من صيد الخاطر: المؤتفكة

«المؤتفكة» كلمة عربية غريبة ويتيمة، لأنه من النادر جداً استخدامها، ولا نعلم إذا ما يوجد من يستخدمها، أو أن هناك ما يستدعي الاستعانة بها، وهي تعني بوجه عام المنقلبة عليهم أمورهم إلى الأسوأ، هذه الكلمة ذُكرت في القرآن الكريم مرات قليلة، ومفردها مؤتفك، ويمكن إطلاقها على الرياح عندما تهب من كل ناحية، فيقال عنها: ائْتَفَكتِ الرياحُ، ويقال أيضاً: ائتفكتِ الأرضُ أي احترقت من الجدْب، وائتفك البلدُ بأهله: انقلب وصار أعلاه أسفله، وائْتَفَك القومُ: أي اضطربوا وانقلبت أحوالهم من الخير إلى الشر.

و«المؤتفكة» هنا هو مصطلح يُشير إلى القرى أو الأقوام المكذبين لرسلهم، والذين أصابهم العذاب الإلهي لكفرهم وطغيانهم، فورد ذكرهم في القرآن الكريم في سياق قصص الأمم السابقة التي أهلكها الله، مثل قوم لوط الذين عُوقبوا بدمار قريتهم سَدوم وهلاك من فيها بسبب شذوذهم.

وهناك آيات قرآنية وردت فيها كلمة المؤتفكة، وقد ذكرها الله في سورة التوبة: «أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ»، وذكرها في سورة النجم: «وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَىٰ * وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَىٰ * وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَىٰ * وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَىٰ». وقوله تعالى في سورة هود: «وَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ»، المقصود فيها قرية سدوم بلدة قوم لوط.

و«المؤتفكة» لفظ يمكن أن يُطلق على أمم عُوقبت بأنواع مختلفة من العذاب، وأشهرها قرى قوم لوط التي أهواها الله، وأهلكها، وقلبها رأساً على عقب، ويقال إن موقعها الحالي هو منطقة البحر الميت في المملكة الأردنية الهاشمية، وهو بحر ميت لا حياة فيه لشدة ملوحته، ويقع في أخدود وادي الأردن، وبمستوى 400 متر تحت سطح البحر، وتبلغ مساحته 650 كم مربعاً، فهو في أخفض نقطة على وجه الأرض، والله أعلم.