سمير الفيل: كل كتابة في جوهرها تمرّد على الثابت والجاهز

• بعد حصوله على جائزة الدولة التشجيعية في مصر

نشر في 04-08-2017
آخر تحديث 04-08-2017 | 00:00
يعترف الكاتب والقاص سمير الفيل بأن الحياة كتابة، وأن الكتابة تمنح المتلقي خطاباً سحرياً عليه فك شفرته. يتأكد كل ليلة أن دولاب الحكي الذي يملكه في غرفته الضيقة، المطلة على الشارع ما زال عامراً بالأقاصيص والملح والحواديت. كان للشاعر الراحل عبد الرحمن الأبنودي موقف مشجع له في دروب الأدب، كذلك تتلمذ على يد الحكاء الشعبي طاهر أبوفاشا، نجم الإذاعة الراحل الذي قدم «ألف ليلة وليلة» في برنامج إذاعي ناجح، أخرجه بابا شارو، منذ زمن بعيد. عن اللحظات الأخيرة التي تلت نيله جائزة الدولة التشجيعية في القصة القصيرة بمصر بدأنا الحوار.

تكتب الشعر منذ وقت مبكر من حياتك وأنجزت خمسة دواوين ولكنك حصلت على جائزة الدولة في القصة القصيرة. كيف ذلك؟

أكتب منذ عام 1968، باستمرار، وتنقلت بين الأجناس الأدبية. كانت البداية، مع شعر العامية، وبعد إنجاز خمسة دواوين، قمت بحركة انعطاف قوية نحو القصة القصيرة عام 2001، وبين الجنسين الأدبيين كتبت الرواية والمسرح والأغنية وأدب الطفل، والنقد الأدبي.

إحقاقاً للحق، منذ عام 2001 ومع ظهور مجموعتي القصصية الأولى إلى النور «خوذة ونورس وحيد»، أخلصت لعوالم القصة القصيرة التي وجدت أنها بحاجة إلى عقل يقظ وروح وثابة، واستقر في يقيني أنني في كل مرة أكتب نصاً قصصياً، فعليّ أن أخلق مساحة ما من الإبداع لم تطرق بعد، كنت أعمل على الحفر بصبر ودأب في جيولوجيا النفس البشرية لأكشف كنوز سردية مطمورة تحت ركام العادة.

لذلك لم أكن مشغولاً بالجوائز مطلقاً، بالطبع فازت نصوصي المبكرة، خصوصاً في ما يسمى بأدب الحرب بجوائز أولى في القصة القصيرة، غير أنني لم أنتبه إلى المفارقة التي تتلخص في أنني أشتهر بالقصيدة العامية بينما جوائزي كافة في القصة القصيرة.

جبل النرجس

جاء فوزك بجائزة الدولة عن مجموعتك القصصية «جبل النرجس». ماذا عنها؟

تتكون «جبل النرجس» من 10 نصوص قصصية طويلة بعض الشيء، يشتبك معظمها بذاكرة شخص عاش هزيمة يونيو 1967، وحارب هو وجيله في 6 أكتوبر 1973، وجاءت رياح الانفتاح فاهتزت القيم بقوة، وأصبح السماسرة ورجال رأس المال وتجار الخردة، هم من يتحكمون في سياسة الوطن.

يعيش أبطال تلك النصوص أزمة روحية عميقة، تتمثل في غياب القيم النبيلة، وتتعرض حياتهم لمطبات اقتصادية كما في قصة «عين حلوان» وفيها يصطحب الشاب حبيبته نشوى ويزور بيت الأسرة، فتقع عيناه على صورة الشهيد معلقاً في إطار أسود بثوبه العسكري، من النص: «نظرت إلى ملامح الشهيد، وجدت بؤبؤ العين يرمقنا في عشم، وبود حقيقي. شعرت بأنه يفهمني، ويعرف كم أنا حزين».

تندس هذه العلاقة بين الأحياء والموتى في معظم نصوص المجموعة التي تعلن بكل وضوح وحسم الخسارة الفادحة التي عاشها أبناء تلك المرحلة التي اتسمت بضبابية الرؤية لدى من يديرون شؤون البلاد.

قارئ مجموعتك «جبل النرجس» يجدها تعالج غياب العدالة الاجتماعية، هل كتابتك مهمومة بالناس والطبقة البسيطة فحسب؟

أكتب نصوصي القصصية لأفهم العالم من حولي، أكتب أيضاً لأفهم ذاتي، وأنا مهموم جداً بقضيتين: العدالة الاجتماعية والحرية. في ما يخص العدالة الاجتماعية فهي تغيب عن مصر المعاصرة، ما زالت الوساطة والرشاوى والفساد العناصر الأكثر تأثيراً في خريطة الحياة الاجتماعية. ثمة شرائح واسعة الانتشار بالكاد تعثر على لقمة العيش، وفي مواجهتها شرائح اجتماعية تعيش في رفاهية وترف. وجربت التجنيد في سيناء وعلى امتداد شاطئ القناة، وأعرف قيمة الزي العسكري، لكن ثمة من يستلم «المخلة» ويمضي أوقاته في ظلال العاصمة، ولا يتعرض لأي تعب أو لحظة خطر.

يرى البعض أن كتابتك القصصية والروائية سيرة ذاتية لمدينتك دمياط شمال القاهرة. لماذا؟

المسألة غير مقصودة. كما قلت، أنتهج فكرة أن أكتب عما أعرف، وأن أتحرك مع شخصياتي في أزقة وشوارع مدينة دمياط، وهي مدينة حرفية مشغولة طوال الوقت بالعمل والبحث عن لقمة العيش، وهي تقدر قيمة الوقت، ولا تتخلى عن حرصها الزائد في التعامل مع الآخرين. يجري معظم الأحداث في كتاباتي في حارات أعرفها وترددت عليها مثل «الشهابية، والمنشية، وحارة البركة، والشيخ مفتاح»، وفيها تجري الأحداث وتتحرك الشخوص كيفما تريد. ربما كان عليّ أن أوضح أنني مهتم بالتحولات الاجتماعية التي طرأت في علاقة المدينة بضواحيها مثل «شطا، والسنانية، وشط الملح، وغيط النصارى»، فأجد أن المرأة التي كانت ريحانة البيت أصبحت أكثر شراسة، والعائدين من الخارج فقدوا فضيلة الانتماء. صارت العلاقات هشة، وأضحت المادة صاحبة الكلمة العليا إلا في ما ندر.

هواء بحري

ماذا عن مجموعتك «هواء بحري»؟

في مجموعتي «هواء بحري» شعرت بحاجتي إلى تعميق تجربتي في الاحتكاك بعوالم حية في كل من مدينة عزبة البرج ومصيف رأس البر، لذلك توجهت إلى بعض الأصدقاء لقطع النهر على ظهر مركب ومعرفة تفصيلات الحياة في تلك المدن الساحلية، لذلك تجد الأحداث مضمخة بهواء قادم من قلب المتوسط، وغالبية العناوين تعبِّر عن حياة الصيادين، مثل: «الصاري، وأصداف، وصيادية، والمالح، والغريق».

«المالح» له في ذاكرتي حكايات كثيرة فهو البحر بلغة أهل دمياط، فيه الرزق والمغامرة والصيد الوفير، وفيه السفر إلى موانئ اليونان وقبرص وكريت. تتشكل العلاقات الاجتماعية في تلك المدن الساحلية بهدوء وروية، والكاتب الحصيف يستل خيطاً سرياً ليقدم مادته السردية معجونة بمعاناة الناس وصبواتهم.

هل ثمة علاقة بين كتاباتك وحياتك؟

بشكل ما، كتاباتي هي حياتي، مع وجود إزاحات جمالية، وتنويع عميق في المسارات السردية. في مجموعة «صندل أحمر»، تجدني حاضراً كصبي، في «شمال... يمين» تروى الأحداث على لسان مجند مستجد، في «الأستاذ مراد» أستدعي شخصيات حية من «حارة قبيلة»، حيث بيت جدي الحاج توفيق الفيل، وهكذا. مع ضرورة الانتباه إلى كون الكاتب حين ينقل حدثاً أو شخصية ما لمعمله السردي فهو يتعامل معها بشروط الفن ولا يزعق بصوته من خارج النص.

أين أنت من الشعر الآن؟

هجرته تماماً بعد خمسة دواوين مهمة في تاريخ حركة شعر العامية المصرية. بداية بـ«الخيول» 1982، وانتهاء بـ «سجادة الروح» 1990، والديوان الأول، تحوّل على يد الكاتب المسرحي محمد الشربيني إلى عرض مسرحي أخرجه شوقي بكر سنة 1990 حمل عنوان «غنوة للكاكي» من ألحان الفنان توفيق فودة

الأبنودي وكفر البطيخ

يحكي سمير الفيل عن علاقته بالشاعر الراحل عبد الرحمن الأبنودي قائلا: «في حرب الاستنزاف 1969 أحضر أنيس البياع، وهو شاعر مصري يعيش في قرية كفر البطيخ، صديقه عبد الرحمن الأبنودي ليقيم ثلاث أمسيات في محافظة دمياط. قابلت الأبنودي وقرأت له نصاً شعرياً في أمسية كفر البطيخ الأولى، فقدمني بنفسه إلى العساكر من جنود كتيبة كانت تعسكر في جرن قمح، بعدها زرت الأبنودي مرات في شقة كان يسكن دورها العلوي بمنطقة باب اللوق ما زلت أذكر درابزينها الحلزوني، وقبل السفر للعمل مدرساً في السعودية سنة 1991، قابلني في دمياط بندوة كنت أديرها، نصنحي أن أداوم على كتابة الشعر، وأضاف: «كي لا يهرب منك الإيقاع»، وقد صدقته، وفعلاً اشتريت دفتراً ضخماً سميته «تدريبات شعرية» كنت أكتب فيه كل يوم نصاً قصيراً حتى عدت بعد أربع سنوات إلى الوطن».

أحمل لقب الشاعر وحصلت على الجائزة التقديرية في القصة القصيرة

المرأة التي كانت ريحانة البيت أصبحت أكثر شراسة
back to top