قانون الجمعيات التعاونية... نظرات وتأملات!
طالعتنا بعض الصحف قبل أيام عبر مصادرها بأبرز التعديلات الجديدة التي ستتم لقانون الجمعيات التعاونية، وعلى الرغم من قلة ما رشح من معلومات حول تلك التعديلات فإنّ هناك بعض الملاحظات سيتناولها هذا المقال من حيث مدى ملاءمتها لمبادئ الحوكمة ومبادرتنا بشأن «حوكمة الجمعيات التعاونية» التي قابلنا بها معالي وزيرة الشؤون الاجتماعية الدكتورة أمثال الحويلة بتاريخ 2 سبتمبر 2024، حيث استمعت لبنود المبادرة وأبدت -مشكورةً- اهتمامها بها.
فمن تلك التعديلات على قانون الجمعيات التعاونية - وفق جريدة الجريدة - «تقليص» عدد أعضاء مجلس الإدارة من 9 إلى 7، وإلغاء «القُرعة» التي تتم عقب انقضاء سنتين من تاريخ انتخاب أول مجلس إدارة، وأن تكون مدة عضوية جميع الأعضاء 3 سنوات بدلاً من 4، ونعتقد بأن هذه التعديلات جيدة وتسهم في استقرار مجالس الإدارة وتصب في مصلحة المساهمين وجاءت متوافقة مع مبادرتنا المشار إليها.
ومن التعديلات على قانون الجمعيات التعاونية -وفق جريدتي الجريدة والأنباء - تكوين مجلس إدارة الجمعية التعاونية حيث سينتقل من كونه مجلس إدارة منتخباً بالكامل إلى كونه «نصف زائد واحد» بــ»التعيين» (4 أعضاء) وعدد 3 أعضاء بالانتخاب، أي بأغلبية معيّنة، حيث يتم تعيين أربعة أعضاء ممثلين للوزارات (الشؤون، والتجارة، والصحة، والمالية) في مجلس إدارة كل جمعية تعاونية. ومع اعتقادنا بحسن نوايا واضعي هذا المقترح إلا أنه يشوبه بعض الملاحظات، منها:
1- أنّ الجمعيات التعاونية هي ملك الجمعية العمومية من مساهمي المناطق، وبالتالي مساهمو كل منطقة هم من يديرون الجمعية عبر مجلس الإدارة لا أي جهة أخرى، والتغيير الجذري المقترح (تعيين 4 أعضاء من أصل 7) يتطلب أن تُؤسس وزارة الشؤون الجمعيات ابتداءً وتضخ أموالاً بها، وهذا غير متحقق في الواقع، والأفضل أن يبقى دور وزارة الشؤون في «التنظيم والرقابة» على أعمال الجمعيات وليس الدخول في عملية إدارة الجمعيات.
2- افتراض أن التعيين هو الحل السحري لمشاكل الجمعيات التعاونية، وأن ممثلي الوزارات هم أكفاء أمناء بالضرورة، وغيرهم (الأعضاء المنتخبون) هم قُصّر وعديمو الأهلية هي فرضية خاطئة ولا يدعمها الواقع، حيث لم يفسد العضو المنتخب لأنه منتخب بل لأن هناك «ثغرات قانونية تسلل منها الفساد ينبغي أن تُسد» ومن الممكن كذلك أن تحدث حوادث الفساد مع العضو المعيّن... فلا العضو المُعيّن ملاك ولا المُنتَخب شيطان، أو كما صاغها إيليا أبو ماضي: «ما أنا فحمةٌ ولا أنتَ فرقد»!
ولنتفق على أنّ الخلل الرئيسي هو في «أهلية وكفاءة» العضو وليس في مدى كونه معيّناً أو منتخباً، والحل هنا بوجهة نظري هو -كما اقترحنا في مبادرتنا- أن يدخل المرشح لعضوية مجلس إدارة الجمعيات التعاونية «دورة تأهيلية مكثفة» خلال فترة ترشحه وقبل إجراء الانتخابات، ومن يجتاز نسبة الاختبار النهائي للدورة يستمر في ترشحه ومن لا يجتاز النسبة المطلوبة ينسحب من الترشح، وهكذا لا يترشح إلا من هو أهل للعضوية.
3- ثم إنّ جعل أغلبية أعضاء مجالس إدارة الجمعيات التعاونية من ممثلي الوزارات سيحمّل الحكومة مسؤولية أي تقصير وفساد يحدث بالجمعيات مستقبلاً، كما سيُلقي على كاهلها -أي الحكومة- مزيداً من الأحمال لاسيما أعباء مالية هي في غنى عنها، ولا أتصوّر أن رؤية دولة الكويت 2035 تتضمن أن تدير الحكومة عبر ممثليها الجمعيات التعاونية.
4- الرقابة المالية والإدارية متمثلة الآن في مفتشي الوزارة ومراقبيها الماليين والاداريين، حيث يضطلع هؤلاء المراقبون بمسؤوليات كبيرة ومؤثرة إن تمت ممارستها بوعي وكفاءة، ولكن المشكلة هنا هي ذاتها بالنسبة لعضو مجلس الادارة وهي عدم كفاءة وأهلية «بعض» المراقبين، وبالتالي فإن زيادة (أو إعادة) التأهيل هي الحل الناجع، ومن المقترح - كما جاء في مبادرتنا- أن يدخل مراقبو الوزارة دورة تأهيلية تتناسب ومسؤولياتهم الرقابية إدارياً ومالياً.
أما بالنسبة للفترة الانتقالية، من صدور المرسوم بقانون وحتى إجراء أول انتخابات وفقاً للقانون الجديد، فلا نؤيد معاقبة الجيدين بحجة وجود بعض السيئين، لذلك فإنه يقترح الإبقاء على مجالس إدارات الجمعيات التعاونية التي ليس عليها مخالفات، والاكتفاء فقط بحل مجالس الادارة التي ثبتت المخالفات عليها وتعيين مجالس إدارة مؤقتة بدلاً عنها لحين الانتهاء من تكييف الوزارة لأوضاعها وفقاً للقانون الجديد واستحداث شروط ترشح جديدة لعضوية مجلس الادارة وتكوين لجنة المقابلات الشخصية التي ستقابل كل المرشحين قبل ترشحهم، وذلك وفقاً لمبادرتنا المشار إليها.
هذه أبرز الملاحظات والرؤى على ما رشح من معلومات حول التعديلات على قانون الجمعيات التعاونية، وأعلم مدى حرص معالي الوزيرة د. أمثال الحويلة على الإصلاح لاسيما قطاع الجمعيات التعاونية، لذلك نتمنى إعادة النظر في مسألة «التعيين» المشار إليها، وأن يتم الاسترشاد بمبادرتنا «حوكمة الجمعيات التعاونية» في التعديلات المرتقبة، حيث عالجت هذه المبادرة جذور مشكلة الجمعيات التعاونية، واحتوت على مقترحات عملية قابلة للتطبيق في هذا الخصوص.
وتقبل الله طاعتكم وعيدكم مبارك، ، ،
*متخصص في الحوكمة
عضو معهد الحوكمة المعتمد في بريطانيا وأيرلندا