الساحة مدخل عام إلى التجربة الحداثية (1)

نشر في 08-04-2011
آخر تحديث 08-04-2011 | 00:00
 محمد مهاوش الظفيري قبل أن يتجاوزنا التاريخ، وقبل أن تنسى الأجيال الآتية أو يتناسوا هذا النوع من الشعر، ورغبة في إنصاف هذا النمط الجديد الذي طرأ على القصيدة النبطية والذي شاع في الخليج العربي مع بدايات الثمانينيات من القرن الماضي، ومن ثم أخذ بالتراجع والانحسار بعد ذلك في ما يعد، وقبل أن يتلاشى هذا النوع من الكتابة لصالح ما يعرف بالقصائد المنبرية، فضلت وضع حجر الأساس – كما أعتقد – لرصد هذه التجارب الشعرية رصداً فنياً من الداخل لا من الخارج، أي الابتعاد عن تتبع مسارات التطوير التاريخية، مكتفياً بتسليط الضوء على ما حدث في هذه القصائد الحديثة من تناولات شعرية لا عهد للشعر النبطي بها في سالف أيامه السابقة، لهذا حاولت الدخول إلى النصوص الشعرية المختارة من خلال المعاجم اللغوية للشعراء.

وعلى هذا الأساس لا يكون من الاستغراب أن تختلف نظرتي التي وضعتها هنا عن أي قراءة أو نظرة لأي شاعر من الشعراء ممن شملهم هذا العمل عن أي قراءة نقدية منعزلة كتبتها عن أحدهم أو سأكتبها عنه في الأيام القادمة، وذلك أنني في هذا العمل أو في أي عمل أدبي آخر أكون خالي الذهن من أي تأثير مسبق تجاه هذا الشاعر أو ذاك، كما أنني في المقابل لا أكاد أنفي عن نفسي تهمة الوقوع تحت طائلة الإسقاطات الثقافية المتصلة بمرجعية كاتب هذه السطور.

ومن ناحية أخرى تصب في ذات الصلة بحالته الذاتية المرتبطة فيه باعتبار أنه كيان ثقافي مستقل عن الشعراء له نظرته الجمالية الذاتية للحياة ككل، وللنصوص الشعرية كحالة خاصة.

لقد تم التركيز على نصوص التفعيلة دون سواها، وذلك من أجل الابتعاد عن اللغة الخطابية المنبرية التي نجدها في العديد من النصوص العمودية، وقد وقع عدد لا بأس به من الشعراء الذين شملتهم مباحث هذا الكتاب تحت مظلة هذه الأجواء الانفجارية الخطابية كطلال حمزة وفهد عافت وبدر صفوق والحميدي الثقفي على سبيل المثال، وذلك إما أن الشاعر واقع تحت تأثير الانفعال اللحظوي، أو راضخ لسلطة المجتمع أو ثقافة الجمهور الذي يريد منه أمثال هذه النصوص، لذا فضلت الابتعاد عن أي نص عمودي خشية الوقوع تحت تأثير هذا الوضع، اضافة الى أن هذا العمل يهتم برصد التحولات الفنية داخل القصيدة الشعبية الحديثة.

وأول ملامح التحديث أو الحداثة هو الكتابة الشعرية بطريقة تخالف ما كان عليه السلف في تعاملهم مع القصيدة، لهذا كان التركيز على هذا النوع من الشعر لأنه يمثل الوجه الحداثي للشعر في المنطقة، كما انه يشير كذلك إلى رفض البلادة الموجودة للأسف في العديد من الصاخبة، ويعمل على إفراغ الوعي من محتواه وسلب الجمال من النفوس، ويجعل من المتلقي أسيرا للحظة لا ملكاً للإبداع.

إن ابتعادي عن تتبع المسار التاريخي للقصيدة الحديثة في الشعر الشعبي عائد لعدة أمور، لعل من أبرزها ندرة المراجع أو انعدامها في هذا المجال, ومادام كل جيل يدعي أنه أفضل ممن سيأتون بعده, فمن الطبيعي أن يمارس هذا الادعاء الشعراء أنفسهم حينما يكون الأمر مرتبطاً بأمر يدور في ما بينهم, ولو حاولت إعادة الأمر للشعراء سواء ممن شملهم هذا الموضوع أو ممن كانوا معاصرين له, فإنهم سيدخلونني في متاهات لا طائل منها, وقد يتم تشويه أو ضياع هذا الجهد الذي بذلته في دراسة الجوانب الفنية في القصيدة الشعبية الحديثة, بالاضافة الى أن هذا الأمر في حاجة إلى باحث متفرغ, كما أن تتبع المسار التاريخي لهذا النوع من الشعر يعتبر مسألة شكلية, حيث يهتم هذا الجانب بتحول القصيدة النبطية من الإطار القديم إلى الإطار الجديد, وعليه فإنه يجدر بنا البحث عن مسببات هذا التحول, وهي معروفة ولا مبرر لذكر ما في هذا الجانب, وكذلك لوجب البحث كذلك عن مسوغات تحول المسمى من الشعر النبطي إلى الشعر الشعبي, وكأن الذين تبنوا الحداثة في الشعر الشعبي تخلوا حتى عن المسمى التاريخي القديم المعروف بالشعر النبطي, لهذا فضلت عدم الحديث عن هذا الأمر مفضلاً الإبحار خلف مراكب الشعراء, مقتفياً آثارهم في محاولة لاكتشاف ما يكتبون.

الملاحظ على نشوء هذه الحركة النجدية أنها جاءت مواكبة للتطور العمراني والحضاري والتطور الاقتصادي الذي حدث في المنطقة الخليجية, الذي عمل على تحويل المجتمع من مجتمع قروي بسيط أو مجتمع يدوي رعوي في الغالب إلى مجتمع متحضر, أي مجتمع يسكن الحاضرة بعد أن تخلى أغلب سكانه عن حياة التنقل في الصحراء إلى مجتمع يسكن بيوتاً جديدة لا عهد له بها في سالف الأيام, سواء تلك التي كانت صينية من الصفيح والتي كانت تعرف ببيوت «العشيش» أو «العنادق» أو تلك المباني الأسمنتية التي أقامتها الحكومات في المنطقة للمواطنين بعد ذلك, أي تلك التي كانت تبنيها الدولة لهم أو تدفع لهم الأموال الكافية لإقامة مساكنهم بالطريقة التي يشاؤون, لهذا واكب التطوير المادي للحياة في المنطقة تطوير مادي آخر طرأ على القصيدة, حيث تحولت القصيدة من النظام التقليدي المعروف إلى نظام آخر جديد, حيث استبدل الشاعر الشعبي الوحدة العروضية المتكاملة للبيت الشعري التقليدي ووضع مكانه نظام التفعيلة, واستعاض عن البيت العربي أو النبطي المعروف بأسطر شعرية جديدة, وهذه الأسطر الشعرية الجديدة تتكون من كلمة واحدة أو من كلمتين أو أكثر من ذلك, حيث تكون هذه الأسطر في بعض المرات طويلة بشكل ملحوظ كما هو الحال عند فهد المرسل أو محمد المرزوقي أو فهد دوحان, وفي بعض الأحيان يلجأ شاعر الشعر الحديث إلى التخلي عن نظام التفعيلة المعروف ويحل محله الإيقاع الموسيقي القريب من التفعيلة, كما هو الحال في بعض كتابات مسفر الدوسري الشعرية, غير أنه لم يعمل على الإكثار من هذا التوجه في الغالب, علماً بأن الشاعر الحديث حينما استغنى عن وحدة البيت بوحدة التفعيلة, فقد اعتمد على البحور الشعرية الصافية, أي تلك التي لا تكون فيها التفعيلات مختلفة كالرمل والرجز والهزج والمحدث والذي يسميه البعض بالمستندات, وهو الذي استدركه الأخفش على الخليل.

back to top