عندما كان سليمان المانع

نشر في 09-11-2007
آخر تحديث 09-11-2007 | 00:00
 محمد مهاوش الظفيري من المعروف أن إفلاطون فضل الفلسفة على الشعر، وهو يراها أكثر أهمية في بناء المدينة الفاضلة، لأن الفلسفة تعبر عن المثل، بينما يكون الشعر بمنزلة الظل، وذلك لبعده عن الحقيقة وعن عالم المثل، عكس الفلسفة الملاصقة للحقيقة، لهذا اعتبر إفلاطون أن دور الشعر والشعراء سلبيّ، لأنهم - أي الشعراء - يهيجون العواطف ويثيرون الغرائز، بينما تقوم الفلسفة بضبط النفوس والسيطرة عليها.

لقد جعل الفلاسفة حكام المدينة الفاضلة، وحكم على الشعراء بالطرد خارج الأسوار، مستثنياً الشعراء الذين يستمعون الى صوت العقل ويتصرفون وفق ما يمليه عليهم من أوامر، كالتغني بدور الفلاسفة والنبلاء في بناء المدينة الفاضلة.

أعتقد أن عداء إفلاطون للشعر الذي يبحث عن المعرفة الإنسانية والجمال والإمتاع، وتصنيفه له بأنه أداة تخريب، ناتج عن عداء مقصود، لا عن عدم فهم لدوره في الحياة، لأنه يريد الانفراد هو والفلاسفة من بعده بقيادة هذه المدينة، وهذا من حقه، لأنه هو الذي ابتكرها ووضع تصوره لها من خلال التفكير وطول التأمل، لكن المضحك المبكي أن يتغنى شاعر شعبي بهذه المدينة واصفا محبوبته بها (مثل مدينة إفلاطون المثالي)، لا أدري كيف قفز إلى مخيلتي هذا الشطر من الذاكرة لقصيدة قرأتها منذ زمن لسليمان المانع.

هل الشاعر كان ينشد النقاء؟

ولكن... أين النقاء في مدينة مخلوقة للنبلاء والفلاسفة والعسكر؟!

هل كان ينشد الشاعرية المحضة؟

طبعا لا، وألف لا... لأن صاحبه حكم على الشعراء بالطرد والنفي خارج أسوار المدينة.

العجب كل العجب، أن يتغنى هذا الشاعر بهذه المدينة وقد طرده إفلاطون منها قبل أن يولد بمئات السنين، هذه الوقفة جعلتني أتساءل، أو أطرح هذا التساؤل:

هل الشاعر الحقيقي هو الشاعر المبدع الموهوب؟! أو الشاعر المثقف المطّلع على الأدب والتراث؟! وأيهما أفضل، الإبداع أو الثقافة بالنسبة للقارئ المتلقي أو الشاعر؟!

في الحقيقة إن الثقافة للشاعر كالماء والهواء للكائن الحي، لأنه من خلالها يمكنه التواصل والاطلاع على إبداع من سبقه أو عاصره، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، لكي لا يكون صندوقا فارغا أو مفرغا من العطاء بعد أن تجف الموهبة أو تركد، ويؤول مصير صاحبها إلى النسيان والضياع.

الموهبة هي الأساس... فهي غرسة تنمو وتتفرع متى ما كان صاحبها مثقفا مطلعا على أعمال غيره، أما الإبداع فهو الشيء المكمل والضروري لتجربة الشاعر، وعلى هذا الأساس تكون الثقافة والموهبة والإبداع بمنزلة أضلاع ثلاثية لمثلث اسمه الشاعر، والمتلقي الواعي يريد من الشاعر الإبداع أولا وأخيرا، أي يريد منه الخلاصة، فالموهبة ضرورية للشاعر وكذلك الثقافة، أما الإبداع، والإبداع وحده، فهو ما يجذب المتلقي، وهو نتاج طبيعي لكل ما سبق.

في آخر المطاف... أود أن أقف هذه الوقفة.

لا أعني من كلامي هذا سليمان المانع كشخص أو كشاعر، لكن كظاهرة موجودة في الساحة الشعبية، فالكثير للأسف الشديد غير مثقف وذلك واضح من خلال اللقاءات المسموعة والمقروءة.

إنني من المعجبين جداً بشاعرية سليمان المانع، ومن حق كل مبدع أن نقف عنده، سواء مدحا أو قدحا، أما الخفافيش أو الشعراء الشعبويون، فهؤلاء خارج الحسبة.

أعود وأقول: إنني معجب بتميز سليمان المانع، وخاصة أيام الاغتراب والإحساس بالغربة... عندما كان يغرد بعيدا عن السرب... عندما كان يحلق... ويحلق... ويحلق... ولا يهمه أو يهمنا من يكون وراءه... عندما كان البعض يرتبون الشعراء على هواهم، ويصنفونهم كيفما يريدون... كان في تلك الأيام سليمان يقف في المربع رقم واحد.

لكنني أعتقد أن مدينة «إفلاطون المثالي» هي حجر الأساس لِمَا نراه اليوم من أفول نجومية سليمان المانع.

back to top