د. سعد الحلواني: تجديد الخطاب الديني لا يعني هدم تراثنا الإسلامي

نشر في 14-07-2015 | 00:01
آخر تحديث 14-07-2015 | 00:01
No Image Caption
أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر في جامعة الأزهر
يرى أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر في جامعة الأزهر الدكتور سعد بدير الحلواني، أن الخطاب الديني ضروري للإنسان ليعرف أمور دينه، معتبراً أنه من دون تجديد للخطاب الديني فإن الإنسان المسلم يبتعد عن وظيفته الأساسية في الحياة، مضيفاً في حوار مع «الجريدة» أن التجديد هنا لا يعني هدم تراثنا الإسلامي كما ينادي البعض، وأكد أن تنامي الجماعات المتطرفة ليس نتيجة لجمود الخطاب الديني الراهن بل سببه الحقيقي غياب العدالة الاجتماعية. وفي ما يلي نص الحوار:

ما أهمية الخطاب الديني في حياتنا؟

الإسلام دين ودنيا، فتعاليمه لم تقتصر على العبادة التي هي سبب الحياة «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ» (الذاريات: 56)، لكن الناس ينحرفون بهذا الأساس الذي نزل به القرآن، فلزم تبصيرهم بتعاليم الدين من عبادات ومعاملات، فهم مأمورون أن يتبعوا الأساس الديني، ثم يتعاملون في ما سوى ذلك بالتدبر والتطور والنظر في ملكوت السماوات والأرض، وفي الإمكانات التي أنشأها الله وجعلها في طوع البشرية.

حياة بلا خطاب ديني، كيف تراها؟

 لن يكون ثمة فكر أو ثقافة أو علوم، فالمسلمون عندما صنعوا حضارتهم بنوها على ما أرشدهم به القرآن، وما جاءت به السنة النبوية، ثم بنوا على تجارب الآخرين، والآخرون بنوا على تجارب الأديان السماوية السابقة، التي جعلت للعقل البشري إمكانية التدبر والبحث، حينئذ أصبح ثمة ما يسمى حضارة، فبدون خطاب ديني سيبتعد الإنسان عما خلق من أجله، فهو خلق للعبادة، والأخيرة تستلزم أن يعرف الناس أمور دينهم.

أسباب تدني الخطاب

برأيك ما السبب في تدني الخطاب الديني؟

أسباب متعددة أبرزها، حرص الحكام على مر العصور أن يجتذبوا إليهم العلماء لتثبيت حكمهم وسيطرتهم، فمن هنا تتضاءل مصداقية بعض العلماء، للفتوى  والحديث في وسائل الإعلام بعض الأفراد المتشددين، وللأسف من يتصدى لذلك تظهر الصورة باهتة لخطابهم الديني، لأنه يعتمد على الغلو والغلظة.

إذاً تجديد الخطاب الديني أصبح ضرورة ملحة الآن؟

التجديد أمر محمود ومطلوب في كل عصر لمواكبة المستجدات، شريطة عدم المساس بالثوابت، وأن يقوم على هذا التجديد علماء مشهود لهم بالعلم والكفاءة والمصداقية، وليسوا من فقهاء وعلماء السلطة، لأن يد السلطة ربما يكون فيها بعض ما نختلف عليه، فإذا كان الأمر متعلقاً بما يراه الحكام، وبما تتدخل فيه السياسة الغربية في أمور الدين، بحيث تفرض علينا آراء وطرقاً ومناهج وأساليب غربية معادية للإسلام، ثم نقول إننا نجدد بها الخطاب الديني، فهذا مرفوض تماماً، بحيث يأتي من يقول إن حرية الزواج من أربع نحصرها في زيجة واحدة، فهذا مخالف للشرع. كذلك مثلاً، حكاية أن المرأة تتزوج مثل الرجل أربعة رجال. ونجد من يريد تصحيح القرآن والسنة، ومن يقول تمكنت من أن أدوس على كل علماء التراث الإسلامي بقدمي. لقد استمعت لأحد الفلاسفة المسلمين المصريين المعاصرين، الذي كانت رسالته للدكتوراه عن ابن رشد، وهو يقول قرأت التراث الإسلامي كله فلم أجد فيه سطراً واحداً إيجابياً. فهل هذا تجديد للخطاب الديني؟ أن نهدم كل تراثنا الإسلامي بما فيه من معتقدات وأحداث وسيرة للصحابة والتابعين، في حين نجد أن الدبلوماسي الألماني الشهير الفريد هوفمان، الذي اعتنق الإسلام يقول بعد دراسة واسعة ومركزة عن الإسلام، إنه حتى الأحاديث الضعيفة لم يجد فيها علماء العصر الحديث خطأ واحداً أو ما ينافي العلم الحديث. فما بالنا بالأحاديث الصحيحة؟ وما بالنا بكتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

مؤامرة

هل في المطالبة بتجديد الخطاب الديني رائحة مؤامرة؟

المؤامرات كثيرة ابتداءً من محاولة إلغاء التعليم الأزهري وتشويه الأزهر والمطالبة بتحويله إلى متحف، مثلما حدث مع جامعة القيروان في تونس حيث ساد الفكر العلماني وحاربوا اللغة العربية والدين الإسلامي، وقد منعوا تعدد الزوجات مخالفين بذلك ما ورد في القرآن، والآن يحاربون قضايا أخرى أكبر وأشد مثل قضية الجهاد التي يريدون أن يمحوا أثرها من الكتب والمؤلفات والمعتقدات الإسلامية مع أن أبا بكر الصديق قالها عالية: «ما ترك قوم الجهاد إلا أصابهم الله بالذلة}.

ما خصائص الخطاب الديني الرشيد؟

أبرزها تصحيح ما حدث من انحرافات في تعاليم الدين وذلك يستلزم ممن يتصدى للخطاب الديني أن يكون دارساً وملماً لكثير من العلوم على تنوعها. كمثال، نجد أنه قبل قيام محمد بن عبدالوهاب في شبه الجزيرة العربية بدعوته الإصلاحية كان الناس يحتاجون إلى تجديد الخطاب الديني، نظراً إلى وجود تصرفات وانحرافات في فكر الناس وعدم التزامهم بالتعاليم الدينية. حينما وجد عبدالوهاب هذا الانحراف في عقيدة الناس بدأ يجدد في الخطاب الديني، ويعود إلى ما كان عليه السلف الصالح، وعلى رأسهم سيدنا محمد (ص) وصحابته والتابعون، وهم الذين يُعاب عليهم الآن.

غايات التجديد

برأيك، ما أبرز الغايات المقصودة من وراء هذا التجديد في زماننا الراهن؟

أبرز الغايات أن نجمع كلمة المسلمين من مذاهب وطرق وسنة وشيعة التي اختلفت في ما بينها وشتت وحدة الأمة على كلمة سواء، ونستطيع أن نفعل لو أخلصنا فإذا توافر هذا الشرط عند الجانبين فعلاً سنصل إلى نتيجة طيبة لصالح العالم الإسلامي ككل، وبهذا يكون تجديد الخطاب الديني ملحاً ونحتاج إليه، لأننا حينما ننظر سنرى الأجزاء التي عليها خلاف، لأن الخلاف بشري واحد متشدد والآخر متساهل وواحد وسطي نجتمع على الوسط.

كيف يمكن قراءة النص بأسلوب يواكب روح العصر ومستجداته بما يزيل شبهة جموده التي تتلبس بعض دعاة التشدد؟

من خلال التيسير في فهم التعاليم الدينية وتبسيطها بألفاظ حديثة سهلة لتفهمها العامة، وذلك يستلزم الإلمام بالمعارف المتنوعة والوقوف على المستحدثات والمستجدات من الاختراعات والاكتشافات العلمية مع ضرورة عدم مخالفة التعاليم الدينية الأصلية.

ما الدور المنوط بالمؤسسات الدينية في العالم العربي والإسلامي للعمل على إزالة الفهم الخاطئ للإسلام وتجديد الخطاب الديني؟

مؤسسة الأزهر قائدة في هذا المجال، لكن إذا تحدثنا عن المؤسسات الدينية في الدول الأخرى وكيفية التعاون معها فهذا يتم من خلال الندوات والمؤتمرات وتبادل الخبرات بين الجامعات والمؤسسات الدينية والمراكز الثقافية الإسلامية المنتشرة في أوروبا وفي أميركا والبلاد الروسية، إنما هذه تحتاج إلى اقتراح كنا تقدمنا به في الأشهر السابقة، وهو أن يكون في كل سفارة في دول العالم اثنان من علماء الأزهر ضمن أعضاء السفارة لبث الإسلام الوسطي وبث الخطاب الديني الصحيح الخالي من اللبس والتطرف والشدة والعنف، ومن التساهل في أمور الدين. فالفاتيكان ليس أفضل منا وهو له سفارة في كل دولة من دول العالم، فإذا حدث ذلك سيكون تصديراً وتجديداً للخطاب الديني بشكل طيب، لأن علماء الأزهر هم علماء الوسطية والتنوير، إذا اختيروا على أساس علمهم وفكرهم وليس للمجاملات.

ما آليات تجديد الخطاب بشكل جيد؟

أدعو أن تتبنى المؤسسات الكبرى كرابطة العالم الإسلامي واتحاد الجامعات الإسلامية والمراكز الثقافية للدول الإسلامية في الدول الغربية والإفريقية، ويكون على رأسها علماء، وأدعو إدارة الأزهر أن تتخذ الآليات الصحيحة لنشر الدين الوسطي الصحيح. أول هذه الآليات قناة تلفزيونية أدعو إلى إنشائها منذ أكثر من 16 سنة تبث الإسلام الوسطي بشتى اللغات، أو شراء وقت على القنوات المحلية لكل بلد أوروبي، بحيث نصنع أبواقاً إعلامية في الغرب وفي الشرق أيضاً من خلالها نبث هذا الإسلام الوسطي وإقامة مراكز إسلامية تبث حضارة الإسلام ووسطية الإسلام إلى كل أنحاء العالم، فهذه الآليات يمكن أن نستفيد منها استفادة إيجابية على المستوى المحلي والعالمي إذا اخترنا من هو مناسب للخطاب الديني عليها.

تنامي التشدد

هل ثمة علاقة بين غياب التجديد الحقيقي للخطاب الديني وتنامي الفكر المتشدد وجماعاته؟

ليس ثمة علاقة، فوجود الجماعات الدينية المتطرفة ليس سببه جمود الخطاب الديني أو خطأه أو الحاجة إلى تجديده، إنما الجماعات المتطرفة من وجهة نظري نشأت فقط بسبب غياب العدالة الاجتماعية والقهر والظلم في الداخل وفي الخارج. وأعتقد أيضاً أن هذه الجماعات المتطرفة من صنع الدول العظمى ومخابراتها، لأن المخابرات في الدول العظمى تصنع كيانات وتوجهها لتلصق أعمالها بكيانات أخرى، فنجد مثلاً «أنصار بيت المقدس» نشأت في فلسطين لمناصرة بيت المقدس لكن الموساد أدى دوره فيها وأغدق عليها أموالاً وأصبح عناصرها عملاء للموساد وهم من يتولون قيادة هذه الجماعة وهم الذين يدمرون ويخربون في سيناء أو فلسطين. كذلك نجد الولايات المتحدة هي من جهز تنظيم «القاعدة» في بدايتها في السودان، ثم بعد ذلك حدث ما حدث وبدأت أميركا توظف كل الأحداث التي تريدها وتلصقها بـ{القاعدة»، فلما انتهت القاعدة وأصبحت «موضة قديمة» بدأوا يخترعون ما سموه تنظيم «داعش» وأغدقوا عليه الأموال، ثم جعلوه يفعل الأفاعيل الإرهابية ثم يصورون ذلك ويقولون عن أعضائه إنهم مسلمون، وهذا هو الإسلام وأن هذه هي الدولة الإسلامية.

لكن هذه الجماعات المتطرفة تعتمد على الآراء المتشددة للفقهاء في تراثنا الإسلامي مثل ابن تيمية.

هذا نتيجة عدم فهم آراء الفقهاء. لتوضيح الصورة، نبدأ من حديث التاريخ الإسلامي عن الصحابة الذين تفرقوا في الأمصار، فقد كان منهم اللين والمتشدد. هؤلاء الصحابة الذين انتشروا في الأمصار كان كل واحد منهم يطبع البلاد التي ذهب إليها بطبعه، هذا بلين وهذا بشدة وهذا بحزم وهذا بيسر وبساطة، هذا هو الاختلاف وهذا هو التنوع، لما جاء ابن تيمية وبدأ يكتب ما كتب وما نقرأه الآن ويختلف عليه الناس فقد كان يتحدث عن بيئة عصره ويستمد ما جاء به من تعاليم الإسلام وفهمه الإسلام فيه بعض الشدة، وحينما يتم تناول كتابات الفقهاء السابقين لا بد من أن نفهم  البيئة التي عاشوا فيها وأن نعود إلى الفترات السابقة ونعيش فيها. وعلى العلماء التوفيق بين آراء هؤلاء الفقهاء وبين حاضرنا بأن نضيف المكتسبات البشرية وهذا التطور البشري إلى هذا التراث، وبذلك ستجد أن الأمور تكتمل وسنصل إلى كلمة وسط تجمع بين الماضي والحاضر من دون المساس بثوابت الدين الصحيح.

وما السبب وراء ظهور الخطاب الديني المتشدد؟

المؤسسات الدينية أحياناً تحيد عن الإسلام الصحيح فيأتي المتشددون بالتعاليم الصحيحة في اعتقادهم ثم يتشددون فيها، بل ويزيدون عليها من عندهم. وظهور بعض المفكرين المتشددين دفعهم إلى هذا التشدد. كذلك وزارات التعليم والثقافة في عالمنا العربي تسببت في ظهور هذه الجماعات المتشددة لأنها تقدم الفكر المخالف للدين وتنشر الأفكار الغربية وتقدم ثقافة غير إسلامية لبلد إسلامي فكيف تستقيم الأمور.

في سطور:

-  الدكتور سعد بدير الحلواني من مواليد محافظة كفر الشيخ، بدلتا مصر.

- تخرج في جامعة الأزهر عام 1983، وحصل على الماجستير بامتياز عام 1987، ثم دكتوراه بمرتبة الشرف الأولى عام 1992. حالياً يعمل أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر في جامعة الأزهر.

- عمل في جامعات الملك سعود والملك خالد بالسعودية، وكليات التربية بسلطنة عمان.

- قام بالتدريس في كثير من معاهد السياحة والفندقة في مصر.

- عضو اتحاد المؤرخين العرب.

- له كثير من المؤلفات أبرزها: «حاضر العالم الإسلامي»، و{اليهود في الحروب الصليبية وموقف صلاح الدين منهم»، و{هوفمان وكتاباته الإسلامية»، و{الاتصالات الأوروبية الحبشية»، و{تاريخ كل العرب الحديث والمعاصر... مشرق ومغرب».

مواصفات الداعية

• ما صفات الداعية الوسطي؟

لا بد من أن يكون متفتحاً ملماً بالكثير من العلوم وفهم كثيراً من أحداث وتراث وتعاليم ديننا الحنيف ووسطيته وما أنتجه للغرب وللبشرية بشكل عام، كي يستطيع تصحيح مسار الخطاب الديني وتقويم الانحراف بتعاليم الدين عن أساسها الصحيح.

 غير المسلمين

• هل يجب مراعاة رجال الدين القيمين على فعل التجديد توجهه في إحدى صوره إلى غير المسلمين؟

خطابنا الديني الحالي في بعض الأمور لا يراعي «غير المسلمين» لكن أنا مطالب بعدم معاداة غير المسلم، إعمالاً لقوله: «ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ» (النحل: 125)، فربما تخرج كلمة من أحد الدعاة تثير عداوة بيننا وبين أصحاب الديانات الأخرى فيجب استخدام الألفاظ غير الجارحة لدينهم ومعتقداتهم حتى نستطيع أن نصل إلى قلوبهم وإلى عقولهم.

• ماذا عن تراثنا الديني الذي كان يطالب غير المسلم بارتداء زي معين ولهم طرق محددة التي يلتزم بها بعض المتشددين في خطابهم مع غير المسلمين؟

هذه الأمور بعيدة عن ديننا لكنها وجدت عند بعض العلماء الذين تشددوا فيها وطالبوا بها وأنا أقول هنا كلمة من خلال رؤيتي التاريخية للأحداث التي كانت تستدعي ذلك أن الحكام، والكثير منهم، كانوا يغالون في فهم أحكام الشريعة في ذلك خاصة أن بعض أتباع الأديان الأخرى كانوا يتآمرون على الدولة الإسلامية لذلك كان يقرر الحكام أن يعامل غير المسلم بشكل خاص لتمييزه عن المسلمين.

• ما الشروط التي يجب توافرها لأجل تجديد الفكر الديني؟

يحتاج تجديد الخطاب الديني  إلى إرادة سياسية وتوافر نية صادقة من حكام المسلمين وأن يكون اختيار العلماء على أساس الكفاءة وليس المجاملات مع الاستعانة بأصحاب التخصصات الأخرى للمشورة في تخصصاتهم، ويجب تنقية التعاليم الإسلامية من الأباطيل التي لحقتها وأدخلها أعداء الدين الإسلامي من كتب صفراء أو من ادعاءات على الصحابة وعلى الرسل والأنبياء، وأن تتوافر المصداقية، ناهيك بتطبيق لتعاليم الدين حتى تلقى صدى لدى الناس.

back to top