زهرة مروة: المشهد الثقافي اللبناني تراجع

• تؤكِّد أنّ قصيدة النثر موجودة شئنا أم أبينا

نشر في 27-08-2017
آخر تحديث 27-08-2017 | 00:10
ترى الشاعرة اللبنانية زهرة مروة أن المشهد الثقافي في لبنان راهناً يحصل على درجة «جيد»، بعدما كان لبيروت سابقاً دور ثقافي بارز على الصعيد العربي، وكان الشعراء العرب الكبار يصلون إلى الشهرة خلال وجودهم في هذه العاصمة. وحول الجوائز الأدبية تؤكد أنها ليست دليلاً على التقدّم والتطوّر ولا على إبداعية الكاتب، موضحةً أن العلاقات والمصالح الشخصية تؤدي أحياناً دوراً في تحديد اسم الفائز. حول رؤيتها وأعمالها ومسيرتها حاورتها «الجريدة».
من «جنة جاهزة» إلى «الإقامة في التمهيد»، يحمل كل ديوان لك تجربة مغايرة.

تتعمّق تجربتي الشعرية وتتبلور عبر الزمن. أعتبر أن ديواني الأول «جنة جاهزة» يحمل شحنة وجودية كبيرة، فهو نابع من تجربة عميقة ومن ألم داخلي. أما «الإقامة في التمهيد» فهو «تجريبي»، أي يتضمّن تجربة كتابية حرفية أكثر منها وجودية، على حد قول الشاعر والصديق عبده وازن، فيما يأتي «الحياة على دفعات» بين التجريبية والحرفية.

قصيدة النثر

تكتبين قصيدة النثر. هل تظنين أنها ما زالت تخوض صداماتها الإشكالية مع القصيدة العمودية؟

نشب الصراع بين قصيدة النثر والقصيدة العمودية في أوجه أيام مجلة «شعر» نحو عام 1960، وبفضل بعض الشعراء، من بينهم الشاعران الكبيران أنسي الحاج وأدونيس، أصبحت قصيدة النثر العربية شرعية بكل معنى الكلمة، وتدخل في خانة الشعر من دون أي شك.

وإذا تساءلنا عن جذورها، نجد أنها تنبع من فرنسا، تحديداً من الشاعر الفرنسي الكبير بودلير (تُوفي عام 1862)، فهو أول من كتب قصيدة النثر الفرنسية. من هنا نجد أن قصيدة النثر «قصيدة» شئنا أم أبينا، وولادتها قديمة. ولكن يبقى لكل جمهور قصيدته الخاصة وذوقه. مثلاً، في لبنان أشعر بأن الجيل القديم يفضِّل القصيدة التقليدية الموزونة، ولكنه يعترف بقصيدة النثر، خصوصاً إذا كان القارئ مثقفاً ويتقن لغة أجنبية، فيكون منفتحاً على كل شيء جديد. ولا أنكر أن ثمة شعراء من الجيل القديم يكتبون قصيدة النثر مثل أدونيس وعباس بيضون ويفضلونها على القصيدة الموزونة.

ولكنك تميلين إلى قصيدة النثر الفرنسية تحديداً.

جاءت قصيدة النثر من فرنسا، مع الشاعر الفرنسي الكبير بودلير. أشعر بأن قصيدة النثر الفرنسية قريبة جداً إلى نفسي، وتحرضني على كتابة الشعر، وأنا معجبة كذلك بقصائد الشاعر السوريالي بول إيلوار، الذي كتب قصيدة النثر أيضاً.

هل الشعر تجربة ذاتية أم صناعة معرفية؟ وكيف تتشكّل القصيدة لديك؟

الشعر خليط بين التجربة الذاتية التي تدفعك إلى الكتابة وبين الصناعة المعرفية. تبدأ القصيدة عندي بعد حالة انفعال أو انكسار، وتؤدي بي (أي بعد أن أكتبها) إلى لحظة صفاء. الفن علاج للتحرّر من المشاعر السلبية، بحسب نظرية كتارسيس اليونانية.

المضمون

هل يكفي المضمون وحده ليشكِّل إبداعاً شعرياً؟

المضمون ليس وحده كافياً لتشكيل إبداع شعري. يساعد الأسلوب الجميل والرشيق على تزيين المحتوى وإيصاله إلى القارئ بطريقة مختلفة، والعكس صحيح، ثمة قصائد تحمل تشابيه جميلة، ولكنها لا تحمل فكرة معينة أو رسالة، لذلك تكون ركيكة. أرى أن القصيدة تطير بجناحين، جناح المضمون وجناح الأسلوب.

قال دوني روش إن الشعر عاجز عن إحداث أي تغيير في الإنسان والعالم، وهو اعتزل هذا النوع من الأدب. كيف تقرئين قوله، ولماذا يكتب الشعراء إذا كان ما ذهب إليه الشاعر الفرنسي صحيحاً؟

هي وجهة نظره. ربما لم يجد روش نفسه في الشعر، بل في مهنة أخرى وله الحق في ذلك. أما أنا فأعتبر الشعر نوعاً من الثقافة يدخل إلى العقل والروح، وعبره يمكننا إيصال رسائل تبعثر كيان الإنسان وتجعله يفكر بطريقة مختلفة. من هنا أهمية الشعر، ولذا ما زال هذا النوع من الكتابة صامداً في عالم يتوجّه أكثر فأكثر إلى المادة وإلى الحياة الاستهلاكية.

المشهد اللبناني

كيف ترين وتقيمين المشهد الثقافي اللبناني راهناً؟

المشهد الثقافي اللبناني جيد، لكنه بلا شك تراجع من درجة الامتياز والتفوق. كان للبنان دور ثقافي بارز على الصعيد العربي، وكان الكتّاب العرب الكبار يصلون إلى الشهرة خلال وجودهم في بيروت، أي أنها ساعدت في الترويج لهم كالروائية غادة السمان والشاعر نزار قباني وغيرهما. بلا شك، ما زالت هذه المدينة تحضن مثقفين وشعراء كباراً، ولكن وهجها الثقافي خمد بعض الشيء، فلم تعد الثقافة همّها الأول بعدما تحوّلت إلى مدينة تجارية، وبرز أناس يدعون الشعر والكتابة.

الترجمة والجوائز

أنت مترجمة، هل تعتقدين أن الترجمات الشعرية السيئة أثرت في الوعي الأدبي العام؟

تساعد قراءة الترجمات النقدية والشعرية على الوعي وعلى التلاقح الأدبي وعلى ابتكار مناهج نقدية عربية جديدة، وهو أمر إيجابي في رأيي، فهي توسع آفاق الكاتب والناقد عموماً. من جهة أخرى، تؤثر قراءة الشعر المترجم من لغة أجنبية إلى العربية من بعض الشعراء في تجربة هؤلاء، فنشعر ونحن نقرأ نصوصهم أنها مترجمة من لغة أجنبية، وأن لغتهم ليست عربية صافية، وهو أمر يحمل جانباً إيجابياً، لأنه يدلّ على أنهم اطلعوا على تجارب أجنبية وتلاقحوا منها، ولكن الأمر السلبي أن هذه الترجمات أضعفت أسلوب كتابتهم في اللغة العربية.

ما رأيك في الجوائز الأدبية العربية؟ هل تشكل دليلاً على إبداعية المنتج الأدبي؟

الجوائز الأدبية ليست دليلاً قاطعاً على إبداعية الكاتب. هي تضيء أحياناً على تجارب جدية ومهمة، فيما تؤدي العلاقات والمصالح الشخصية أحياناً أخرى دوراً في تحديد اسم الفائز.

فرنسا ولبنان

تأثرت زهرة مروة بالشعراء الفرنسيين بول إيلوار، وأندريه بروتون، وإيف بونفوا، وبالشاعر اللبناني عباس بيضون، وهي شاعرة وصحافية لبنانية صدرت لها دواوين عدة من بينها «جنة جاهزة» عن دار «الغاوون»، و«الإقامة في التمهيد» عن «الدار العربية للعلوم»، و«الحياة على دفعات» عن دار «الروسم». ترجمت قصائد لشعراء كبار من الفرنسية إلى العربية، وهي عضو في اتحاد الكتاب اللبنانيين وفي حركة «شهرياد» الثقافية، وتُرجم بعض قصائدها إلى الفرنسية والألمانية، ونُشر بعض منها في مجلة poésie الفرنسية.

قصيدة النثر الفرنسية قريبة إلى نفسي وتحرّضني على كتابة الشعر

المضمون ليس كافياً وحده لتشكيل إبداع شعري
back to top