذكـرا

سقياً لأيامنا مـا كـان أطـيبـهـا

مضت ولم أقض من لذاتها وطرا

أستعطف الريح إن الريح حامـلة

إلى المتيم من أكنافكم خـبـرا

يشكو إليك محب قـل نـاصـره

وللفراق خطوب تصدع الحجـرا.

عبرات

ثم إنها لما فرغت من كتابة هذا الشعر، كتبت بعده هذا الكلام وهي تقول: ممن استوى عليها الفكر وأنحلها السهر، فظلمتها لا تجد لها من أنوار ولا تعلم الليل من النهار، وتتقلب على مراقد البيت وتكتحل بموارد الأرق، ولم تزل للنجوم رقيبة وللظلام نقيبة، قد أذابها الفكر والنحول وشرح حالها يطول، لا مساعد لها غير العبرات، وأنشدت هذه الأبيات:

ما غردت سحراً ورقـاء في فنن

إلا تحرك عندي قاتل الشـجـن

ولا تأثر مشـتـاق بـه طـرب

إلى الأحبة إلا ازددت في حزني

أشكو الغرام إلى من ليس يرحمني

كم فرق الوجد بين الروح والبدن

ثم فاضت دموع العين وكتبت أيضاً هذين البيتين:

أبلى الهوى أسفاً يوم النوى بدني

وفرّق الهجر بين الجفن والوسن

كفى بجسمي نحولاً أنني دنـف

لولا مخاطبتي إياك لم ترنـي

وبعد ذلك كتبت في أسفل الدرج، هذا من عند البعيدة عن الأهل والأوطان حزينة القلب والجنان نزهة الزمان، ثم طوت الظرف وناولته للتاجر، فأخذه وقبله وعرف ما فيه ففرح وقال: سبحان من صورك. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

تزيين الجارية

ولما كانت الليلة الثالثة والأربعين بعد الستمئة، قالت: بلغني أيها الملك السعيد، إن نزهة الزمان كتبت الكتاب وناولته للتاجر أخذه وقرأه وعلم ما فيه فقال: سبحان من صورك وزاد في إكرامها وصار يلاطفها نهاره كله، فلما أقبل الليل خرج إلى السوق وأتى بشيء فأطعمها إياه ثم أدخلها الحمام وأتى لها ببلانة، وقال لها: إذا فرغت من غسل رأسها فألبسيها ثيابها ثم أرسلي أعلميني بذلك، فقالت: سمعاً وطاعة، ثم أحضر لها طعاماً وفاكهة وشمعاً وجعل ذلك على مصطبة الحمام، فلما فرغت البلانة من تنظيفها ألبستها ثيابها، ولما خرجت من الحمام وجلست على مصطبة الحمام وجدت المائدة حاضرة فأكلت هي والبلانة من الطعام والفاكهة وتركت الباقي لحارسة الحمام، ثم باتت إلى الصباح وبات التاجر منعزلاً عنها في مكان آخر، ولما استيقظ التاجر من نومه، أيقظ نزهة الزمان وأحضر لها قميصاً رفيعاً وكوفية بألف دينار وبدلة تركية مزركشة بالذهب، وخفاً مزركشاً بالذهب الأحمر مرصعاً بالدرر والجوهر، وجعل في أذنيها حلقاً من اللؤلؤ بألف دينار وفوق صرتها وتلك القلادة فيها عشر أكر وتسعة أهلة، كل هلال في وسطه فص من الياقوت، وكل أكرة فيها فص البلخش، وثمن تلك القلادة ثلاثة آلاف دينار، فصارت الكسوة التي كساها إياها بجملة بليغة من المال، ثم أمرها التاجر بأن تتزين بأحسن الزينة ومشت ومشى التاجر قدامها فلما عاينها الناس بهتوا في حسنها، وقالوا: تبارك الله أحسن الخالقين هنيئاً لمن كانت هذه عنده، ومازال التاجر يمشي وهي تمشي خلفه حتى دخل على الملك شركان.

شركان يشتري الجارية

فلما دخل على الملك قبل الأرض بين يديه، وقال: أيها الملك السعيد أتيت لك بهدية غريبة الأوصاف، قد جمعت بين الحسن والإحسان، فقال له الملك: قصدي أن أراها عياناً، فخرج التاجر وأتى بها حتى أوقفها قدامه، فلما رآها الملك شركان حن الدم إلى الدم، وكانت قد فارقته وهي صغيرة، ولم ينظرها بعد مدة من ولادتها، سمع أن له أختاً تسمى نزهة الزمان، وأخاً يسمى ضوء المكان فاغتاظ من أبيه غيظاً شديداً غيرة على المملكة كما تقدم، ولما قدمها إليه التاجر، قال له: يا ملك الزمان إنها مع كونها بديعة الحسن والجمال، بحيث لا نظير لها في عصرها، تعرف جميع العلوم الدينية والدنيوية والسياسية والرياضية، فقال له الملك: خذ ثمنها مثلما اشتريتها ودعها.

فقال له التاجر: سمعاً وطاعة ولكن اكتب لي مرقوماً لأني لا أدفع عشراً أبداً على تجارتي، فقال الملك: إني أفعل لك ذلك ولكن أخبرني كم وزنت ثمنها؟ فقال: وزنت ثمنها ألف دينار وكسوتها بمئة ألف دينار فلما سمع ذلك قال: أنا أعطيك في ثمنها أكثر من ذلك، ثم دعا بخازنداره وقال له: أعط هذا التاجر ثلاثمئة ألف وعشرين ألف دينار. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

الجارية فى قصر شركان

لما كانت الليلة الرابعة والأربعين بعد الستمئة، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد، إن الملك صرف جميع من عنده غير القضاة والتاجر وقال للقضاة: أريد أن تسمعوا من ألفاظ هذه الجارية ما يدل على علمها وأدبها من كل ما ادعاه التاجر لنتحقق صدق كلامه، فقالوا: لا بأس من ذلك فأمر بإرخاء ستارة بينه هو ومن معه وبين الجارية ومن معها، وصار جميع النساء اللاتي مع الجارية خلف الستارة يقبلن يديها ورجلها ، ثم درن حولها وقمن بخدمتها وخففن ما عليها من الثياب وصرن ينظرن حسنها وجمالها، وسمعت نساء الأمراء والوزراء أن الملك شركان اشترى جارية لا مثيل لها في الجمال والعلم والأدب، وأنها حوت جميع العلوم وقد وزن ثمنها ثلاثمئة وعشرين ألف دينار وأعتقها، وأحضر القضاة الأربعة لأجل امتحانها حتى ينظر كيف تجاوبهم عن أسئلتهم، فطلب النساء الإذن من أزواجهن ومضين إلى القصر الذي فيه نزهة الزمان.

فلما دخلن عليها وجدن الخدم وقوفاً بين يديها، وحين رأت نساء الأمراء والوزراء داخلة عليها قامت إليهن وقابلتهن، وقامت الجواري خلفها، وتلقت النساء بالترحيب وصارت تتبسم في وجوههن فأخذت قلوبهن وأنزلتهن في مراتبهن كأنها تربت معهن فتعجبن من حسنها وجمالها وعقلها وأدبها، وقلن لبعضهن: ما هذه جارية بل هي ملكة بنت ملك، وصرن يعظمن قدرها، وقلن لها: يا سيدتنا أضاءت بك بلدتنا وشرفت بلادنا ومملكتنا فالمملكة مملكتك، والقصر قصرك وكلنا جواريك فبالله لا تخلينا من إحسانك والنظر إلى حسنك، فشكرتهن على ذلك، هذا كله والستارة مرخاة بين نزهة الزمان ومن عندها من النساء وبين الملك شركان هو والقضاة الأربعة والتاجر، ثم بعد ذلك ناداها الملك شركان، وقال لها: أيتها الجارية العزيزة في زمانها، إن هذا التاجر قد وصفك بالعلم والأدب، وادعى أنك تعرفين في جميع العلوم، حتى علم النحو فأسمعينا من كل باب طرقاً يسير.

فلما سمعت كلامه، قالت: سمعاً وطاعة أيها الملك: الباب الأول في السياسات الملكية، وما ينبغي لولاة الأمور الشرعية وما يلزمهم من قبل الأخلاق المرضية.

الجريدة - القاهرة

نزهة الزمان تشيع الهيبة والوقار في بيت الوالي

الملك يطالب القضاة الأربعة بالاستماع للجارية للحكم على علمها

الجارية تتحدث بلسان فصيح أمام أرباب الدولة وتثير انبهارهم

البدوي يضرب نزهة الزمان وتسقط أرضاً ويغمى عليها

نزهة الزمان تتوسل التاجر ألّا يدعها عند البدوي
back to top