غيِّر مصيرك الجيني عبر حمية صحية!

نشر في 18-12-2013 | 00:02
آخر تحديث 18-12-2013 | 00:02
إذا أصيبت والدتك يوماً بالسرطان، يصبح مصيرك الجيني المرتبط بهذا المرض غير قابل للتغيير. هكذا كان التفكير الشائع في الماضي على الأقل بشأن القابلية الجينية لأمراض مثل السرطان وأمراض القلب. لكن حصل تحوّل في المعايير فتغيرت طريقة الخبراء في فهم مواصفاتنا الجينية الموروثة، بحسب د. رودريك داشوود الحائز شهادة دكتوراه.
مثلما ننقل المعطيات الجينية المتعلقة بلون العيون وشكل الجسم من جيل إلى آخر، ننقل أيضاً الجينات المرتبطة بقابلية الإصابة بالأمراض. لكن يعتبر د. رودريك داشوود أن العلماء باتوا يدركون أن الجينات يمكن تشغيلها أو تعطيلها. يحتوي الحمض النووي وبروتينات أخرى موجودة في الجينة على «علامات» جزيئية تخبر الجينة بأن تكون ناشطة أو غير فاعلة. ويمكن أن يشغّل أسلوب الحياة ونوعية البيئة السائدة تلك العلامات كي تُضاف أو تُحذَف، ما يعني تشغيل الجينات أو تعطيلها.

في المبدأ، يمكن تغيير التعبير الجيني (أي العملية المستعملة لترجمة المعلومات التي يمكن توارثها من جينة معينة وجعلها جينة فاعلة في الخلية)، وبالتالي كبح مسار المرض. في حال وجود خطر جيني للإصابة بالسرطان مثلاً، يذكر داشوود: «انتشرت فكرة مفادها أننا نستطيع دفع خلايا السرطان في الاتجاه المعاكس. يمكن تشغيل جينات قمع الأورام لإسكات الخلايا السرطانية».

علم المورثات

خطا العلماء خطوة عملاقة لفهم علم الوراثة بفضل “مشروع الجينوم البشري”، وهو بحث مهم يشمل فريقاً من الباحثين الدوليين الذين كُلّفوا برسم خرائط جميع جينات الجنس البشري (أي ما يُعرف باسم الجينوم). انتهى المشروع في عام 2003 وقد منح العلماء القدرة على قراءة مخططنا الوراثي، وعزَّز معارفنا حول طريقة تغيير الآثار السلبية لمواصفاتنا الجينية.

منذ ذلك الحين، تطور مجال علم المورثات الغذائية، أي دراسة طريقة تأثير المأكولات على الجينات ومعرفة كيف تستطيع التركيبة الجينية الفردية أن تجعل الناس يتجاوبون مع المأكولات والمغذيات بطرق مختلفة. يتعلق الجانب الأكثر إثارة للاهتمام في علم المورثات الغذائية بقدرته على فتح آفاق جديدة للوقاية من الأمراض التي يكون الناس مستعدين وراثياً لها مثل السكري والبدانة والاضطرابات الالتهابية والسرطان والأمراض العصبية التنكسية.

طعامك

ما نأكله قد يؤثر بشدة على مواصفاتنا الجينية، وحتى مواصفات أولادنا. أظهرت الدراسات التي أجريت على الحيوانات أن الحمية التي تتبعها الأم يمكن أن تفرض تعديلات طويلة المدى في التعبير الجيني الخاص بأولادها. على سبيل المثال، يمكن أن تغير حمية الأم الغنية بالدهون التعبير الجيني عند أولادها وتبدّل سلوكياتهم وتعزز رغبتهم في تناول المأكولات اللذيذة والدسمة.

ويمكن أن تتأثر طريقة عمل الجينات بعوامل مثل النمط العام للحمية الغذائية، وعدد السعرات الحرارية المستهلكة، وتناول مركّبات ومغذيات معينة من المأكولات، والتعرض لمواد كيماوية موجودة في الأغذية، فضلاً عن أسلوب الحياة بشكل عام. تخضع فئة واسعة من المأكولات والمغذيات للدراسة، لكن نقدم لكم في ما يلي بعض المجالات المثيرة للاهتمام في علم المورثات الغذائية:

1. نمط الحمية

قد يغير النمط الصحي للحمية التعبير الجيني ويضمن الحماية من السرطان بحسب دراسة نُشرت في مجلة “التغذية” في عام 2013. قارن باحثون كنديون آثار المواصفات الجينية عند اتباع حمية صحية شملت نسبة عالية من الخضار والفاكهة والحبوب الكاملة ونسبة منخفضة من المنتجات المكررة التي ترتكز على حمية غربية تترافق مع استهلاك مرتفع للحبوب المكررة والحلويات واللحوم المصنّعة.

أشارت مواصفات التعبير الجيني إلى احتمال ارتفاع خطر السرطان بسبب الحمية الغربية مقابل تراجع خطر السرطان في المجموعة التي تتبع الحمية الصحية.

2. أسلوب الحياة

قد يترافق أسلوب الحياة الصحي بشكل عام مع أثر أكبر على الجينوم. تشير الأبحاث إلى أن النشاط الجسدي وحده له أثر عميق على الجينات مثل انخفاض خطر الإصابة بالنوع الثاني من السكري والبدانة. وفي دراسة نُشرت في عام 2008 في “وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم»، تبين أن الخطة التي شملت حمية صحية ترتكز على النباتات وتمارين رياضية معاصرة وتقنيات لإدارة الضغط النفسي نجحت في تغيير مواصفات أكثر من 500 جينة عند الرجال المصابين بسرطان البروستات في مراحله الأولى، ما يشير إلى أن تلك التغييرات يمكن أن تساهم في إبطاء تطور السرطان.

3. الفاكهة والخضار

نعلم أن الإكثار من تناول الفاكهة والخضار أمر مفيد كونه يوفر عدداً من المنافع الصحية، لكن يمكن أن نضيف الجينات الآن إلى اللائحة. أظهرت دراسة نروجية في عام 2010 أن الفاكهة والخضروات الغنية بمضادات الأكسدة تُحدِث تغييراً في التعبير الجيني من شأنه أن يفعّل عمليات الدفاع في الجسم إلى أقصى حد. وركزت الأبحاث على أثر مأكولات نباتية معينة على الجينوم.

تشير النتائج العلمية التي طُرحت خلال المؤتمر السنوي للتغذية والصحة إلى أنّ عنصر السولفورافان الموجود في البروكلي يشغّل الجينات المثبِطة للأورام، ما يسمح بقمع السرطان.

يبدو أن مركّبات غذائية أخرى لها المفعول نفسه، بما في ذلك الثيوسيانات المتماثلة الموجودة في الكبريت والخضروات الصليبية مثل الملفوف واللفت والبروكلي والبقلة؛ ومركّبات السيلينيوم العضوي الموجودة في الثوم؛ والمأكولات الغنية بالبيوتين مثل السلق وصفار البيض؛ والمأكولات الغنية بحمض ألفا ليبويك مثل الخضروات الورقية الخضراء.

تشمل مثبطات السرطان الأخرى عنصر الريسفيراترول الموجود في قشرة العنب، والإيسوفلافون الموجود في الصويا والمركبّات الناشطة بيولوجياً في الجوز، ويمكن أن تُحدِث هذه الأنواع تعديلات في التعبير الجيني.

4. المغذيات الدقيقة

توفر فيتامينات أساسية عدة، مثل الفيتامينات B وحمض الفوليك والكولين، عناصر مهمة اسمها مجموعات الميثيل وهي تساهم في نشوء علامات وراثية تشغّل الجينات أو تعطّلها. إذا كانت حميتك تفتقر إلى هذه المغذيات، قد لا تتمكن من التعبير عن الجينات التي تحتاج إليها للتمتع بصحة جيدة، بحسب لين آدامز، مسؤولة في قسم العلوم والتكنولوجيا ضمن “وكالة حماية البيئة الأميركية”.

5. المواد الكيماوية في المنتجات الغذائية

تعتبر آدامز أن بعض المواد الكيماوية في النظام الغذائي، مثل ثنائي الفينول أ الموجود في أغلفة وحاويات المنتجات الغذائية، يستطيع التأثير على التعبير الجيني في المناطق الدماغية والأعضاء التناسلية بحسب الأبحاث الأولية.

انتظروا الأبحاث الجديدة

تجدر الإشارة إلى أن الأبحاث في مجال علم المورثات الغذائية لا تزال في بدايتها، ولا يزال الوقت مبكراً للتأكيد على فاعلية التعديلات الغذائية لتغيير التعبير الجيني عند كل فرد. لكن من الناحية الإيجابية، تدعم الأبحاث المتوافرة المعلومات التي نعرفها: الحمية المثالية للوقاية من الأمراض هي الحمية المتوسطية التي ترتفع فيها كمية الفاكهة والخضار والحبوب الكاملة والسمك لكن تنخفض فيها الحبوب المكررة والحلويات واللحوم المصنّعة.

back to top