«حُتُوْفٌ مُرَاوغَةٌ»... لرانيا السعد تعرض متغيرات المجتمع وتحوّلاته

تطلعنا رانيا السعد في «حُتُوفٌ مُرَاوِغَةٌ» على حيثيات مرحلة من تاريخ الكويت، وما شهدته من صراع أيديولوجي بين ثقافة الطبيعة الفطرية المجسّدة حال الناس في ظل مجتمع تقليدي يبرز بوضوح طابعه المحلي، وبين ثقافة مغايرة أصولية الطابع أضحت السياق الأمثل لتصفية الحسابات، والانحياز العقدي، والسجال السياسي.

ولهذا نجد الكاتبة السعد تلتجئ إلى التاريخ وتستدعي شخصيات سياسية ورموزاً دينية ممثلة في أسمائها الكبيرة، وكأنها تخوض حرباً سياسية من على جبهة الكتابة؛ وتكون أداة هذه الحرب بطل روايتها «بدر» الذي بايع أمير الجماعة «أبو مهلهل» عازماً على بذل النفس والمال في سبيل نصرة الحق ظاناً أن ما تفوه به من قسم هو مجرد كلمات مجازية عاطفية؛ ليكتشف لاحقاً أن في انتظاره مهمات جسيمة تتطلب منه اتخاذ مواقف قد تكلفه حياته وحياة ابنه.

بعدما أتاحت له الظروف تقوية دعائمه، وتعجيل الخطى الآيلة إلى اعتلائه المكانة التي رغب، وناضل من أجلها بمصداقية، يفاجأ بدر بأن الواقع ليس كما يفترض هو، وأن أحلامه ورغبات الناس لا قيمة لها، ويشتد الأمر سوءاً عندما يقتفي الابن «أحمد» خطى والده «بدر» العقدية ويختار بلاد الشام والعراق أرضاً للجهاد وذلك بعد أن يترك زوجته وأولاده إلا من وصية... وينتهي بدر مهزوماً إنسانياً كأب يبحث عن شخص يلقي عليه اللوم لما آل إليه مصير ولده الذي أفضى إلى نهاية مبهمة بخلت عليه حتى بختام معلوم... فاتخذ القرار بأن يهزم تلك النهاية، فصنع له نهاية مهيبة «أحسبه بإذن الله شهيداً».

صوت روائي مميز

أفلحت الكاتبة رانيا السعد بصوتها الروائي المتميز في عرض ونقد بنيات ذهنية/ سياسية لشرائح اجتماعية عريضة تفصل بينها سنوات طويلة من الصراع على المستوى الواقعي؛ فكانت بسردياتها وحواراتها وشخوصها الروائية أكثر تغلغلاً في باطن اللاوعي الجمعي، وأدق استبطاناً لقضايا المجتمع والثقافة ونظام الحكم، وأشد مسائلة لخبايا المرحلة التاريخية وكشفاً لأسرارها.

من أجواء الرواية نقرأ:

«حين تقرئين هذه الرسالة سأكون بفضل الله غادرت لنصرة دينه بالجهاد في العراق ضد الغزاة الكفرة طلباً للشهادة أو النصر، وكلاهما نهاية أماني المؤمن الحق.

أوصيك يا زوجتي العزيزة بالحبيب «سليمان»، ربيه على كتاب الله وسُّنَّة نبيه وازرعي في قلبه حب الجهاد الذي تركه المسلمون فهانوا واستكانوا واحكِ له عن أبيه الذي ذهب ليجاهد ليدفع عنه وعن الأمة الذل من جهة وغضب الله من جهة أخرى.

أما المولود القادم بإذن الله فإن كان «ولداً» ورزقني الله بالشهادة فسميه باسمي أما إن كانت بنتاً فأوصيك بتسميتها «حصة» على اسم جدتي لأبي رحمها الله وأموات المسلمين.

أسأل الله أن يجمعني وإياكِ وأولادنا ووالدينا في الفردوس الأعلى مع الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين وحَسُنَ أولئك رفيقاً.

أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه».