من صيد الخاطر: «إيَّاكم وحمية الأوقاب»

نشر في 05-04-2024
آخر تحديث 04-04-2024 | 17:52
 طلال عبدالكريم العرب

نصيحة قيل فيها: تباذلوا، تحابوا وتهادوا لتذهب عنكم الإحن والسخائم، أي الأحقاد والضغائن، فمن زرع الإحَن حصد المِحَن، و«إيَّاكم وحمية الأوقاب»، والأوقاب هم اللئام، فسألوا: وما هي حميتهم؟ قالوا: يرون العفو مغرماً، والتحمّل مغنماً.

والأوقاب، وتُقال أيضاً الأوغاب، مفردها وقب أو وغب، لها توصيف ثقيل يدلّ على وضاعة مَن وُصف بها، فهو يطلق على أرذل الناس وأدنأهم، وهو الوغد الأحمق اللئيم، وعندما يقال لأحدهم إنه وقب فهو أجوف لا عقل له، وينطبق عليه وصف الله جل وعلا بقوله «وأفئدتهم هواء»، أي: خالية، لا تعي خبراً.

وقد وصف سيدنا علي بن أبي طالب، كرّم الله وجهه «الوقب» اللئيم بقوله: اللئيم يجفو إذا استُعطِف، ويلين إذا عُنِّف.

وقالت العرب في ذلك: تعوذوا بالله من حمية اللئام (الأوقاب)، فاللَّئيم عندهم هو الشَّحيح المهِين النَّفس الخسيس الإباء، فإن كان الرَّجل شحيحاً، ولم تجتمع فيه هذه الخصال قيل له: بخيل، ولم يُقَل له لئيم، فيقال لكل لئيم بخيل، ولا يقال لكل بخيل لئيم.

وقيل أيضاً في ذلك: يا ابن آدم، أمرك ربُّك أن تكون كريماً وتدخل الجنَّة، ونهاك أن تكون لئيماً وتدخل النَّار، وسأل أحدهم: ما الجرح الذي لا يندمل؟ فقالوا: حاجة الكريم إلى اللَّئيم ثم يرده. وقيل: لا تضع معروفك عند فاحش ولا أحمق ولا لئيم، فإنّ الفاحش يرى ذلك ضعفاً، والأحمق لا يعرف قدر ما أتيت إليه، واللئيم سبخة لا ينبت ولا يثمر، ولكن إذا أصبت المؤمن، فازرعه معروفك تحصد به شكراً.

أما الإمام الشافعي، رحمه الله، فقال: طُبِع ابن آدم على اللُّؤْم، فمن شأنه أن يتقرَّب ممن يتباعد منه، ويتباعد ممن يتقرَّب منه، وقيل: أصل كل عداوة اصطناع المعروف إلى اللئام، فالكريم شكور أو مشكور، واللئيم كفور أو مكفور، واللئيم إذا غاب عاب، وإذا حضر اغتاب، فهو كالحية الصماء، لا يوجد عندها إلا اللَّدغ والسُّم.

أما المتنبي فقال في بيته الأشهر:

إذا أنت أكرمت الكريم ملكته

وإن أنت أكرمت اللئيم تمرّدا

وقال:

إن اللئيم بقبح القول تعرفه

وبالحوار طباع الناس تُكتشف

فن التخاطب ذوق ليس يدركه

إلّا كريم بحُسن الخلق يتّصف

فما أبعد «الوقب» اللئيم عن حُسن الخلق، أبعدنا الله عن حمية «أوقاب» القوم وأبعدها عنّا، فقد تكاثروا في غفلة من الزمان، وتحولوا إلى فتن ضالة مضلة، عالة لا معينة، لا يأمن شرورهم أحد، لا يصدهم إلّا الضرب على أيديهم، فحفظ الله ديارنا منهم.

back to top