عمر الحريري... نجم لا ينطفئ بريقه

صديق العندليب يُغضِب الجمهور في «الوسادة الخالية»!

نشر في 19-03-2024
آخر تحديث 18-03-2024 | 15:17
انطلقت شهرة الفنان عمر الحريري بعد تخرجه في المعهد العالي للتمثيل، ولفت الأنظار إلى موهبته المتفردة، وأسهم مع أبناء جيله في إثراء الحركة الفنية، وطرق أبواب البطولة المطلقة مرة واحدة فقط، وعلى الرغم من النجاح الجماهيري لفيلم «أغلى من عينيه» كان للمخرجين والمنتجين رأي آخر، وتوالت رحلة النجم المصري الذي لا ينطفئ بريقه...

شارك عمر الحريري في مجموعة كبيرة من الأفلام خلال فترة الخمسينيات من القرن الماضي، وغلب عليها الطابع الميلودرامي والكوميدي، وبلغ ذروة الانتشار في عام 1952، وقدّم أربعة أفلام دفعة واحدة، منها فيلم «ناهد» للمخرج محمد كريم، وبطولة يوسف وهبي وعلوية جميل وسميحة أيوب وسناء جميل ومحمود المليجي.

والتقى لأول مرة مع المطرب فريد الأطرش في الفيلم الغنائي «ماتقولش لحد»، تأليف أبوالسعود الأبياري وإخراج هنري بركات، وشارك في بطولته سامية جمال ونور الهدى وعبدالسلام النابلسي واستيفان روستي.

«ماتقولش لحد» أول أفلامه الغنائية مع فريد الأطرش

اقرأ أيضا

وجسّد الحريري شخصية الشاب الثري «إحسان» أمام الفنانة ماجدة في فيلم «أنا وحدي»، إخراج هنري بركات، وبطولة المطربة سعاد محمد وميمي شكيب وعبدالرحيم الزرقاني. وتدور القصة حول «نوال وعفاف» وهما عاملتان في محل لخياطة ملابس السيدات، تضطران إلى الظهور بهيئة بنات أسر راقية، قبل أن تنكشف حقيقتهما.

بائعة الخبز

وخلال عام 1953، ظهر الحريري على الشاشة في ثمانية أفلام، منها «بائعة الخبز»، المقتبس عن رواية للكاتب الفرنسي كزافييه دي مونتان، سيناريو وحوار السيد بدير وإخراج حسن الإمام، وبطولة أمينة رزق وشادية وماجدة وشكري سرحان وزكي رستم وسليمان نجيب وثريا حلمي.

وتدور قصة الفيلم في إطار ميلودرامي حول الأرملة «خديجة» التي تعيش مع ولديها نعمت وسامي (شادية والحريري) عند إحدى قريباتها، ويُقبض عليها بتهمة إحراق المصنع الذي كان يعمل به زوجها، وهذه الجريمة من تدبير الريس عبدالحكيم بعد رفض خديجة الزواج منه، وتُصاب بحالة جنون، وتودع المستشفى لمدة عشر سنوات حتى تعود لها ذاكرتها، وتبدأ في رحلة البحث عن ولديها.

«الطبيب ممدوح» يلتقي فاتن حمامة في «موعد مع الحياة»

وفي «موعد مع الحياة» أسند إليه المخرج عزالدين ذوالفقار، دور «الطبيب ممدوح» أمام مجموعة من النجوم، منهم فاتن حمامة، وشادية وشكري سرحان وحسين رياض، وعبدالوارث عسر وزينات صدقي ونور الدمرداش، والفيلم يدور في إطار درامي غنائي، وعُرض لأول مرة يوم 24 ديسمبر 1953، وحقق نجاحًا جماهيريًا كبيرًا.

رسالة غرام

التقى الحريري للمرة الثانية مع المطرب فريد الأطرش في «رسالة غرام» (1954)، المقتبس من الرواية الرومانسية «ماجدولين»، وسيناريو يوسف عيسى وإخراج هنري بركات، وشارك في بطولته مريم فخرالدين وكمال الشناوي وحسين رياض وعبدالسلام النابلسي.

وفي العام نفسه، ظهر اسم عمر الحريري لأول مرة على ملصق فيلم «بنت الجيران»، تأليف عبدالعزيز سلام وإخراج محمود ذوالفقار، وشارك في بطولته مع شادية وفؤاد المهندس وزهرة العلا وعبدالسلام النابلسي. وتدور القصة في إطار كوميدي حول جميل (فؤاد المهندس) صاحب شركة المقاولات الثري، وصديقه المهندس يُسري (عمر الحريري)، الذي يرغب في الزواج من جارته (شادية) وتتصاعد الأحداث.

ودخل الحريري في مغامرة كوميدية أخرى مع ماجدة وإسماعيل ياسين في «الآنسة حنفي»، تأليف جليل البنداري وإخراج فطين عبدالوهاب، وشارك في البطولة عبدالفتاح القصري وسليمان نجيب ووداد حمدي وزينات صدقي، وعُرِض الفيلم لأول مرة في 3 يوليو 1954، وحقق نجاحاً جماهيرياً وأشاد به النقّاد.

ويُعد «كيلو 99» من الأفلام النادرة للفنان عمر الحريري، وشارك في بطولته مع ماري منيب وإسماعيل ياسين والمطرب عبدالغني السيد وعمر الجيزاوي، وتأليف عبدالعزيز جاد وإخراج إبراهيم حلمي. وتدور أحداثه حول رجل يعمل بين وظيفتين، سائق شاحنة في النهار، ومطرب في الملاهي الليلية مساءً، وفي أحد أيام عمله كان يقود الشاحنة، واعتقلته قوات الاحتلال البريطاني في أثناء وجوده عند الكيلو 99، ويشهد على هذه الواقعة عامل بأحد المقاهي، ويقرّر أن يساعد المطرب على الهرب.

النجم الصاعد يظهر اسمه لأول مرة على ملصق فيلم «بنت الجيران»

وعرف عمر الحريري طريقه إلى أدوار البطولة في «مَنْ رضي بقليله»، إخراج بهاء الدين شرف، ولعب الحريري دور الزوج الشاب «سعيد» أمام نزهة يونس ومحمود شكوكو وهدى شمس الدين وشريفة ماهر ووداد حمدي. ودارت الأحداث في إطار كوميدي حول الخلافات الزوجية. وعرض الفيلم لأول مرة في 24 أكتوبر 1955، وحقق نجاحًا كبيرًا.

ليلة رهيبة

حاول الفنان عمر الحريري أن يخرج عن الأدوار النمطية، وكان الخيار صعبًا بين القبول والرفض، واعترف لاحقًا بأن الكثير من أعماله، كان دون المستوى، لكنّ السينما السائدة في ذلك الوقت، فرضت شروطها على صُنّاع الأفلام، سواء المنتجين أو المخرجين والنجوم، وفي ظل منافسة شرسة بين جيل الكبار والشباب.

وأدرك الممثل الطموح أن المعيار الحقيقي ليس في أدوار البطولة فقط، بل في الأداء الفارق، والقدرة الفائقة على التقمُّص، ولذا حلّق منفردًا عن التكلُف والمبالغة، ونال ثناء الجمهور والنقاد على أسلوبه التلقائي في تجسيد شخصيات متنوعة، واستطاع أن يخطف الأنظار في دور الطيب والشرير والشاب المستهتر والشيخ والريفي والموظف والعامل، وغيرها.

وكان الممثل المتميز على موعد مع شكري سرحان ومحمود المليجي وشريفة فاضل في «ليلة رهيبة»، وجسد شخصية «حسين» صديق البطل. والفيلم من تأليف محمد كامل حسن المحامي وإخراج السيد بدير، وشارك في البطولة علوية جميل، ومنيرة سنبل، وعبدالوارث عسر، وسعد أردش، وزوزو حمدي الحكيم، وشفيق نور الدين.

«الآنسة حنفي» مغامرة كوميدية ناجحة مع ماجدة وإسماعيل ياسين

وعُرِض الفيلم لأول مرة في 26 ديسمبر 1957، وتدور أحداثه في إطار ميلودرامي حول الطبيب الناجح «مجدي» وخطيبته «سعاد»، ويساور مجدي قلق كبير بخصوص نسبه تجاه أمه التي يعيش معها في نفس المنزل، وتتوالى الأحداث، وتسفر عن نهاية غير متوقعة.

وفي العام ذاته، شارك في الفيلم الكوميدي «إسماعيل ياسين في جنينة الحيوان»، سيناريو أبوالسعود الأبياري وإخراج سيف الدين شوكت، ولعب الحريري دور الشاب المستهتر «عادل» أمام مجموعة كبيرة من النجوم، منهم إسماعيل ياسين، ونزهة يونس، وآمال فريد، وزينات صدقي، ونيللي مظلوم، وحسن فايق، وعبدالفتاح القصري، وفاخر فاخر.

هذا هو الحب

عاد الحريري إلى أفلام الرومانسية، ولعب دور الطبيب «فؤاد» في «الوسادة الخالية»، قصة إحسان عبدالقدوس، وإخراج صلاح أبوسيف، وبطولة عبدالحليم حافظ، ولبنى عبدالعزيز، وعبدالمنعم إبراهيم، وزهرة العلا، وأحمد رمزي، وسراج منير، وعزيزة حلمي.

وتدور قصة الفيلم حول طالب في كلية التجارة يُدعى «صلاح»، تتحطم أحلامه في الزواج من «سميحة» حبه الأول، عندما تَقبل بعريس غني وناجح «الدكتور فؤاد»، ويحاول صلاح أن يتجاوز محنته، وأن يجعل سميحة تندم على ما فعلته به، وينجح في دراسته وعمله ويتزوج وهو لا يزال مريضاً بالحب الأول، فهل سيتخلص منه ويصبح سعيداً حقاً في حياته؟!

حقق الفيلم نجاحاً كبيراً، ويعد من كلاسيكيات السينما المصرية، وجمعت الصداقة بين أبطاله حتى آخر العمر. ومن المواقف الطريفة بعد عرض «الوسادة الخالية» أن المعجبات بالمطرب عبدالحليم حاقظ كن يمازحن بطلته لبنى عبدالعزيز، ويسألنها كيف ترفض الزواج من العندليب، وتتزوج من عمر الحريري.

وتكرّر لقاء الحريري مع المخرج صلاح أبوسيف والنجمة لبنى عبدالعزيز في فيلم «هذا هو الحب» عام 1958، وشارك في البطولة يحيى شاهين، وحسين رياض، وماري منيب، وعبدالمنعم إبراهيم، ومحمود عزمي، وفردوس محمد.

وتدور قصة ذلك الفيلم في إطار رومانسي حول مهندس يُدعى حسين (يحيى شاهين) يتمتع بعقلية محافظة، ويبحث عن زوجة مناسبة، وبالفعل يتزوج من شريفة (لبنى عبدالعزيز)، ولكن بعد أيام من شهر العسل في مدينة الفيوم (جنوب القاهرة)، يكتشف أن زوجته كانت تعيش في الماضي قصة حب لم تكتمل، وتعاني بعد الطلاق من ظلم زوجها السابق.

سر العلاقة الأسرية مع زكي رستم

كان الفنان عمر الحريري مُقلًا في الحديث عن حياته الشخصية، وبرحيله في عام 2011، انطوت صفحات كثيرة من سيرته الذاتية، وبعد نحو ستة أعوام، كشفت ابنته «ميريت» الكثير من جوانب شخصية والدها في البرنامح الإذاعي «ذكرياتي» تقديم النجم سمير صبري، وأفصحت لأول مرة عن أسرار من كواليس عمر الحريري الأسرية والفنية.

وسأل صبري عن زواج الفنان الذي تقدّم لسليلة الباشوات، فأجابت ميريت: «خال والدتي هو الفنان زكي رستم، وعند تقدُّم والدي لطلب يد والدتي اعترض رستم على هذه الزيجة، رغم عمله بالفن، وتدخلت جدتي لإتمام الزواج». وروت ميريت عن والدها، أنه كان إنسانًا بسيطًا، ويشبه شخصيته في أعماله وسهل العِشرة، وقالت: «والدي من عشاق أم كلثوم وكنا نسجّل حفلاتها، ونجتمع للاستماع إليها، وكبرت في حياة أم كلثوم، وعند سفرنا من ليبيا إلى مصر، كنا نستمع طوال الطريق إلى أغانيها».

وعن كواليس الفن ذكرت ميريت: «أنا كنتُ سأقوم بأداء دور (البيبي) في أغنية (ماما زمانها جاية) للمطرب محمد فوزي، ولكن والدتي رفضت خوفاً من تعرضي للإضاءة الشديدة ولصغر سني».

حكاية نجم التمثيل مع غيتار عمر خورشيد

كان الفنان عمر الحريري يهتم بشتى أنواع الفنون، ويشجِّع الأطفال مِمَنْ لديهم موهبة التمثيل أو العزف أو الغناء سواء بالنصيحة أو بالمال، وله موقف إنسانية عديدة في هذا السياق، منها عندما حضر أحد أصدقائه ومعه ثلاثة أولاد لا يتجاوز عمر الواحد منهم خمسة عشر عاماً، وطلبوا منه أن يشتري لكل منهم غيتاراً لكي يكوِّنوا فرقة موسيقية صغيرة، وبالفعل وافق الحريري وذهب معهم واشتراها لهم، وبلغ ثمن كل غيتار ثمانية جنيهات.


عمر خورشيد عمر خورشيد

وبعد سنوات، فوجئ الحريري بظهور أحد الأولاد الثلاثة، وهو الفنان الشاب عمر خورشيد، واشتهر كعازف غيتار مع كبار المطربين والمطربات، منهم كوكب الشرق أم كلثوم، والعندليب الأسمر عبدالحليم حافظ، ووردة الجزائرية، ونجاة الصغيرة، وفايزة أحمد، وألّف الموسيقى التصويرية لكثير من الأفلام، وعاش خورشيد طيلة حياته من أجل الغيتار والموسيقى التي تجري في دمه، وفرح الحريري له كثيراً.

ولم ينسَ الفنان الشاب هذا الجميل، وروى ذلك خلال أغلب حواراته، قائلًا: «كنت قد كوّنت أنا واثنين من زملائي فرقة موسيقية، ونزلنا معًا إلى السوق ليشتري كل واحد منا غيتارًا... وكنت قد ادخرت ثمن الغيتار الذي سأشتريه من مصروفي الشخصي، وأذكر أنني وزملائي، أخذنا نتردّد على محل لبيع الآلات الموسيقية لنشتري الغيتارات الثلاثة، وكنا نجادل البائع ليخفِّض لنا السعر، إلا أن البائع عندما لمس شدّة رغبتنا في الحصول على الغيتارات أخذ يرفع الثمن أكثر وأكثر، إلى أن أوصله إلى 12 جنيهاً للغيتار الواحد، وأذكر أنني لجأت يومها إلى الفنان عمر الحريري، وكان قريباً لأحد أصدقائي، فتوّسط لي عند البائع، وأقنعه بأن يبيعني الغيتار بثمن مخفّض، وهو ما حدث بالفعل، وامتلكت أول غيتار في حياتي».

فؤاد المهندس يغادر عزاء يوسف وهبي بسبب الحريري

ارتبط الفنان عمر الحريري بصداقة وطيدة بزميله الفنان فؤاد المهندس، وقدما معاً العديد من الأفلام السينمائية الناجحة، منها «بنت الجيران» (1954)، و»نهر الحب» (1960)، وشهدت كواليس أعمالهما العديد من المواقف الطريفة.


الفنان فؤاد المهندس الفنان فؤاد المهندس

وكان المهندس دائم الضحك على مواقف الحريري الكوميدية، حتى وصلت إلى خروجه من عزاء عميد المسرح العربي يوسف وهبي، بسبب رؤيته للحريري، حتى لا يتعرض لموقف محرج.

وبعد سنوات طويلة، كشف الحريري تفاصيل ذلك الموقف في أثناء استضافته في أحد البرامج التلفزيونية: «كنت أحب تقليد الفنانين جداً، لكنها لم تكن هواية، وكنت أحب أقلّد الراحل يوسف وهبي كثيراً، وفي إحدى المرات طلب مني تقليده في برنامج تلفزيوني، وفعلت ذلك، وبعدما شاهدني فؤاد المهندس ظل يضحك كثيراً».

وعقب وفاة الفنان الكبير ذهب الحريري مع زملائه الفنانين لتأدية واجب العزاء، وبمجرد دخوله شاهده فؤاد المهندس، فقاوم الضحك، وترك العزاء ووقف خارج السرادق، ولحقه الحريري، واستفسر منه عمّا حدث، فقال له إنه لم يستطع أن يتمالك نفسه من الضحك، لأنه شاهده منذ أيام يقلده، وبمجرد دخوله سرادق العزاء تذكر الموقف.

وروي الحريري، مواقف أخرى جمعت بينه وبين فؤاد المهندس في فيلم «نهر الحب»، جعلت المخرج عزالدين ذوالفقار، يعيد تصوير أحد المشاهد الختامية عِدة مرات، لأنه كان يضحك بمجرد رؤية فؤاد المهندس أمامه.

وكان من المفترض أن الفيلم مغرق في التراجيديا، واقتضى المشهد أن المهندس جاء إلى باب منزله ليخبره بوفاة الضابط خالد، وهو دور عمر الشريف، وبمجرد أن فتح الباب ووجده أمامه انفجر في الضحك، وأُعيد تصوير المشهد أكثر من خمس مرات، على الرغم من أنه لم يتكلّم، وحينما قرّر المخرج عزالدين ذوالفقار التعامل بحزم مع الموقف نظر الحريري لجهة أخرى بعيدًا عن الباب حتى يتمالك نفسه وتم تصوير المشهد بنجاح.

back to top