نجمة العالم العربي منى واصف فتحت لـ «الجريدة.» بيتها وقلبها (1-15)

اشتغلتُ بائعة «غزل بنات» وعارضة أزياء

نشر في 12-05-2020
آخر تحديث 12-05-2020 | 00:04
ولدت الفنانة السورية القديرة منى واصف في الأول من فبراير عام 1942 في دمشق، وهي أجمل الأمهات في الحياة وفي التمثيل. رائدة في مسيرتها الحياتية والفنية منذ البدايات في دمشق الستينيات من القرن العشرين. بخطوات واثقة سارت في بداية الدرب، رشيقة أنيقة... احترفت عروض الأزياء في زمن كانت المهنة حلماً شبه مستحيل في مخيلة الصبايا، ثم ارتدت بالأناقة ذاتها الملابس التاريخية؛ لتخطو على المسرح، في وقت كانت الأنوثة نادرة على خشبته.
دورها في الفيلم التاريخي «الرسالة» للمخرج العالمي مصطفى العقاد كان جواز سفرها إلى الشهرة في العالم العربي، ثم فتحت لها الدراما التلفزيونية أبواب الإبداع على مصاريعها، لنراها على مر الأعمال تتدرج في الأدوار من المرأة بصفتها، إلى المرأة كأم، وصولاً إلى دور الجدة.
نساء كثيرات تجمّعن في امرأة واحدة، هي هذه السيدة الرائعة.
بعد سنين طويلة عاشتها في عالم الفن الراقي بكل ما يتطلبه من وعي وتميّز، ومثابرة لتقديم الجيد والنفيس، يطل علينا وجهها ككتاب الذكريات، مختصراً أجوبة كثيرة وعميقة عن حياتها، بحلوها ومرّها، لتأخذنا عيناها بالتماعهما وعمقهما إلى عالم فريد؛ نستحضر فيه الماضي ونربطه بالحاضر، لندون قصة سيدة الشاشتين وأجمل الأمهات.

التجاعيد حول العينين وعلى الخدين والجبين تنطوي على تاريخ طويل، وتكشف فيما تكشف عن قصص وذكريات من الحب، والحزن والفرح، والنجاح والفشل، والقوة والإرادة، ووراء كل خط منها يلمع بريق زمن ثري وقصص رائقة. كشجرة سنديان تتجذر في عمق الأرض، وفي ذاكرة من يعيشون عليها، كالنجم في عليائه يبث في الروح السلام وفي العينين الفخر.

عندما تستمع إليها وهي تتحدث ستعرف للكبرياء معاني ومعاني، وستسوق إليك عِبَر الحياة بلسان حكيم وتواضع عظيم... عفوية، جميلة، متواضعة، غنية، راقية وذكية. إنها الفنانة السورية القديرة منى واصف، التي ستصحبنا وإياكم في هذه المسيرة الممتعة، في خمس عشرة حلقة عبر "الجريدة"، التي حلّت ضيفة على "نجمة العالم العربي"، في منزلها الدمشقي الجميل.

الجريدة. في منزل واصف

"الجريدة" زارت واصف في منزلها الدمشقي الجميل... إنها المرة الأولى التي أشعر فيها عند دخولي منزلاً بأن الصور المعلقة على الجدران هي التي تحمل المنزل وتدعم حيطانه، موزعةً بين الأبيض والأسود والملون، لمن بقوا ومن رحلوا، وبين أول الأيام على سلم المجد وتاليها من الشهرة الكبيرة، وتتداخل الصور في مخيلة من يشاهدها كفيلم سينمائي دافئ منحوت بسنين طوال من التعب والجهد والعطاء.

وبين مشهد الجوائز والأوسمة وتواضع سيدة المنزل وسيدة الشاشتين السينمائية والتلفزيونية أبحرنا، وبدأت قصة النجمة الإنسانة تشع بكل تفاصيلها.

عندما دخلت منزل الفنانة منى واصف جذبت انتباهي إحدى الصور، يبدو فيها العنفوان والكبرياء كعادة صاحبتها... سألتها عن قصة هذه الصورة، ولماذا تميزها عن باقي الصور المعلقة على الجدار؟ فأجابت: أحب هذه الصورة كثيراً؛ لأنها بدون مكياج. عندما ذهبت لألتقط صورة لي عند أحد المصورين المميزين الذي يشارك في معارض تصوير، وكانت هذه الصورة ستشارك في معرض من المفترض إقامته في اليابان، طلب مني المصور أن أتصور بدون مكياج، إلا أنه سمح لي بالروج فقط، وقال لي: "بدي الإيدين والأصابع الملوكية والنظرة اللي فيها شي". بالأسود والبلوفر الأبيض على أزرق، كما يظهر فيها وجهي فقط، وأضاف المصور: فكري طبعاً بالصورة، ما رأيك؟ وهنا كنت أفكر بأنني مميزة جداً. وفي اللحظة التي يقوم فيها بأخذ الصورة أشعر في داخلي بكمية كبيرة من المشاعر، وأشحن نفسي بشيء معين، لأنه قال لي إنه يريد شيئا من منى واصف، فركزت من الداخل كما أنا دائماً مميزة، فكانت تلك النظرة التي تراها في الصورة.

كتابة القصص القصيرة

• إذا عدنا بالزمن للوراء كثيراً إلى فترة المراهقة، فماذا تتذكر منى واصف من تلك المرحلة في حياتها؟

- مراهقتي كان فيها تناقض كبير؛ كنت حالمة، كنت شيطاناً، كنت أركب "باتيناج" وأركب "بسكليت" وألعب "الدحل" وخسّرت صبيان الحارة الدحلات ذوات الرؤوس الكبيرة عندما كنت أصيب رأس الدحلة. وفي الوقت نفسه كنت ألعب الحبلة وأحضر أفلاماً وأقرأ. كنت معجبة جداً بالفنان المصري عبدالحليم حافظ، لقد كان مطرب مراهقتي؛ "أحبه كثيرا"، هو المطرب الحبيب إلى قلبي، وحتى اللحظة أشعر بأنه لم يمت.

كان لدي حزن أيضاً... لكن هذه الفترة عندما أستحضرها الآن أشعر بأنها جميلة جداً، وأذكر الاندفاعات التي كانت تتملكني وكم كنت جريئة، وأتذكر مغامراتي فيها وأشياء حلوة كثيراً.

• هل كتبت شيئا عن فترة مراهقتك، في مذكرات خاصة بك مثلا؟

- لا، لقد كنت أكتب القصص القصيرة حتى آخر سنة لي في الصف الإعدادي، وقد كنت المتميزة والبارعة دائماً في مواضيع الإنشاء والتعبير، التي كانت الأحب إلى قلبي. وكم كتبت للفتيات اللاتي يتقدمن عني في الصفوف الدراسية مواضيعهن، في فترة الاستراحة بين الدروس (الفرصة)، أي أنني عندما كنت في الصف السادس كنت أكتب للبنات في الصفين السابع والثامن، وعندما صرت في "السابع" كتبت لفتيات الصفين الثامن والتاسع خلال فترة الدقائق العشر في الفرصة، أكتب لهن ويحصلن على علامات جيدة، كما كتبت عددا قليلا من القصص القصيرة، وأقولها لك: لقد نشروا لي قصتين منها.

• من المعروف عن منى واصف أنها كانت تحلم بأن تكون كاتبة، كيف تبلور مسارك لاحقاً كممثلة؟

-لا أريد أن أقول "صدفة"، لكن عندما كنت في المدرسة عرفت من البعض أنهم يحاولون تشكيل فرقة، عرفت باسم فرقة أمية، وهي حتى الآن مازالت على اسمها. قررت الانتساب لهذه الفرقة، فكنت بعد الظهر خارج أوقات الدوام في المدرسة، أو في فصل الصيف بالوقت الذي تعطل فيه المدرسة؛ أتدرب مع الفرقة في مجال الرقص الشعبي، وفي الوقت نفسه كنت أعمل بائعة "غزل بنات" بالصيف في شهر أغسطس، وعندما سقطت بالبروفيه أقنعت أمي بأنني سوف أدرس البروفيه بشكل حرفي بالبيت، وفي ذاك الوقت اشتغلت عند بائعة أزياء نسائية، مدام جورجيت الباريسية، وقمت بعرض الأزياء أثناء عملي عندها، وفيما بعد صرت عارضة أزياء أشتغل بعرضها بالمحلات، كما شاركت بمهرجان القطن، الذي كان يقام في حلب، وقمت بعرض الأزياء فيه. واشتغلت كذلك بالعمل ذاته في بيروت... كنت أعمل كل شيء؛ لأن أمي رحمها الله كانت تقول لي: إن المرأة التي لا تعمل وغير المتعلمة سيدوسونها.

راقصة شعبية

عندما كنت بعمر الثامنة عشرة قرأت بإحدى الجرائد أنهم بحاجة إلى راقصات شعبيات للمسرح العسكري، فتقدمت أنا وأختي. هي تقدمت على أساس ممثلة، وأنا كراقصة شعبية، ونجحتُ فعلاً، لكن لم يدعوني للمشاركة بالفرقة، لأني قدمت بروفة للأستاذ محمد شاهين، الذي أصبح زوجي لاحقاً، وكان وقتها ضابطا برتبة ملازم أول، ومدير المسرح العسكري، فأعجبا بي كممثلة وأعطياني دورا بأول مسرحية، وكان الراتب مغرياً، فقد حصلت أنا وأختي في ذاك الوقت عام 1960 أو ربما 1961، على 500 ليرة تقريبا؛ حصلت أنا على مبلغ 225 ليرة سورية وأختي حصلت على 250 ليرة. في تلك المرحلة كان هذا الراتب جيداً جداً، وحصلنا على الوظيفة التي كانت تعتبر شيئا كبيرا ومهما جدا، حتى أن والدتي لم تتوقع مثل هذا الراتب، وربما كان هذا هو السبب الذي جعلها توافق.

لم أكن أحب التمثيل بمعناه في ذاك الوقت، لكنني أحب أن أعمل أي شيء له علاقة بلفت النظر، (تضحك بكل ثقة)؛ "أنا بموت ع لفت النظر، كانت عندي هالقصة شغلة". وعندما خُطبت أول مرة، وكان خطيبي سعودي الجنسية، أهداني الماس واللؤلؤ، فوضعت تلك المجوهرات جميعها في يدي وعلى رقبتي، وخرجت أتمشى على طريق الصالحية! لكني شعرت وقتها أن لا أحد رأى ما كنت ألبس منها، بينما عندما كنت أرتدي أي شيء من اللباس البسيط، باعتباري عارضة أزياء، لاحظت أن معظم الناس تنظر إلي، الجميع كان ينظر إلى منى، منى فقط.

لم ير أحد كل تلك المجوهرات، مع كل تلك الأناقة، وبعد خمسة عشر يوما ذهبت إلى أمي وقلت لها: لقد قررت ألا أتزوج. ولم أتزوج، لأن أحدا لم يهتم لما ارتديت. وحتى الآن صارت عندي عقدة، فلا أشتري الماس الحقيقي ولا غيره. أعتمد الآن على الإكسسوارات التقليدية، وأمتلك الشيء البسيط من الزركون أو غيره. وعندما أرتدي بعض مجوهراتي في لقاء ما على التلفزيون، فإن كل الناس يعتقدون أنني أرتدي الذهب أو اللؤلؤ، ويقولون: "الله يتم عليها". لكنني أقول في معظم اللقاءات إن ما أرتديه كذا، وصراحة لا يهمني، فقد اكتشفت منذ صغري ما هي الأمور التي من الممكن أن تكون حلوة بالنسبة إلي والأمور التي قد لا تكون مهمة بالنسبة إلي، من خلال التجربة. وقد أنقذتني هذه القصة من عبء اللباس والغلاء، حيث أتعامل مع هذه الأمور بشكل عادي، كما أنني تركت هذه القصص، فالألماس لن يرفع عدد الناس الذين سينظرون إلي أو حتى الناس الذين لم ينظروا.

الأم القوية

• ما الذي تذكرينه من علاقتك بوالدتك؟ وما الجميل في هذه العلاقة؟

- أجمل ما في هذه العلاقة أنني أحترم مواقفها... أمي مسيحية من منطقة وادي النصارى، من ضيعة اسمها "حب نمرة"، واسمها هيلين الأزرق، وكان الناس ينادونها "هلون"، أما لقبها بالضيعة فكان "الدرغلة" (نوع من الطير) أما صوتها فكان جميلا وحلوا جدا.

جاءت والدتي إلى دمشق، وتعرفت على والدي المسلم وتزوجا، وكانت لا تزال صغيرة في السن ووالدي أيضا كان صغيرا عندما اقترنا.

كنت أنا أول أولادهما، فقد ولدت سنة 1942، ثم ولدت أختي هيفاء، وبعدها أختي غادة، رحمها الله. طلقت والدتي وأنا في عمر السبع سنوات، وأذكر أن عائلة والدتي كانوا ضدها عندما تزوجت من غير دينها. أمي لم تتركنا، ولم يكن يخطر في بالها أن أحدا سيقبل الزواج بها ولديها ثلاث بنات أصغرهن عمرها أقل من سنة... أنا في السابعة وهيفاء في الرابعة.

لقد أخذتنا معها، ولم يكن أبي مسؤولاً عن أي نفقة ولا عن أي شيء. أمي كانت شجاعة بقراراتها، ولو كانت بمفردها لكان أهون عليها، باعتبار أنه ليس لها أحد ولا أحد يقف في صفها، وهي غير متعلمة ولا حتى دارسة، لكنها كانت امرأة جميلة جدا وذكية، ولأنها جميلة جداً تقدم لخطبتها الكثير. لكنها لم توافق على الزواج، إلا من الرجل الذي قال لها: بناتك قبلك. فهي لم تكن قادرة على تركنا، فقد أخذتنا وليس لديها أحد، وليس لنا غيرها، فكان هذا القرار بالزواج هو أول قرار لها، وأعتبره موقفا شجاعا وأحترمه في والدتي.

ومن صفات أمي أنها كانت صارمة، ولأننا بنات تضاعف خوف علينا، وكان هناك دائما نوع من القمع الأمومي بالنسبة إليها.

أنا أقلدها تقريباً في الأدوار التي أمثل فيها دور المرأة القوية بكبريائها والشامخة. نعم، لقد كانت أمي من هذا النوع. حقيقة لم أرها تبكي في حياتي كلها سوى مرتين؛ مرة عندما ماتت القطة بعد أن ساعدتها في الولادة، ومرة ثانية عندما كانت تخبرنا عن وصيتها ألا نقوم بإخراجها من المستشفى، لو ماتت فيه، إلى البيت، بل أوصتنا بأخذها من المستشفى إلى التربة مباشرة وبأن نقوم بغسلها في المستشفى، لأنها تخاف على أختي رويدة وأخي الذي لم يكن قد تجاوز السنوات السبع، وكان أكبر من ابني بسنتين، لكيلا يخافوا عند رؤية والدتهم الميتة. هما مرتان فقط دمعت عيونها فيهما... آااخ، يعني أمي شغلة أمي.

أول عمل مسرحي

فيما يتعلق ببداياتها في التمثيل والمسرح قالت: «في أول عمل مسرحي لي لم أعجب النقاد، وقالوا: أنت فتاة جميلة، اذهبي إلى المرآة وانظري إلى نفسك وانتظري العريس. وفي أول مسرحية، وكان اسمها العطر الأخضر، تزوجت مديري الأستاذ محمد شاهين، وعندما طلب مني ترك التمثيل، لوجود قانون في الجيش يمنع زواج الضابط من فنانة أو أجنبية، فأنا "ما كذّبت خبر الحقيقة" وتركت العمل وبقيت في بيتي سبعة أشهر، لكنني اكتشفت أنني أعشق كل شيء كنت أعمله وأن الزواج لم يكن هدفي، وفيما بعدُ عين زوجي مديرا للتلفزيون مع سيارة وسائق عند الباب، واكتشفت هذا الأمر بشكل مبكر وسريع عندما كان عمري عشرين سنة. وبعد سبعة أشهر قلت لزوجي: إنني لا أستطيع البقاء دون عملي، أشعر بحالة من الاختناق في داخلي، وأريد أن أعود إلى التمثيل. كما اكتشفت أنه هو الآخر منقول ومنخرط ضمن ملاك مؤسسة مدنية، ولم يخبرني ولم أكن على معرفة بالأمر؛ إلا أن الدكتور رفيق الصبان صديق زوجي شاهين قال له: منى الآن من الممكن أن تعود إلى عملها، إنها مكسب وثروة. المهم في النهاية رجعت وحلفت يمينا أنه وطالما رجعت فلا يمكن أن أبيع عملي الذي عدت له بأي شيء في العالم، لكن وبكل بساطة عندما ولدت ابني عمار استقلت لمدة سنة من المسرح القومي، الذي كنت انتقلت إليه، وتفرغت للاهتمام بابني وقمت بإرضاعه كأي أم، وبعد ما يقارب السنتين عدت مجددا إلى وظيفتي برضاي وكامل قناعتي، وشعرت بأنه من المفروض علي أن أفعل ذلك دون أن يخبرني أحد أو يطلب مني، بكل جمال وبكل روح، وبعد الرجوع للعمل شعرت بأنني قادرة على ترك ابني وأن أشارك في البروفات أو أحضره معي».

صورة بلا مكياج تحتل مكانها المميز على جدران بيت الفنانة الكبيرة... فما سرها؟!

أعجبتُ جداً بالفنان المصري عبدالحليم حافظ وكان مطرب مراهقتي... أحببته كثيراً وأشعر بأنه لم يمت

انتسبتُ إلى فرقة أمية وتعلمت بها الرقص الشعبي

كم كتبتُ للفتيات المتقدمات عني بالصفوف الدراسية مواضيعهن خلال 10 دقائق وكنّ يحصلن على علامات جيدة
back to top