حيوانات تحمل سمات إنسانية!
عودة الإنسان إلى حالته الحيوانية، عشنا فصولها في الكويت، إذ أقيم حوار بين الإنسان والحيوان وتجسد بنصوص ولوحات أقامها المركز الفرنسي للأبحاث بمناسبة «الفعاليات الفرانكوفونية».
الفارسي ابن المقفع، هذا الإنسان الرائع الذي نقل إلى العربية كتاب كليلة ودمنة ثم طاف أرجاء العالم وترجم إلى 50 لغة انطلاقاً من النسخة العربية، لعب دوراً مباشراً بتأسيس جنس أدبي جديد، يعرف بآداب الملوك، يهدف إلى تكوين رجال السياسة وتزويدهم بالمبادئ العامة لتدبير أنفسهم.
الرحلة التي أخذتنا إليها الباحثة في جامعة برلين خلود خلف الله، في مشروع بحوث أوروبي عن كليلة ودمنة، كانت ممتعة زادتها تشويقاً الطالبة في المعهد العالي للتربية في باريس غيثة الحسوني والتي قامت بكتابة نصوص اللوحات المعروضة، وفرح مراد التي ترجمتها إلى العربية.
المشروع أكبر من مجرد أمثال، هو عمل أدبي مترحل، فالحيوانات حاملة لقيم العدالة والحيلة والولاء والحذر.
هو مجموعة من الدروس في فن الحكم، هو أشبه بعملة ذات وجهين، أقرب إلى أن يكون قسمة بين قيمتين متضادتين، الجهل والحكمة.
ماذا يعني إعادة قراءة «كليلة ودمنة» اليوم؟ ببساطة يمكن إعادة البناء عليها من وحي واقعنا العربي، كيف؟
في «الكتيب» الذي جرى توزيعه وبإشراف مدير المركز الفرنسي الدكتور مكرم عباس، يذهب الشرح إلى أبعد من النص، فالحيوانات الكامنة في قلب أداة السرد هي أيضاً شخصيات مادية ومرئية، فالأسد الذي غالباً ما يتم تمثيله باللون الأصفر يجسد السلطة التي يمكن أن تتحول إلى الطغيان ويلعب ابن آوى باللون البرتقالي دور المستشار الماكر وحتى المتلاعب، أما السلحفاة فتعبير عن الضعف والسذاجة، بينما يجسد الجمل الأحمر السذاجة، وغالباً ما يعاقب عليها.
هناك أبعاد جمالية أخرى فنية في «كليلة ودمنة»، سواء المتصلة بالأشكال المعمارية أو الأشجار التي ترمز إلى الحكمة وطول العمر، في حين أن الزهور تستحضر النقاء.
منطق تصنيف الحيوانات يختلف وفقاً للدور المنسوب إليه، مثلاً، تم تصوير القرد في باب الأسد والثور على أنه جاهل وكبير في السن، بينما نجده في مثل القرد والسلحفاة حكيماً وذا خبرة.
البعد الحقيقي للشخصيات الحيوانية أنها ليست مجرد مخلوقات، بل هي شخصيات تحمل سمات إنسانية مميزة ينسبها إليها المؤلف، وتجسيدها ارتبط بالأفعال البشرية الممثلة لمختلف الطبقات الاجتماعية.
من الغرب كما في المشرق العربي، استلهم الأدباء والمفكرون الأمثال التي وردت في هذا المخطوط الرائع والذي مازال يصلح لزماننا وقد يكون مرجعاً مفيداً لفن الحكم ففيه الكثير من النصيحة والمقارنة بين الحيلة والقوة.
خلاصة المراجعة، أن الكتاب يركز على تلقين الدروس الأخلاقية وتعليم الصغار القضايا التي سيواجهونها عندما يصبحون كباراً وهذا ما قدمته وببراعة الكاتبة هدى الشوا تحت عنوان «حكايات من وحي كليلة ودمنة».