1961 انطلاقة سيدة الشاشتين الدرامية منى واصف .. والسبعينيات حقبة شهرتها (2-15)

منى واصف: أمونة شوّهت سمعة «الدرغلة» و«سلطانة» انطلاقتي السينمائية

نشر في 13-05-2020
آخر تحديث 13-05-2020 | 00:17
عندما تسأل عن فنانة وممثلة سورية قديرة فأول اسم يلتمع على جدران الذاكرة هو «منى واصف»، وعندما تسأل عنها فإن أول ما يخطر في البال الشام ودمشق العاصمة وكل هوى سوري من الشمال إلى الجنوب. منى والشام في تماهٍ تام ومحبة لا يُفرطّ أي منهما بها، ثم يبدأ مباشرة شريط الذكريات عند كل جيل، بدءاً من الأبيض والأسود إلى الملون إلى الشاشة العالية الدقة، من صرخة منيرة في «أسعد الوراق»، إلى الأم المثالية في «أمهات»، إلى المرأة الهيبة ناهد (أم جبل)... ومازال العطاء والطموح مستمرين.

نكمل اليوم حوارنا مع النجمة منى واصف، وما زلنا في سنوات الشهرة الأولى وعلاقتها بوالدتها.

اقرأ أيضا

تأثرت الفنانة القديرة منى واصف في حياتها بأمها، بسبب بعدها عن والدها عقب وقوع الطلاق بينه وبين والدتها، وكم أكدت أنها تشبه أمها في شموخها وكبريائها وقوتها، فهل كانت واصف تشبه والدتها في الشكل أيضاً؟ سألناها فأشارت إلى صورة على الحائط وقالت: هذه هي صورة أمي، إنها تشبه ليلى مراد. عندما كنت أزور أبي كان يوجد سينما اسمها "فريال" تعرض أفلاماً كثيرة، من ضمنها فيلم أعتقد أن اسمه "غزل البنات"، وكانوا يوزعون صوراً لليلى مراد. كنت آخذ الصورة وأريها لأبي وأقول له: أمي أرسلت لك الصورة. لقد كان الشبه كبيراً بينها وبين الفنانة ليلى، حيث كان شعرها كشعر ليلى مراد، أما أنا فأشبه أبي أكثر.

«الحَجّة أمونة»

• هل كانت الوالدة موافقة على دخولك عالم الفن؟

طبعا موافقة، ولو لم تكن موافقة لما كان باستطاعتي دخول عالم الفن، لأن أبي لم يكن يمتلك الكلمة الأولى باعتبار أمي أخذتنا ونحن صغار، وباعتبار أنني كنت في الثامنة عشرة من عمري عندما قررت أن أكون ممثلة، وأقولها صراحة: لا يوجد قانون في العالم يجبرني على فعل شيء سوى قانون أمي. عندما يكون ردها نعم، إذاً نعم، وإن قالت لا فلا، وطبعا كانت موافقة، لكنها لم تكن معجبة بكل الأدوار والأعمال التي قمت بتأديتها، فمثلا هي أحبتني عندما اشتغلت على المسرح في دور "الدكتورة" وفي دور" الدوقة بورشيه" في "تاجر البندقية" لشكسبير... أحبتني أيضاً في الأعمال التي قدمتها في المسرح القومي، وأحبتني في بعض الأعمال في التلفزيون، لكن هناك أعمال تلفزيونية أخرى لم تحبني فيها، والسبب أنني كنت أختار أن ألعب في بعض الأعمال النسائية دورا لامرأة من بيئة فقيرة، أو دور الحاجة أمونة في مسلسل الجرح القديم، والتي كانت متميزة ومشهورة، تلك الشخصية "المدقدقة" بالوشوم، فكانت أمي تقول لي: هل من أحد "بيشرشح حالو"؟ هل من أحد يا ماما يفعل بنفسه هكذا؟ الناس تدفع المصاري لتظهر بشياكتها كاملة، ألم تشاهدي الأفلام اللي اخترتها؟ وزعلت مني أكثر بسبب هذا الدور ، لأن هذا العمل بعد أن حقق شهرة كبيرة وقتها أصبح أصدقاء عمي (زوج أمي) في الشغل وفي القهوة يقولون له إذا كانت ابنة زوجتك قوية بهذا الشكل فكم تكون زوجتك قوية إذاً؟ الأمر الذي دفع أمي إلى محاسبتي بأنني قد شوهت سمعتها، إلا أنها كانت تحبني على المسرح كثيراً وتقول لي: "هنا أنت ملكة"، لمعرفتها أنني وطوال حياتي أحب أن أكون ملكة وتتابع: "بس ماتت رضيانة علي".

رحيل الأم

وبتأثر شديد، تتابع فنانتنا القديرة الحديث عن والدتها، والتي كان لها الأثر الكبير في شخصيتها، ومن ثم فنها، فتكلمنا هذه المرة عن طقوس الاحتفال بعيد الأم وتقول: في عيد الأم كل سنة أستيقظ باكرا منذ الصباح، وأذهب إلى "التربة" (المقبرة) في منطقة "النبي ذو الكفل". منذ وفاة والدتي (24 ديسمبر 1973) لم أغير هذه العادة أبداً. بعد انتهاء حرب أكتوبر كانت بعمر 49، وكانت لا تزال صغيرة. عندما أصل إلى هناك أتحدث معها قليلاً، ومن ثم أمر على منطقة "الباب الصغير"، وهناك قبر زوجي وأم زوجي، لأن حماتي بمثابة أمي الثانية، لأنها ربت ولدي عمار، في الوقت الذي كنت مشغولة فيه كثيرا بالعمل بين وظيفتي والأعمال المسرحية.

إن أجمل ما أتذكره من علاقتي بوالدتي مواقفها التي لايمكن أن أنساها أبداً، وعندما أصبحت أما فكرت بأمي كثيرا وكم كان معها الحق في أن تخاف علينا وأن تتابعنا في الدراسة وتطلب منا دائما أن ندرس، وقد علمتني أيضا أن يكون لدي استقلالي المادي الخاص وتسمح لي بالعمل في فصل الصيف، وعندما كنت أطلب منها أن أركب الدراجة الهوائية أو النارية لم تكن تقول هذا عيب لأنك بنت، بل كانت تقول أنت بنت وصبي معاً، فالدنيا بحاجة أن تكوني الاثنين معاً. كانت تخاف على كرامتنا أكثر من خوفها لو وقعنا وجرحنا رجلنا، وهي "الدرغلة" فعلاً، وأتذكر عندما تم الصلح بينها وبين أهلها، وذهبنا إلى ضيعتنا "حب نمرة"، وجدنا نساء الضيعة واقفات على عين الماء ولما رأيننا أنا وأختي قادمات قالت إحداهن للأخرى: "لك هدولمو بنات الدرغلي". تعني أن فينا شيئاً كثيراً من أمي.

دائما أتذكر كبرياءها، فلم تكن تحني رأسها، ولأني كنت طويلة ونحيفة كانت دائما تحملني على ظهرها وتقول لي: "خلي راسك مرفوع لفوق دائما متل العصافير"، وأنا أزعل على كل يوم كنت أزعل فيه من أمي، وأقول: يا ربي أنا كيف كنت أزعل من أمي، وهي التي اتخذت كل المواقف الصعبة بالحياة كرمالنا، وأبي كان مدللا جداً عند أهله واتكالياً ولا يهتم بالعمل كثيرا، على عكس أمي ذات الشخصية الصلبة، وهي بنت ضيعة (فلاحة)، وتحب العمل والجد في الحياة، ومقتنعة بأن الحياة تحتاج من يقوم بالحراثة كي يستطيع أن يأكل، عكس أبي تماماً الذي كان من عائلة كبيرة، بعد أن قدموا من الموصل وكانت ميسورة الحال، لذلك تحملت والدتي المسؤولية كاملة، وأريد أن أخبر أمي أن تبقى مطمئنة على بناتها، وأقول لها: اطمئني، حفيداتك أيضاً ممثلات جميلات، وحفيدك شادي الذي تحبينه كثيرا -رغم أنها لم تره، فقد ولد يوم وفاتها- لقد أنجب صبيين جميلين، اطمئني، نحن جيدون، وكل الأشياء التي قمت بتوصيتي بها أنجزتها تماماً إلى حد ما، فكنت أما للجميع بلا تفرقة، وقد كنت أتمنى أن أرزق بفتاة، لكن الظروف وقتها لم تسمح، بعد إنجابي الطفل الأول، فحماتي كانت ضعيفة وأخي كان صغيرا، ولدي أنا وزوجي عمل كثير.

بداية مشوار السينما

في سنة 1966 شاركت واصف بعمل سينمائي واحد، وهو أول فيلم لها وحمل اسم سلطانة، ولعبت فيه دور سعدة.

الفيلم رومانسي غنائي، للمخرج وكاتب السيناريو رضا ميسر، ويروي قصة الفتاة البدوية (سلطانة) التي تحاول ترك القبيلة والمغادرة للمدينة، بعد أن تقع بحب شاب وسيم ذي صوت جميل، وشارك واصف في البطولة الفنان السوري المطرب الراحل فهد بلان، وإبراهيم خان، والمطربة سمورة (التي غنت أربع أغاني في الفيلم وهي: "حنا الوفي- صباح الخير يا قلبي- ما بيرضيني– يا رب إله الكون")، وفريال كريم ومحمد الدكش ويعقوب أبوغزالة ونوار فؤاد وصبري عياد وصلاح قصاص ومحمد جبولي وعبدالرحمن نور الله وسميرة شفيق ونزار شفيق وياسين عرفة، وغيرهم.

الشقيقات

وعن العائلة والعلاقة التي تربطها بشقيقاتها، تقول واصف: كانت حلوة، ولا يوجد أي فرق بيننا في السن، فبيني وبين هيفاء أربع سنوات، وبيني وبين غادة 5 سنوات. أحب الأصغر، يعني أحب أختي رويدة التي هي أختي من أمي وأخي نبيل أيضاً. وبحكم فارق السن بيني وبين رويدة (ما يقارب 13 سنة) فأنا أعتبر نفسي من قام بتربيتها، تماما كالأم الثانية بالنسبة إليها، وهذا أمر معروف في الأسر الكبيرة، إذ إن الكبير يقوم بتربية الصغير. لدي حس الأمومة تجاه رويدة وحس الأخوة تجاه هيفاء وغادة، وأعامل رويدة تقريبا كما أعامل ابني عمار وأخي نبيل، قبل أن يسافر، حتى أولاده أشعر بأنهم جزء مني، وهما الآن شابان جميلان، وقد ولدته أمي عندما تزوجتُ، أحيانا يناديني خالتي، كما أن الحميمية المطلوبة لم تكن موجودة تجاهه، فقد كنت متزوجة عندما ولد، وبينه وبين ابني سنتين. هو أكبر من ابني بسنتين ولا توجد تلك الروابط الكبيرة، أحسه كأخي لكن بشكل مختلف عن إحساسي تجاه باقي أخواتي اللاتي تربيت معهن أو قمت أنا بتربيتهن.

• في الوقت الذي دخلت إلى المسرح العسكري كنتما أختين، فهل كان هناك تنافس بينكما تلك الفترة؟

أنا وأختي هيفاء؟! لا لم نكن وقتها نعرف ما هو التنافس، فكل مسرحية اشتغلتها في المسرح العسكري كانت هي موجودة فيها، لكن كنت أنا البطلة دائما وهي دائما كانت البنت الحلوة.

السبعينيات والعطاء

وحدثتنا الفنانة القديرة عن فترة السبعينيات، فهي الفترة التي بدأت فيها شهرتها، وتوالت الأدوار التلفزيونية والسينمائية، وأصبح لها مجموعة من الأعمال مع نجوم التمثيل وقتها، خصوصا في الأفلام التي اشترك فيها ممثلون مصريون وسوريون، ففي عام 1972 شاركت واصف في مسلسل "زقاق المايلة" بالأبيض والأسود، من إخراج شكيب غنام وتأليف عدنان حبال، والبطولة للممثلين منى واصف، وهالة شوكت، وأسامة الروماني، وعدنان بركات، وعلي الرواس، ونور كيالي، وعصام عبه جي، ومحمد الشماط، ومحمد خير الحلواني، وعمر حجو، ويوسف شويري، وصلاح قصاص، وملك سكر، ومها الصالح، وأحمد أيوب، وفايزة الشاويش. أما الديكور الفني فهو للفنان التشكيلي السوري حسان أبوعياش. والمسلسل معد عن نص مسرحي للكاتب المصري محمود دياب، وهو من التجارب القليلة في الدراما التلفزيونية العربية التي تعتمد على نص مسرحي، ويروي العمل قصة أبوصالح الذي يدخل السجن ظلما ليحكم عليه بعشرين سنة من القهر والحرمان، ليخرج ويصل خبر خروجه لأهالي الحي بأنه قادم ليقتل عشرين رجلا، مقابل كل سنة سجن قتيل، وكانت رسائله تؤكد أنه سيقتل كل من تآمر ولفق وشهد زورا عليه، لتنقلب حياة أهل الحي رأسا على عقب ويبدأ الخوف بالتسلل إلى قلوبهم من الموت القادم الذي يحمله أبوصالح، إلا أن المفاجأة أن أبوصالح خرج من السجن ضعيفا هزيلا غير قادر على فعل أي شيء. وتتحدث منى واصف في معظم المقابلات التي أجريت معها عن الأثر الكبير لسنوات السبعينيات في حياتها المهنية وما قدمته لها من شهرة، ولو عدنا إلى أول أعمال النجمة تلفزيونياً فسنجد في عام 1961 أول مسلسل درامي واسمه "ميلاد الظل" بالأبيض والأسود، شاركت فيه، وكان بداية المشوار الفني. وفي عام 1967 شاركت واصف في مسلسل "حمام الهنا" بالأبيض والأسود، وهو مأخوذ عن رواية للأديبين الروسيين إيلفوبتروف عنوانها (الكراسي الاثنا عشر)، ويتكون من خمس عشرة حلقة مدة كل منها ساعة تلفزيونية كاملة، وقام بكتابة السيناريو والحوار الفنان نهاد قلعي (حسني البورظان) والإخراج لفيصل الياسري (الذي تحدث مراراً عن شهرته التي حققها له هذا المسلسل، ويقول في لقاءاته دائماً: إن حمام الهنا مازال يعرض على التلفاز منذ خمسين عاما)، وشاركه في الإخراج المخرج السوري خلدون المالح، والبطولة في المسلسل للفنانين: دريد لحام، ونهاد قلعي، ورفيقي سبيعي، وهالة شوكت، ولينا باتع، وزياد مولوي، وعمر حجو، وفهد كعيكاتي، ومحمد طرقجي، ومنى واصف. أما موسيقى العمل من الشارة والموسيقى التصويرية فهي جزء من عمل موسيقي للموسيقار المصري عطية شرارة، وتم اختيارها لمناسبتها للبيئة الشامية، كما أن أحداث المسلسل تجري في حمام دمشقي.

«الجرح القديم»... حب وثأر بين عشيرتين

مسلسل الجرح القديم عام 1971، الذي أدت النجمة منى واصف فيه دور البطولة بشخصية أمونة وشاركتها البطولة النجمة السورية إغراء (في دور أسمى) هو قصة من منطقة الجنوب السوري (حوران)، قصة ثأر بين عشيرتين، إذ تحصل علاقة حب بين الدكتور كمال وأسمى ابنة الحجة أمونة، ويهربان إلى الشام، فترسل عشيرة الفتاة رجل اسمه عوض العموري يبحث عنهما في المدينة، وعندما يعثر عليهما يطلق النار فيرديهما قتيلين، ثم يقوم حسين العموري بالتدخل ويقتل عوض، لتعود الحرب بين العشيرتين. ويعد هذا العمل من أوائل الأعمال الملونة على الشاشة، والمسلسل من إخراج سليم موسى، وأنتجه التلفزيون السوري، والموسيقى التصويرية للفنان السوري الملحن الكبير سهيل عرفة.

وفي حوار أجرته الإعلامية السورية القديرة هيام حموي مع الفنانة منى واصف طرحت عليها السؤال: لو عدت للوراء وشاهدت دورك في مسلسل الجرح القديم بدور أمونة ما الذي يمكن أن تقوليه؟ فأجابت: هذا العمل صور في السبعينيات، وكان دوري أمونة أم الفنان عدنان بركات، وكان عمري وقتها 25 عاماً. وفي عام 1990 أديتُ دورا جديدا مع الفنان عدنان بركات وكنت ابنته في العمل، وقلت له وقتها: يا أستاذ، لي عندك دين قديم. فقال: ماذا؟ قلت له: قبل عشرين عاما قمت بأداء دور والدتك، وكنت لا أزال في الخامسة والعشرين، والآن أقوم بتأدية دور ابنتك وعمري فوق الأربعين، لكني أديت الدور بسبب قلة العنصر النسائي في الدراما السورية وقتها، وبما أننا نتحدث عن أدوار شخصيات كبيرة بالسن أذكر أن المخرج السوري شكيب غنام عرض علي أداء دور الختيارة، فقلت له: لم لا؟ فأنا أحب هذه الأدوار. وأذكر حينها أيضا أننا استغرقنا وقتا وجهدا لوضع عمليات المكياج المناسبة.

كان الشبه كبيراً بين أمي والفنانة ليلى مراد حتى في الشَّعر... أما أنا فأشبه أبي أكثر

لو لم توافق والدتي لما كان باستطاعتي دخول عالم الفن... وأبي لم يكن يمتلك الكلمة الأولى

عندما كنت أطلب أن أركب الدراجة لم تكن أمي تراه عيباً وتقول أنت بنت وصبي معاً والدنيا بحاجة لتكوني الاثنين

أريد أن أخبر أمي أن تبقى مطمئنة على بناتها وأقول لها: اطمئني فحفيداتك أيضاً ممثلات جميلات

أغضبت أمي كثيراً في الحياة وببعض أدواري لكنها كانت تراني «ملكة» المسرح وماتت وهي عني راضية
back to top