من صيد الخاطر: وفسّر الماءَ بعد الجهد بالماءِ

نشر في 28-03-2025
آخر تحديث 27-03-2025 | 16:44
 طلال عبدالكريم العرب

«وفسّر الماء بعد الجهد بالماء» مثل عربي قديم، ولكنه لا يزال من الأمثال الحية التي تُتَداول بيننا في كثير من الأحيان لسهولة ما تنطبق عليه يومياً من نوادر وحوادث ومعلومات، وهو يقال لمن لا يأتي بفائدة، ولمن يبذل جهده في أمرٍ ما، ثم يتبين أنه لم يأت بجديد، فهو مثل واضح أنه يقال للسخرية من تعقيد زائد في أمور لا لزوم لها، ولا تستحق حتى كل هذا الجهد لإضاعة الوقت في تفسيرها، وفي هذا قال الشاعر العباسي ابن الرومي:

وشاعر أوقد الطبع الذكاء به

وكاد يحرقه من فرط إذكاءِ

أقام يجهد أياماً قريحته

وفسّر الماء بعد الجهد بالماءِ

وهناك طرفة حول «وفسّر الماء بعد الجهد بالماء»، من الجميل أن نشارك بها، وهي عبارة عن مطلع قصيدة من القرن الرابع عشر الميلادي، لعلي بن سودون الجركسي اليشبغاوي القاهري، قيل إنها أسخف أبيات شعر قالتها العرب، وفيها:

كأننا والماءُ مِن حولِنا

قومٌ جلوسٌ ومن حولهم ماءُ

الأرض أرضٌ والسماءُ سماءُ

والماء ماءٌ والهواء هواءُ

والماء قِيل بأنه يروي الظما

واللحم والخبز السمينِ غِذاءُ

ويقال إن الناس تنطِق مِثلنا

أما الخِراف فقولها مأماءُ

كل الرجالِ على العمومِ مذكر

أما النِساء فكلهن نِساءُ

ولسخافة تلك القصيدة عقَّب عليها مستهزئاً ابن الوردي بتحويل الشطر الأخير من بيتي ابن الرومي السابقين قائلاً:

وشاعر أوقَد الطبعُ الذكاءَ له

فكاد يحرقه من فرطِ إذكاءِ

أقام يُجهد أياماً قريحته

وشبّه الماء بعد الجهد بالماء

ومثل هذا شبيه بالمثل «تمخض الجبل فولد فأراً»، ويأتي أيضا من باب السخرية، فيُضرب لمن يُتَوقَّع منه الكثير، لكنه لا يأتي منه إلا الشيء اليسير الذي لا يتناسب مع الجهد والتعب الذي بُذِلَ في سبيل إنجازه أو الحصول عليه، وهو أيضاً مثل قديم، ولكنه ما زال كصاحبه متداولاً حتى يومنا هذا، ووراء هذا المثل قصة تروى.

فقد حصل قديماً أن أحد شيوخ القبائل، عندما كان جالساً مع جماعته تحت أحد سفوح الجبال اليمنية وهم يتسامرون ويحتسون قهوتهم، فإذا ببعض الرمال والحجارة الصغيرة تتدحرج من أعلى الجبل، فشعروا بالرعب ظانين أن هناك زلزالاً تحتهم، فهربوا بعيداً وهم فزعون، وعيونهم مصوبة نحو الجبل، وإذا هم بفأر صغير يخرج من أحد شقوقه، فقال شيخهم ساخراً: «تمخض الجبل فولد فأراً»، فذهب ما قاله مثلاً.

back to top