العقاد وهند بنت عتبة يأخذان منى واصف إلى العالمية (3-15)

منى واصف: عندما رشحوني لمخرج «الرسالة» قال: وهل في سورية فن؟!

نشر في 14-05-2020
آخر تحديث 14-05-2020 | 00:15
منى واصف... الفنانة والنجمة التي لا تتعب ولا يستكين الطموح في حياتها، تراها في كل مرة بكامل أناقتها وعنفوانها. لا تتردد في البوح بخبايا ذاكرتها؛ تنبش في ماضيها، مقدمةً لمن يريد أن يسمع، ممن امتهنوا التمثيل اليوم، سيرة إنسانة تخطت بقوة إرادتها وقناعتها بمبادئها الثابتة كل العقبات التي واجهتها ولم تستطع رياح التغيير القوية زحزحة الجبل الكامن فيها. شامخة كصخور قاسيون تقف بثبات، وحنونة كالنسيم عندما يتلاعب بأوراق صفصاف الغوطة الغض. وبين القسوة والحنان تتماهى في كل مرة بدور الأم، حتى ليكاد المشاهد يصدّق أن من يمثل معها هم فعلاً أبناؤها.

نتابع مع نجمتنا الشامية سرد السيرة الحياتية الخاصة بها، ونتطرق هنا إلى الزوج الجنرال ودوره في حياته العملية.

اقرأ أيضا

ولأنها قضت وقتاً طويلاً مع زوجها الضابط والمخرج محمد شاهين حياتياً وفنياً، طلبنا من مضيفتنا الكريمة أن تحكي لنا ما يخطر في بالها من ذكريات معه.

قالت: خلال فترة زواجنا (42 سنة) أتذكر أنه مارس الطريقة العسكرية معي (تضحك)... فعندما تسلّم إدارة التلفزيون في عام 1960 وتزوجنا في 1963، كان هو يذهب إلى عمله في التلفزيون، وأنا تركت العمل وجلست بالبيت لكوني زوجة رجل عسكري. كنت أحب وأعشق الشهرة، وكانت الغلطة التي قام بها أنه وافق أن أعمل مع الدكتور رفيق الصبان في مسرحية تاجر البندقية لشكسبير، ولعبت فيها دور "الدوقة بورشيه"، وكم كنت أبدل ملابس وأتزين، لكني لم أتقاضَ أجراً عليها، فالعمل فيها كان مجاناً، ولا أنسى وقت العرض، وكان يوماً واحداً، بعد بروفات ثلاثة أشهر. لا أنسى التصفيق، ولا روائح بارفانات الناس الذين حضروا، لكنه بعد الزواج أجلسني في البيت.

أتذكر أن شاهين كان يخرج من البيت دون أن يرتدي الزي العسكري الرسمي، فكنت أتعجب. وبعد انتقاله إلى التلفزيون بفترة اتصل بي الدكتور الصبان، وقال: هناك فرقة جديدة باسم الفنون الدرامية سيتم تأسيسها في التلفزيون، ونريد منك الانضمام إليها. وعندما قلت له لا أستطيع فزوجي عسكري، قال لي: لا، لم يعد كذلك، هو الآن ضمن ملاك مؤسسة مدنية. فذهبت مباشرة.

وبعد 35 سنة من زواجنا ذهب معي إلى برنامج "كلام نواعم"، وكانت أول مرة يوافق فيها أن يشارك بلقاء وحوار، وعندئذ سألوه عن تلك الحادثة، وكيف أنه لم يخبرني بذلك، لأستطيع العودة إلى التمثيل؛ فقال لهم: هل من أحد يمكن أن يصبح شهريار ويرفض؟!

ولأني تربيت عسكرياً مع حبيبي أبوعمار، فكل شيء في حياتي منضبط، ورغم كل هذه السنوات التي مرت والشهرة التي اكتسبتها مازلت محافظة على الانضباط.

وسألناها عما إذا كانت تشتاق إليه بعد هذه العلاقة الجميلة والتي كانت غاية في الاحترام والحب، فأجابتنا: لا أشعر بأنني وحيدة. صوره موجودة في المنزل بكل مكان، والذكريات باقية معي في قلبي وعقلي. وعدم شعوري بالوحدة هو لأنني أقرأ كثيرا أيضاً ولدي أحلام اليقظة، فأنا حتى الآن مندفعة وأحب الحياة، وأعتقد أن الحياة تبادلني الحب نفسه، فهي لن تبقى معي حنونة إلى الآن لو أنها لم تحبني. أما الحالات التي أشعر فيها بالوحدة فعليا فهي عندما أكون خارج حدود الوطن، ولما أكون في منزلي حالياً على البناء المواجه لأوتوستراد المزة في دمشق فأنا الملكة.

السينما الخاصة

وعندما سألتها: كيف كانت النقلة من التمثيل على خشبة المسرح الى التمثيل السينمائي والتلفزيوني؟ قالت: في عام 1966 كنت حاملاً بابني عمار، وكنت منشغلة بالعمل في 3 مسرحيات على المسرح القومي، وهذه المسرحيات هي "موتى بلا قبور" لسارتر، و"لكل حقيقته" لبرانديللو، و"تارتوف" لمنير... ثلاثة أعمال في موسم واحد. وعرض علي وقتها دور في فيلم اسمه سلطانة إخراج رضا ميسر، بين اللبنانيين والسوريين واشتغلت فيه، وكان هذا الفيلم أول عمل سينمائي لي، وبدأت تأتي الأعمال مع بعضها، والأعمال التلفزيونية مع بعضها، تقريبا بعد سنتين من عملي، لكن في عام 1969 عندما صرت ممثلة مهمة على المسرح، قال النقاد وقتها: "منى واصف، لماذا تخلعين تاجك بيديك؟ أنت ملكة على المسرح، ولكنك في السينما لا شيء". هنا وعلى الفور حجزت وحضرت الفيلم، حسيت حالي فعلاً لا شيء، فقاطعت القطاع الخاص. إلا أن البديل كان موجوداً، في عام 1966 تم تأسيسه، وهو مؤسسة السينما، فاشتغلت معها ولم أحرم من السينما، واشتغلت معهم أدواراً عديدة لها علاقة بقضية معينة ومهمة... أعمال لها مستوى مميز وتشبه مسيرتي المسرحية، وكان هذا الأمر مهما جدا بالنسبة إلي، وفي عام 1974 اختاروني لأداء دور في فيلم "الرسالة" فأحسست أن هذا الاختيار تعويض لي، لموقف اتخذته سابقا، فكنت سعيدة جداً.

البحث عن هند

• في "الرسالة"، تم اختيارك في البطولة النسائية من النسخة العربية لهذا الفيلم، الذي أنتجه وأخرجه المخرج السوري العالمي مصطفى العقاد، في حين قامت بالدور ذاته في النسخة الإنكليزية الممثلة اليونانية المتميزة إيرين باباس... كيف كانت العلاقة بين البطلتين؟

- اجتمعت أنا وإيرين بمهرجان "جيرب" الأسطوري التاريخي، الذي يقام في جزيرة جربا بتونس، وقد كُرمنا معاً. هل تصدق أنني بعد الانتهاء من الفيلم منذ اثنين وعشرين عاما لم أرها؟! لما التقينا أحسست أن اثنتين وعشرين سنة انمحت في لحظة واحدة، وتذكرت كل التفاصيل؛ كيف عشنا سنة كاملة مع بعضنا، وكيف ربطتنا صداقة وحب وتنافس شريف ورائع، وكيف اختارني العقاد وسمع عني من مصر من الأستاذين عبدالله غيث وعبدالرحمن شرقاوي الذي كان مساهماً بكتابة الفيلم. لقد شاهداني قبل الفيلم في مهرجان دمشق المسرحي، وعرفا أنني أتقن اللغة العربية الفصحى ولدي مواصفات كثيرة، فلما جاء الأستاذ العقاد من الولايات المتحدة الأميركية لانتقاء ممثلين للفيلم كان يقول لهم: لقد تعبت وأنا أبحث عن الممثلة التي ستؤدي دور هند. قالوا له: يوجد في سورية ممثلة تمتلك هذه المواصفات اسمها منى واصف. فرد عليهم: وهل يوجد في سورية فن؟ فقالوا: أجل. وكان العقاد ترك سورية وسافر منذ 20 عاماً ولا يعرف عنها شيئاً، وعندما حضر وتعرفت عليه شعرت منذ لقائه الأول أنه صُدم، لأنهم وصفوني له بأن شعري أسود، لكنه فوجئ بلونه الأشقر، وهنا قلت له بأنني قد صبغت شعري وليس هذا لونه الأساسي، ألا تريدون ممثلة شقراء لأفلامكم؟ وتابعت: لا يوجد مشكلة أستطيع أن أرجعه إلى لونه الطبيعي في حال أعجب بي العقاد. وتم اختياري لأداء الدور.

خطر في بالي، بادئ الأمر، أنه "يضحك علي"، لكن عندما أراني الألبومات وكلها صور لممثلين أجانب ويلبسون العمامات ويرتدون اللباس الشرقي، كما شاهدت صورا لممثلين مصريين يرتدون أيضا الزي الشرقي؛ وقعت بين حالة التصديق وعدم التصديق للأمر برمته، وكنت في حالة شك مستمرة وقتها، فلو كان قادما ليختارني لأجل عمل مسرحي كنت سأصدق حالاً، أما أن يختارني لعمل سينمائي في الوقت الذي لا يوجد فيه سينما بالمعنى الحقيقي، أي أنه جاء لاختيار منى واصف للسينما في فيلم عالمي، وأنا لم يكن عندي إلا بعض الأدوار الحلوة البسيطة بمؤسسة السينما، في الوقت الذي كنت فيه مقاطعة القطاع الخاص، فهذا مما لا يصدق بسهولة.

وأتذكر أثناءها أن الأستاذ هاني الروماني والأستاذ شكيب غنام، رحمهما الله، (الاثنان عملت معهما في التلفزيون واشتغلت أدوارا باللغة العربية الفصحى: عمل بدور أميرة وآخر بدور ملكة) أحضرا العقاد إلى التلفزيون وعرضا عليه بعضا من أعمالي، ثم عاد إلي ثانية في النقابة، وعندما دخل من الباب كان ينظر إلي نظرة مختلفة تماما عن نظرته في المرة الأولى التي قابلته فيها، وقال لي: هل تسمحين لي أن آخذ لك بعض الصور؟ وإن لم أضع صورتك في الألبوم فسوف أضعها في جيبي الأيسر. يعني بجانب القلب. قلت: إذاً لقد أعجب بي، لا شك في ذلك. والتقط الصورة لي، ثم نامت القصة لفترة من الزمن، وبعد شهر عاد العقاد ليأخذ اسمي الكامل. وبعد شهر أو شهرين رن التليفون وقال المتصل: "ميسسز غالميران هير؟" قلت له: يس سبيك... وهنا بدؤوا بالحديث الجدي وشعرت وقتها بشيء حقيقي.

لم أصدق ما كنت أسمعه وأريد أن أقرص نفسي، أريد أن أضحك وأريد أن أبكي، لم أكن أعرف ماذا أفعل، حقيقة لم أعرف. كان هذا في الحادي والعشرين من أبريل سنة 74. ثم سافرت عن طريق لبنان وركبت طائرة الميدل إيست وذهبت إلى المغرب، وفي الحادي والعشرين من أبريل في عام 1975 انتهيت من تصوير الفيلم.

هذا الفيلم بالنسبة إلي بمثابة معهد، حيث كان حملة الأوسكارات حولي ممن عملوا في الفيلم، وقد عشت أياماً جميلة، استفدت وتعلمت فعلاً التواضع من الكبار، فكلما أصبح الإنسان مبدعاً بشكل كبير ستشعر بأنه أصبح صادقا أكثر مع الناس وصادقا أكثر مع نفسه.

كان الفيلم بكل المعايير الفنية والمعنوية والمادية متكاملا بشكل إيجابي، وقد زاد ثقتي بنفسي طوال حياتي، وشعرت بأن خياري كان صائبا لدرجة كبيرة، وأن رفضي السابق للعمل في سينما القطاع الخاص لم يكن خاطئاً، وأن عملي الجاد لتقوية لغتي العربية الفصحى لم يكن خاطئا أيضا. وعندما أمضيت أوقاتا طويلة في القراءة كان سببا من أهم الأسباب الداعمة لي ولفني واختياري للفيلم، إضافة إلى عشقي الكبير للمسرح، إذ إنني قبل عرض فيلم الرسالة كنت قد تمكنت من حماية نفسي ووصلت إلى مرحلة انتشرت فيها عربيا وعملت الأعمال المهمة، وأول عمل لي "دليلة والزيبق" بالملون، وفتحت لي أبواب المحطات العربية كلها.

إخراج نسختين

• إخراج الفيلم على أرض الواقع كيف كان؟ فهناك نسختان له... هل شاهد بعضكم بعضاً وأنتم تمثلون نفس الأدوار؟

- الديكورات هي نفسها للنسختين، في البداية كان الممثلون الأجانب هم من يبدأ بتمثيل المشهد، لكن فيما بعد وبناء على طلب منهم صرنا نحن نبدأ بالمشهد، وعندما ننتهي يبدأون هم بنفس المشهد، وكان المشهد السينمائي الواحد يأخذ وقتا يعادل تقريبا يومين أو ثلاثة أيام، فهو لا يشبه المشاهد التلفزيونية، إذ يعود الممثلون الأجانب لتأدية نفس المشهد بنفس الألوان ونفس الملابس ونفس الدقة، لأن الألوان مدروسة مع الملابس مع كل شيء بشكل متكامل ودقيق. تشعر بأن التغيير طرأ فقط على الممثلين لا غير، حتى الحركة لا تتغير ولا أي شيء آخر طبعاً يتغير.

• كيف كان الأداء؟

- طبعا كان مميزا، وسأتحدث عن رأي الأستاذ العقاد عني أنا وعن إيرين... العقاد ترك كل واحدة منا تمثل بإحساسها، بفهمها للشخصية وتؤدي دورها. لم يكن ملزما أبدا لأي واحدة منا بأن تقلد الثانية. وسألنا وقتها أنا وإيرين إن كنا نشعر بعدم الارتياح، إذا شاهدت كل واحدة منا الأخرى وهي تمثل الشخصية، فكانت إجابتنا نحن الاثنتين: لا. وإذا لاحظت فكل واحدة منا أدت الدور بطريقة مختلفة عن الثانية، إلا أن مشهدا وحيدا منعنا فيه من أن ترى إحدانا الأخرى، وهو المشهد الذي يعود فيه المقاتلون من معركة بدر خاسرين ويحضرون القتلى، وتكتشف هند مقتل أبيها وأخيها وعمها، هذا المشهد تحديدا. حينها قال العقاد: لا أريد أي واحدة منكما أن تشاهد الأخرى. ولم نعلم لماذا.

• ماذا تقول منى واصف عن مصطفى العقاد؟

- حصل المخرج الأستاذ العقاد بعد وفاته، والحمد الله قبل وفاته أيضاً على العديد من التكريمات، خاصة أن فيلمه "الرسالة" عرض حتى وصل إلى محطات كانت لسنوات قد منعت عرضه.

لقد شبهته بالجوهرة التي كنا نمتلكها وسرقوها منا، وعندما سرقت هذه الجوهرة عرفنا كم كانت تساوي من الملايين، ملايين الحب الإنساني، ملايين الإبداع الإنساني، ليس ملايين الدولارات التي كان يبحث عنها لأجل فيلم الناصر صلاح الدين... والآن نبكي ونتباكى، ونشعر بحسرة، ولأني أعرف العقاد تماما فكم كان جرحه عميقا في القلب. أحيانا تعجز الكلمات أن تعبر عن مدى خسارتنا نحن في فقدان هذا الإنسان المبدع، وأحيانا نبحث في قواميس اللغة جميعها عن الكلمات التي تبين مقدار خسارتنا. لن نتمكن من التعبير، وفي النهاية أختصر الكلام بوصفه بالجوهرة.

الصديقان... 100 وجه ليوم واحد!

حصلت منى واصف على العديد من الأدوار السينمائية في السبعينيات، قبل أن تشارك في الفيلم العالمي الرسالة، ومنها فيلم الصديقان عام 1970، للمخرج حسن الصيفي، والسيناريو: نهاد قلعي. وهو يتحدث عن أب متزمت يرفض زواج ابنته من الطيار الشاب الذي تحبه، ولكن هذا الطيار يجد مجموعة من الحيل لإقناع والدها بالموافقة على الزواج.

الممثلون: دريد لحام، نهاد قلعي، نجلاء فتحي، نجوى فؤاد، سمير غانم، سليم كلاس، زياد مولوي، رفيق سبيعي، ميمي شكيب، وتوفيق العشا... وغيرهم.

وفي عام 1970 أيضاً شاركت واصف في فيلم "مئة وجه ليوم واحد"، ويتحدث الفيلم عن الثورة الفلسطينية وصراع الطبقات وتحركات الجماهير واللامبالاة التي تنتاب المثقف والفنان، لنصل إلى حقيقة الإنسان العربي ذي المئة وجه. وهو من إخراج وتأليف: رفيق الحجار. الممثلون: منى واصف، ريمون جبارة، جلال خوري، ميشلين ضو، صلاح مخللاتي، مادونا غازي... وغيرهم.

الغلطة التي قام بها زوجي أنه وافق أن أعمل مع الصبان في مسرحية تاجر البندقية لشكسبير

شاهين كان يخرج من البيت دون أن يرتدي الزي العسكري الرسمي فكنت أتعجب

تربيت عسكرياً مع حبيبي أبوعمار فكل شيء في حياتي منضبط ومازلت محافظة على الانضباط

النقاد قالوا إنني أخلع تاجي بيدي فأنا ملكة على المسرح لكن في السينما لا شيء!

اجتمعت أنا وإيرين باباس بمهرجان «جيرب» الأسطوري التاريخي في تونس وكُرمنا معاً

تم إخراج نسختين من «الرسالة» في آن واحد وبنفس الديكور والملابس مع اختلاف الممثلين
back to top