غاريد كوشنر... غباء أم استغباء أم الاثنان معاً؟!

نشر في 25-03-2024
آخر تحديث 24-03-2024 | 17:41
 خالد يوسف الصوري

العراب!!

في ندوة كان من المفترض أن يكون عنوانها «ماذا يحدث عندما تكلف طفلا مدللا بملف الشرق الأوسط؟»، استضافت جامعة هارفارد الأميركية مستشار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب لشؤون الشرق الأوسط غاريد كوشنر للحديث عن نجاحاته كعرّاب لما سمي «اتفاقيات السلام الإبراهيمية» رغم اعترافه شخصيا عدم امتلاكه أي خبرة في مجال السياسة الخارجية ولا أي دراية بمشاكل الشرق الأوسط.

مؤهلات عالية!

غاريد كوشنر الذي يحمل شهادة في القانون من كلية الحقوق بجامعة هارفارد المرموقة هو ابن الملياردير الأميركي اليهودي سيئ السمعة تشارلز كوشنر الذي أودع السجن في عام 2005 بتهم ابتزاز صهره بشريط جنسي فاضح والتهرب الضريبي، وهو أيضا زوج الجميلة إيفانكا ابنة دونالد ترامب ووالد أحفاده منها.

صدمة!

عندما وصل ترامب إلى البيت الأبيض في عام 2017 كان غاريد في السادسة والثلاثين من عمره، خبرته في الحياة لم تتعدَّ العمل في مجال العقارات كوالده ووالد زوجته، وكاد يتسبب في إفلاس عائلته عندما ورطها بصفقة عقارية خاسرة عرفت باسم صفقة 666 فيفث أفنيو في عام 2007، ولذلك كان لتكليفه من قبل صهره ترامب بحل واحدة من أقدم مشاكل العصر الحديث وأكثرها تعقيداً، أي الصراع العربي الإسرائيلي، وقع الصدمة داخل أميركا وخارجها.

ميزة الجهل!

يزعم غاريد أن جهله بتفاصيل الصراع في الشرق الأوسط أعطاه ميزة التفكير من «خارج الصندوق» أي النظر للأمور من زاوية جديدة محايدة للوصول الى حل جذري للمشكلة، ولكن حتى لو افترضنا صحة هذه النظرية فإنها لا تنطبق على غاريد الذي كان يعبر صراحة عن ارتباطه الروحي كيهودي أرثوذكسي بإسرائيل، وانحيازه المطلق لها ضد أعدائها المتربصين بها، وهو ما انعكس في تعامله مع ملف الصراع كما سنرى بعد قليل.

مشكلة عقارية!

يقول غاريد إنه اكتشف من خلال اطلاعه السريع على ملف الصراع أن ما عرقل التوصل للحل النهائي منذ توقيع اتفاقيات أوسلو في عام 1993 هو أن الفلسطينيين كانوا يفتعلون المشاكل للحصول على المزيد من الأموال، فترد إسرائيل عليهم بوضع يدها على المزيد من الأراضي في الضفة الغربية، فالصراع إذاً - يستنتج سمسار العقارات - هو صراع مالي عقاري، وما دامت الحال كذلك فلنعطِ كل طرف ما يريد ونغلق هذا الملف مرة وإلى الأبد.

بونص!

وهذا ما تحقق بالفعل مع الجانب الإسرائيلي، إذ أقرت أميركا بشرعية ما قامت به إسرائيل من احتلال للقدس الشرقية في حرب 1967 وضمها إليها واعتبارها مع القدس الغربية عاصمة موحدة وأبدية لإسرائيل، وقامت أميركا بنقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس، وبالإضافة إلى ذلك أعطت أميركا مكافأة «بونص» لإسرائيل، وهو اعترافها بضم إسرائيل هضبة الجولان السورية لأراضيها، ويبرر غاريد أن ذلك كان ضروريا لكسب ثقة نتنياهو ودفعه للسير في عملية السلام!!

عَمان عاصمة الفلسطينيين!

ولكن ماذا عن الجانب الفلسطيني: يقول غاريد إنه عرض 50 مليار دولار على شكل استثمارات وخلق فرص عمل لمليون فلسطيني مقابل اعتراف محمود عباس بالخطوات الأميركية المذكورة، لكن عباس رفض العرض.

- لماذا؟

- لأنه يريد المزيد من المال.

- وكيف عرفت ذلك؟

- لأن الفلسطينيين يفتعلون المشاكل للحصول على مزيد من الأموال، وعباس رفض الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل رغم أن القدس - يؤكد غاريد - ليست ذات أهمية للفلسطينيين مثلما هي الحال بالنسبة إلى الإسرائيليين، فعاصمة الفلسطينيين كانت عَمان!! (لمن لا يصدق الندوة موجودة على يوتيوب!!)

- وماذا فعلت يا غاريد؟

- لا شيء، تركت العرض على الطاولة وانطلقت لعمل اتفاقيات السلام الإبراهيمية مع أطراف عربية أخرى، لأنني كنت مدركا أنه فور انطلاق قطار الاتفاقيات فسيحرص الفلسطينيون على ألا يفوتهم.

صراع وجود

ولكن القطار تحرّك ولم يركبه الفلسطينيون لأن الصراع لم يكن يوما صراعا ماليا ولا عقاريا، بل صراعا وجوديا بين شعب مُرقع تم تجميعه من الشتات لإزاحة شعب أصيل من على أرضه التي عاش عليها آلاف السنين والحلول محله، ورمز هذا الشعب هو القدس ورمز القدس هو الأقصى أحد أهم الأماكن المقدسة عند المسلمين، والتنازل عنهما يعني التنازل عن حق ذاك الشعب في الوجود، ولا يوجد أي مسؤول فلسطيني مهما كان مرنا يجرؤ على فعل ذلك.

جهل أم تجاهل؟

هل كان غاريد يجهل أن فشل مفاوضات عام 2000 بين ياسر عرفات وإيهود باراك برعاية الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون في كامب ديفيد كانت بسبب تمسّك عرفات بالقدس رغم الضغوط الهائلة التي مورست عليه آنذاك، هل أخبره مساعدوه أن الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي أعقبت تلك المفاوضات واستمرت منذ 28 سبتمبر عام 2000 وحتى 8 فبراير من عام 2005 سميت بانتفاضة الأقصى بسبب تصدي الفلسطينيين لمحاولة أرييل شارون تدنيس المسجد الأقصى. ولعله لو بحث في «غوغل» لعلم أن إنشاء منظمة تضم شعوبا يقارب عددها نحو ملياري مسلم - منظمة التعاون الاسلامي - جاء ردا على قيام ارهابي يهودي بحرق المسجد الأقصى عام 1969.

زلزال السابع من أكتوبر

يتفق غالبية المحللين اليوم أن ما قام به غاريد من تجاهل لمركزية مسألة القدس بالنسبة إلى الفلسطينيين ومن خلفهم العرب والمسلمون ومحاولة الالتفاف على الفلسطينيين باتفاقيات السلام الإبراهيمية أسسا على نحو كبير لزلزال السابع من أكتوبر، وما نجم عنه من تدهور الأوضاع بشكل غير مسبوق في منطقة الشرق الأوسط، وهذه النقطة طرحها مدير الندوة على غاريد الذي رفضها جملة وتفصيلا، منحيا باللائمة على إدارة بايدن التي لم تستثمر كما يدعي في الزخم الناجم من نجاحاته في التوسط لعقد اتفاقيات سلام بين 4 دول عربية وإسرائيل للدفع باتجاه تحقيق المزيد من الاتفاقيات المماثلة وخاصة مع المملكة العربية السعودية.

وزير الخارجية المقبل!

يقول الطفل المدلل والمرشح لتولي وزارة الخارجية في حال نجاح صهره في الانتخابات الرئاسية المقبلة «لقد توقع الناس أن تنقلب الدنيا رأسا على عقب بعد نقل السفارة الأميركية إلى القدس، ولكن ذلك لم يحدث»، وهذا صحيح لم يُحدث في لحظتها شيئا جللا، ولكن ذلك لا يعني أنه لم يكن ليحدث في المستقبل، والدليل هو أن زلزال السابع من أكتوبر حمل عنوان «طوفان الأقصى»!

back to top