الساحة لماذا ريمية سيدة الساحة الشعبية؟!

نشر في 26-03-2010
آخر تحديث 26-03-2010 | 00:00
 محمد مهاوش الظفيري من خلال متابعتي حركة الشعر النسائي في الساحة الشعبية، أدركت أن حصة هلال المليحان الشهيرة بـ»ريميّة»، هي بمنزلة سيدة الشعر النسائي في هذه الساحة، وقد أطلقت عليها هذا اللقب الذي أرى أنه مستحق، وتستحقه بجدارة في قراءتي الثانية عنها، إذ كانت كتابتي الأولى قراءة تحليلية لأحد نصوصها، بينما كانت الثانية قراءة رصدت من خلالها تجربتها الشعرية، وقد أسميتها «التوحد الانفرادي عند سيدة الشعر النسائي في الساحة الشعبية»، لأنها شاعرة ملأت مسامع الجميع منذ سنوات عديدة، وكان الجميع من المهتمين والمتابعين يقرأون لها بحرص، ويتابعون كتاباتها الشعرية والنثرية بترقب، وكنت من أولئك الذين يقرأون لها بتلذذ، وها أنا الآن أكتب عنها باستمتاع، لأنها بكل بساطة تحرض على الكتابة وتثير الشك والأسئلة، ولعل الشك أهم من التحريض وحب طرح الأسئلة، وهذا يتبلور في مقولة كنت أرددها بيني وبين نفسي دائماً: لماذا ريميّة بالذات دون سواها؟!

هنا سأحاول تلمّس الإجابة عن هذا السؤال المؤرق والمحفز في آن، وقبل الدخول إليه سأشير إلى أنني سأتطرق إلى ريميّة الإنسانة وريميّة الشاعرة، وقد يكون ما سأقوله ليس له علاقة باستحقاقها هذا اللقب في نظر بعض المتابعين، لكنه في الحقيقة مؤشر قوي وفعال على تصاعد أسهم هذا الاستحقاق، وقد يكون لهذا التوجه ارتباط بإعجابي بما تقدمه حصة من نتاج شعري، وهو إعجاب لا أدعيه بمفردي، فحتماً هناك من يشاطرني هذا الموقف.

إنها شاعرة اقتحمت الفضاء النجدي من خارج نجد، فمن المعروف أنها في الأساس فتاة من أصول أردنية أقامت في البحرين ردحاً من الزمن، وعملت في السلك العسكري بالبحرين، ومن الطبيعي أنها تأثرت بالأفكار السياسية ذات الطابع القومي واليساري الشائعة في البحرين، لأن مثقفي البحرين يغلب عليهم التمسك بمثل هذه الأفكار، وهي الآن متزوجة وأم لأطفال ومقيمة في الرياض، ومن يتابع نصوصها يجد هذا التأثر الفكري بارزاً لديها، فأكسبها هذا التنوع الديمغرافي والجغرافي أو هذا الانفتاح الثقافي، القدرة على تنويع المواضيع والجرأة في تناول المسكوت عنه غالباً، لهذا فهي تسير في بعض الأحيان على حد السكين بخطوات ثابتة غير مهزوزة.

وهذا التنوّع الفسيفسائي الموجود في حياتها، منحها أفقاً ثقافيّاً قلّما نجده عند شاعرة شعبية أُخرى، وقد لا نجد هذا الأفق الثقافي عند بعض الشعراء الشعبيين من الرجال، وهذا الوضع الثقافي والتنوع الحياتي الموجود عندها منحها القدرة والثقة فيما بعد، لمزاحمة أبناء القبائل العربية في شبه الجزيرة العربية ومجاراتهم في هذا المجال، وهي الفتاة القادمة من بلاد الشام أو المقتحمة صمت الصحراء، القادمة من جزيرة تحيطها الماء من جهاتها الأربع.

هذا على مستوى ريميّة الإنسانة، أما ريميّة الشاعرة فقد استفادت من هذا الامتداد الثقافي، إذ كانت تتطرق إلى مواضيع لا تبدو مهمة لدى الشاعرات الشعبيات الأُخريات، كقولها معاتبة الرجل بهذه الطريقة الاستفزازية، وكيف استفادت من مقولة إن المرأة مخلوقة من ضلع أعوج، واستطاعت توظيف هذا الموروث الشعبي والإنساني، تقول:

لا تقومني... وأنـا ضلـع اعوجـاج

ينكسر بايديك قلبـي... يـا غشيـم

الرضا محتاج لـه وقـت ومـزاج

وما هقيتك طمس... بطباع الحريـم

أو قولها كذلك معاتبة الرجل كذلك، لكن بصيغة فيها من التهكم والاستهزاء القدر الذي يجعل الخصوم يحسبون لها ألف حساب:

يا هيه جَدِك طويل العمـر

وانـا غريبـه شمالـيـّه

وش تبي مني خطاك الشِعْر

حتى ولـو كنـت ريميّـه

لكن الأمر لم يقف بها عند هذه النقطة، إذ تمردت في نص «عيد الحب» الذي وجهته إلى زوجها الأستاذ فاضل الغشم الذي سافر إلى عمّان، فتمردت على حدود كينونتها الأنثوية، وتمردت على حدود كونها امرأة عربية الأصل وشرقية الطباع، ذلك حينما قالت له:

يا صاحبي ربّعت في جو عَمّان

ما حولك إلّا كل طرقا جميله

بالديره اللي جوّها بَرْدْ وامزان

يِحِيي موات القلب بارد هميله

ما بين ريفٍ رايف وضول غزلان

بين الدوالي والرموش الظليله

حولك فَرَاشٍ هايم وليل خدران

واتلى الخبر بك عند شقرا طويله

شقرا تمايل كنها مطرق البان

بين الهوى والشعر يطرق شليله

تزري بشيخ الديِن محمود الايمان

وشلون شاعر ما يخونه صهيله

بالزود كانه شمري حر وحصان

يهوى الطراد ونص ديِنه قبيله

جوّك قصيد وجوي صياح ورعان

يا قبس قلبي قبس راس الفتيله

ودك تجدد سالفة نمر عدوان

يا خوف قلبي لا تزور السبيله

تحوف وضحا عقب حصه مليحان

بالله هَذي ياالخريصي امهيله

قبل امس عيد الحب والكل سهران

عيد الخليل اللي مصافي خليله

وانا لحالي بين لي خمس جدران

حولي وفوقي مثل جمر المليله

تقول انا في داخلي مِنْك زعلان

كثر الحسوف اليوم يسوى قليله

تنسى الدلع والملح ومحصحص الدان

وتنسى النجوم الناعسة بالجديله

لا يا ولد يا صاحبي يا كحيلان

(ريميّتك) لا رحت يكثر عويله

فهي في هذا النص تعاتب زوجها بعيداً عن الشعور بالخيانة أو التلظي بنار الغيرة، كما نقرأ في نصوص شاعرات أُخريات، وهذا أسلوب في التعامل نادر أو معدوم هذه الأيام، إذ تخاطب امرأة زوجها المسافر للسياحة أو لأي غرض دنيوي آخر بهذه الطريقة التجردية، وهي في هذا التجرد تذكرنا بمن كنا نقرأ عنهن من شاعرات البادية في العصور الماضية، إذ كانت إحداهن تقول:

الزول زوله والحلايا حلاياه

والفعل ما هو فعل وافي الخصايل

بالإضافة إلى وجود نقطة أخرى مرتبطة بريميّة الإنسانة وريميّة الشاعرة على حد سواء، وهي أنها مازالت تكتب وتكافح وتؤلف وتنتج في الوقت الذي فيه تتعامل في الأُخريات مع الأدب والشعر بشكل يغلب عليه الطابع العبثي، أو على أدق تعبير حسب المتاح والظروف، بينما حصة هلال (ريميّة) التزمته موقفاً مازالت محافظة عليه حتى الآن ولم تحِد عنه أو تتزحزح.

back to top