مسؤول استخباراتي أميركي سابق متحدثاً عن بروز «داعش»: كنا أغبياء جداً

نشر في 03-12-2015 | 00:01
آخر تحديث 03-12-2015 | 00:01
No Image Caption
لولا حرب العراق، لما كان لداعش وجود اليوم، حسبما يقر مسؤول القوات الخاصة الأميركية السابق مايك فلين بصراحة. يوضح في مقابلة معه ظهور تنظيم داعش وتحوله إلى قوة محترفة، فضلاً عن سماح الأميركيين لقائده المستقبلي بالهرب من بين أيديهم.

خدم مايكل فلين (56 سنة) في الجيش الأميركي أكثر من 30 سنة. احتل أخيراً منصب مدير وكالة الاستخبارات الدفاعية، فأصبح بالتالي أعلى مسؤول استخباراتي عسكري في الأمة. كذلك شغل سابقاً منصب مساعد مدير الاستخبارات الوطنية داخل إدارة أوباما. وبين عامي 2004 و2007، خدم في أفغانستان والعراق، حيث طارد بصفته قائد القوات الخاصة، أحد أبرز إرهابيي القاعدة، أبي مصعب الزرقاوي، وهو أحد أسلاف أبي بكر البغدادي الذي يرأس اليوم داعش في سورية والعراق. بعد أن حدد فريق فلين مكان الزرقاوي، قتلته الولايات المتحدة في غارة جوية عام 2006.

في مقابلة مع «شبيغل»، يوضح فلين ظهور داعش وكيف قادتهم مشاعر اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر بشكل أعمى في الاتجاه الخاطئ إستراتيجياً.

في الأسابيع الأخيرة، لم ينفذ {داعش} اعتداءات في باريس فحسب، بل أيضاً في لبنان وضد طائرة روسيا فوق شبه جزيرة سيناء. ما الذي دفع هذا التنظيم إلى تبديل تكتيكاته وتوسيع عملياته دولياً؟

ثمة الكثير من التحذيرات الإستراتيجية والتكتيكية، فضلاً عن فيض من التقارير. حتى إن رجالاً في داعش أعلنوا أنهم سيشنون هجمات في الخارج. لكني لا أعتقد أن الناس أخذوهم على محمل الجد. عندما سمعت للمرة الأولى باعتداءات باريس، قلت: {يا إلهي! ها هم يعاودون الكرة، ونحن غافلون عنهم}. أما وجه الاختلاف الوحيد الذي يجب أن نتنبه له في رأيي أن في أوروبا بنية قيادية. ففي كل بلد في أوروبا قائد وبنية قيادية. وينطبق الأمر عينه على الولايات المتحدة، مع أنه أقل وضوحاً.

أتقصد أميراً أو قائداً إقليمياً؟

نعم، في كتابات أسامة بن لادن، يستفيض في الكلام عن التفرقة، توسيع الانتشار، والعمل من خلال عناصر صغيرة لأن هذا يزيد العمل سهولة ويحد من إمكان اكتشافه. في باريس، كانوا ثمانية شبان. في مالي، كانوا 10. وربما في المرة التالية لا يحتاجون إلى أكثر من شاب أو اثنين.

هل من الممكن وقوع حدث بهذا الحجم من دون تفويض قيادة داعش في سورية والتنسيق معها؟

نعم، لا جدول قيادة محدداً يترأسه قائد على غرار ما نتبعه في أنظمتنا. علينا أن نتفادى مقارنات مماثلة في مجالات عدة. يمكنني أن أتخيل رجلاً في الثلاثين من عمره يتمتع ببعض التدريب والتوجيه يتقلى المهمة التالية من الأعلى: {اذهب ودافع عن عقيدتك}. فينتقي الأهداف هو بنفسه، ينظم مهاجميه، وينفذ مهمته.

أعلن قائد داعش نفسه الخليفة أبي بكر البغدادي. فأي نوع من القادة هو؟

من الضروري التمييز بين الطريقة التي قدّم بها أسامة بن لادن وأيمن الظواهري نفسيهما، عندما كانا يظهران للملأ، والطريقة التي قدَّم بها البغدادي نفسه حين أعلن الخلافة. اعتاد بن لادن والظواهري في أشرطة الفيديو الجلوس وساقاهما مثنيتان، وبندقية الكلاشنكوف في حضنهما، والعلم يرفرف خلفهما. كانا يظهران بمظهر المحارب. أما البغدادي، فقدم إلى مسجد في الموصل وتحدث من الشرفة، كما لو أنه البابا، وكان يرتدي الملابس السوداء الملائمة. وقف هناك كرجل دين وأعلن الخلافة الإسلامية. فشكل هذا عملاً رمزياً غنياً بالمعاني، لأنه رفع القتال من صراع عسكري، تكتيكي، محلي إلى حرب عالمية دينية.

ما قد يتبدل إن قُتل البغدادي؟

كنا نعتقد: {سنواصل قتل القادة، ولن يكون التالي بالبراعة عينها}. لكن المسائل لم تسر كما فكرنا لأن البغدادي أفضل من الظواهري، والظواهري كان أفضل من بن لادن.

إذاً، لن يؤدي قتل أبي بكر البغدادي إلى تبدل كبير؟

كلا على الإطلاق، قد يكون ميتاً اليوم، وخصوصاً أننا لم نره أخيراً. كنت أفضل لو أننا نجحنا في أسر بن لادن أو الظواهري، لأننا ما إن نقتلهم، نسدي لهم ولحركتهم خدمة بتحويلهم إلى شهداء. كان الظواهري حيواناً متوحشاً. كنت أفضل لو رأيته يمضي ما تبقى من حياته في زنزانة. ما زال من الصعب علينا، نحن في الغرب، فهم منطقهم وطريقة تفكيرهم.

ما أوجه الاختلاف بين البغدادي والظواهري، الذي قاد تنظيم القاعدة في العراق بين عامَي 2003 و2006؟

حاول الظواهري استقطاب المقاتلين الأجانب، إنما لم يحقق النجاح الذي أصابه البغدادي. ففي ذروة عهد الظواهري، كانوا ينجحون في استقدام نحو 150 مقاتلاً شهرياً من نحو 12 بلداً. أما البغدادي، فيُحضر 1500 شهرياً من أكثر من 100 أمة. كذلك يستخدم البغدادي أسلحة عصرية من حقبة تكنولوجيا المعلومات بطرق عدة بغية تعزيز تفاعلهم مع العقيدة. يكمن وجه الاختلاف الآخر في طريقة اختيار الأهداف. كان الظواهري عنيفاً جداً، حتى إنه كان يقتل عشوائياً رجالاً مصطفين يبحثون عن عمل في وسط بغداد. لكن البغدادي أكثر ذكاء ودقة في اختياره أهدافه، مع أنه لا يقل عن الظواهري وحشية.

مَن يدير جناح داعش العسكري؟

أعتقد أن البغدادي أو القائد الحالي لداعش يولي أهمية كببرة للمسائل العسكرية. إلا أن هذا التنظيم يظل شبكة مسطحة جداً. في سورية والعراق، أعتقد أن لديه قادة تابعين له يتولون أدارة العمليات العسكرية، اللوجستية، المالية، وغيرها. يشكل هؤلاء مجموعة من المصريين، السعوديين، الشيشانيين أو الداغستانيين، الأميركيين، والأوروبيين. ندرك ذلك من التقارير عن أنهم قسموا الرقة إلى مناطق دولية بسبب حاجز اللغة. كذلك يستعينون بمترجمين في هذه المناطق الدولية بغية التواصل بفاعلية ونقل رسالتهم. على سبيل المثال، للأستراليين وحدهم نحو 200 رجل، حتى إن الرقة تضم قطاعاً أسترالياً. وهم مرتبطون بالأقسام الأخرى الناطقة بالإنكليزية لأن كثيرين ممن يأتون لا يجيدون العربية. ولا شك في أن هذا يتطلب بنية شبيهة بالجيش مع قيادة شبيهة بالقيادة العسكرية.

كيف يتعامل تنظيم داعش مع المتطوعين؟

يوثق التفاصيل كافة. يبرع هذا التنظيم في عمل مماثل. في عمليات التجنيد والمقابلات، يسألون: {ما هي خلفيتك؟ هل تبرع في استخدام وسائل التواصل أو الأسلحة؟}. تشكل هذه قدرة منظمة بدقة. يعملون بعد ذلك على تطويرك بطرق غير تقليدية البتة.

كيف يجب أن يحارب الغرب هذا العدو؟

من المؤسف أن علينا إنزال الجنود على الأرض. لن نتفوق على هذا العدو بالضربات الجوية فحسب. لكن الحل لا يقتصر على العمل العسكري. يجب أن تقوم إستراتيجيتنا على سلب داعش مناطقه، وإعادة فرض الأمن والاستقرار بغية تسهيل عودة اللاجئين. ومن المؤكد أن هذا لن يكون ممكناً بسرعة. أولاً، علينا أن نطارد ونقضي بالكامل على قيادة داعش، تفكيك شبكته، وقف عمليات تمويله، والبقاء إلى أن تعود الحياة إلى طبيعتها إلى حد ما. ولا شك في أن هذا لن يتحقق في غضون أشهر، بل يتطلب سنوات. يكفي أن نتأمل في المهمة التي نفذناها في البلقان ونعتبرها نموذجاً. بدأنا العمل على إرساء الاستقرار في البلقان في مطلع تسعينيات القرن الماضي، وما زلنا هناك حتى اليوم.

هل تشكل مهمة البلقان نموذجاً للحرب اليوم؟

يمكننا تعلم بعض الدروس من حرب البلقان. من الناحية الإستراتيجية، أتخيل تفكيك مناطق الأزمة في الشرق الأوسط إلى قطاعات كما فعلنا في البلقان. وتتولى كل أمة الاعتناء بقطاع محدد. بالإضافة إلى ذلك، سنحتاج إلى بنية قيادية عسكرية ائتلافية. أما على المستوى السياسي، فيلزم أن تؤدي الأمم المتحدة دوراً فاعلاً. على سبيل المثال، تستطيع الولايات المتحدة الاهتمام بقطاع وروسيا بقطاع، من دون أن ننسى الدول الأوروبية. كذلك، من الضروري أن يشارك العرب أيضاً في تلك العملية العسكرية، وينبغي أن يساهموا في كل قطاع. مع هذا النموذج، نحظى بفرص كثيرة. يمكننا مثلاً الطلب من روسيا أن تستخدم نفوذها في إيران كي تدفع طهران إلى الخروج من سورية ووقف عملياتها بالوكالة في المنطقة.

ولكن لتحقيق هذه الخطة، يجب أن يتعاون الغرب بالكامل مع الروس.

علينا أن نعمل بطريقة بناءة مع الروس. سواء شئنا أو أبينا، اتخذت روسيا قرار تدخلها في سورية والعمل عسكرياً. تنفذ روسيا العمليات راهناً في سورية، وقد أحدثت تبدلات كبيرة في التفاعلات على الأرض. لذلك، لا يمكننا القول إن الروس سيئون وعليهم أن يعودوا إلى وطنهم، فهذا لن يحدث. علينا التصرف بواقعية. لنتأمل في ما حدث خلال الأيام القليلة الماضية: طلب الرئيس الفرنسي مساعدة عسكرية من الولايات المتحدة (بعد اعتداءات باريس). لكن هذا بدا غريباً بالنسبة إلي أنا الأميركي. كان علينا نحن أن نبادر إلى تقديم الدعم والمساعدة. إلا أن الرئيس الفرنسي سافر إلى موسكو ليطلب المساعدة من بوتين.

لكن التدخل العسكري الغربي قد يبدو محاولة جديدة لغزو المنطقة.

لهذا السبب، نحتاج إلى مساعدة العرب كشركاء. يجب أن يكونوا هم وجه المهمة. لكنهم اليوم عاجزون عن تنفيذ أو حتى قيادة هذا النوع من العمليات، فالولايات المتحدة وحدها تستطيع ذلك. ولا نود بالتأكيد غزو سورية أو حتى أخذ هذه المهمة على عاتقنا وحدنا. نتيجة لذلك، من الضروري أن تكون رسالتنا أننا نود المساعدة وأننا سنرحل ما إن تُحل المشكلة. كذلك يجب أن تقف الأمم العربية إلى جانبنا. وإن اكتشفنا أنها تمول داعش أو تسهل نقل الأموال إليها، فعلينا اللجوء إلى العقوبات وخطوات أخرى.

في شهر فبراير عام 2004، كان أبو بكر البغدادي بين أيديكم. كان معتقلاً في معسكر تابع للجيش، إلا أنه أُخرج لاحقاً بعد أن اعتبرته اللجنة العسكرية الأميركية غير خطر. كيف حدث هذا الخطأ الفادح؟

كنا أغبياء جداً. لم ندرك مَن كنا نحتجز حينذاك. عندما وقعت اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر، سيطرت علينا العواطف وكان ردنا: {من أين أتى أولئك الأوغاد؟ لنقتلهم. لنذهب ونمسك بهم}. وبدل أن نسأل عن الأسباب التي دفعتهم إلى مهاجمتنا، سألنا من أين أتوا. ومن ثم سرنا في الاتجاه الخطأ إستراتيجياً.

اجتاحت الولايات المتحدة العراق مع أن صدام حسين ما كان له أي دخل في اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر.

ذهبنا أولاً إلى أفغانستان، حيث يتمركز تنظيم القاعدة، ثم انتقلنا إلى العراق. وبدل أن نسأل أنفسنا عن أسباب ظاهرة الإرهاب، صببنا اهتمامنا كله على المواقع. وهذا بالتأكيد درس مهم علينا تعلمه كي لا نكرر الأخطاء عينها.

ما كان تنظيم داعش ليصبح ما هو عليه اليوم لولا سقوط بغداد. هل تشعرون بالندم حيال؟

نعم بالتأكيد...

... حرب بغداد؟

شكلت هذه الحرب خطأ فادحاً. صحيح أن صدام حسين كان حاكماً عنيفاً، إلا أن الإطاحة به خطأ. وينطبق الأمر عينه على معمر القذافي في ليبيا، التي تحولت اليوم إلى دولة فاشلة. أما الدرس التاريخي الذي نستمده فهو: شكلت حرب العراق إخفاقاً إستراتيجياً. ومن المؤكد أن التاريخ لن يكون رحيماً في التعامل مع هذا القرار.

back to top