مركز البحوث يوثق لتاريخ الدعم الكويتي للثورة الجزائرية الشيخ عبدالله السالم لوفد جزائري: سيزداد مقدار إعانتنا بمقدار زيادة مداخيلنا

«لا تهنوا ولا تحزنوا»
• دور وطني وقومي لتجار الكويت في دعم الثورة

نشر في 21-02-2024
آخر تحديث 21-02-2024 | 19:35
الشيخ عبدالله السالم مستقبلاً المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد عند زيارتها للكويت عام ١٩٦٣م
الشيخ عبدالله السالم مستقبلاً المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد عند زيارتها للكويت عام ١٩٦٣م
أحدث إصدارات مركز البحوث والدراسات الكويتية، دراسة أعدها الدكتور بشير فايد أستاذ التاريخ والآثار في جامعة سطيف في الجزائر، ترصد كل أشكال الدعم الكويتي لثورة 1954، علما بأن هذا الدعم يعود إلى ما قبل هذه السنة خصوصاً في المجال التعليمي. علاقة الجزائربين بالكويت سابقة لزمن اندلاع الثورة التحريرية، حيث كانت محط زيارات شخصيات عدة، منها الشيخ فضيل الورتيلاني، العضو البارز في جمعية العلماء الجزائربين، حيث زارها سنة 1950.

كانت الكويت منذ مطلع الخمسينيات من أوائل البلدان العربية التي استقبلت الطلبة الجزائريين الذين أرسلتهم جمعية العلماء المسلمين، وكانوا تحت الشيخ محمد البشير الإبراهيمي الذي استقر في الكويت منذ عام 1952.

وبعد اندلاع الثورة التحريرية عام 1954 أصبح إرسال الطلبة يتم باسم «الثورة»، وفي حينه تشكلت بعثة من 14 تلميذاً انتسبوا واستقروا في ثانوية الشويخ، ومعظمهم في المرحلة الثانوية.

عمل الطلبة الجزائريون على تنظيم أنفسهم لدعم الثورة في بلادهم، وأطلقوا عليها اسم «رابطة الطلبة الجزائريين بالكويت عام 1955».

انضمت رابطة الطلبة الجزائريين بالكويت إلى الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائربين عام 1960.

51 طالباً جزائرياً احتضنتهم ثانوية الشويخ... والحكومة قدمت لهم اللباس والمصروف والتعليم

بلغ عدد الطلبة الجزائريين الدارسين في ثانوية الشويخ 40 طالباً ما بين عامي 1959 و1960، تتولى دائرة المعارف بالكويت كل ما يتصل بتكاليف تعليمهم ولباسهم ومصاريفهم، حيث كانت تمنح كل طالب شهرياً منحة تقدر بـ 6000 آلاف فرنك، ومبلغاً من المال يعادل 8000 فرنك أو تذكرة طائرة لقضاء العطلة الصيفية في الخارج، وارتفع المبلغ فيما بعد إلى 100 ألف فرنك.

تزایدت أعداد الطلبة الجزائريين ما بين عامي 1961 و1962 إلى 51 طالباً.

رئيس الحكومة المؤقتة فرحات عباس زار الكويت، والتقى الطلبة الجزائربين في ثانوية الشويخ.

الدعم السياسي والمالي

سارعت الحكومة الكويتية إلى فرض ضريبة مالية على موظفي القطاع العام طوال سبع سنوات من عمر الثورة في الجزائر، وإصدار طوابع بريدية خاصة توجه عائداتها لمصلحة الثورة الجزائرية، كما خصصت إذاعة الكويت برنامج «صوت الجزائر» مدته 3 ساعات، وكان موجهاً إلى المستمعين في منطقة الخليج العربي.

وقام وفد من جبهة التحرير الجزائرية بزيارة الكويت عام 1957 بهدف حثها على جمع مبلغ مالي يقدر بـ 10 مليارات فرنك سنوياً، والتقى الوفد بالأمير الشيخ عبدالله السالم الصباح. وينقل أحمد توفيق المدني عنه: «نحن نشارككم في كفاحكم، فلا تهنوا ولا تحزنوا، سيزداد مقدار إعانتنا بمقدار ما تزداد مداخيلنا، وإنكم لواجدون عندنا بحول الله ما تحبون».

بعد هذا اللقاء، التقى الوفد الجزائري الزائر بشخصيات كويتية منها د. أحمد الخطيب، وعبدالعزيز يوسف الفليج، إضافة إلى المؤسسين الأوائل للجنة الشعبية لجمع التبرعات الذين تولوا الدعوة لجمعها.



وفي عام 1958 زار الكويت وفد آخر برئاسة الشيخ حامد روابخية تمكن من الحصول على مساعدة حكومية قدرت بـ 938 ألف دولار، وفي وصفه لزيارة أخرى، قام بها وفد جزائري للكويت، في 26 أبريل 1959م، ذكر أحمد توفيق المدني أنهم وجدوا في استقبالهم أمام سلم الطائرة «الأمير العربي الشهم عبدالله سالم الصباح» وجمعا من الوزراء والشخصيات والعامة، واستضيفوا في دار الضيافة الفخمة، وقد توافد عليهم الناس بأعداد كبيرة، فضلاً عن وفد من النساء الفلسطينيات، ووفد عن لجنة أسبوع الجزائر برئاسة عبدالعزيز يوسف الفليج، والتقوا أيضاً بوزير المعارف، وقدموا له مطالبهم المتعلقة بالطلبة الجزائريين في الكويت.

الكويت فرضت ضريبة مالية مدة سبع سنوات على موظفي القطاع العام لمصلحة الجزائر

وفي سنة 1962م وافق المجلس التأسيسي الكويتي، على اقتراح تقدم به الدكتور أحمد الخطيب يوصي بالاستمرار في دعم الثورة التحريرية الجزائرية، وإعطاء الجزائر الأولوية في مشاريع التنمية الكويتية الموجهة للأمة العربية.

وعند إعلان استقلال الجزائر، كانت الكويت من الدول العربية السباقة، التي احتفت بالحدث، باستقبال المناضلة البطلة جميلة بوحيرد، حيث التقت هذه الأخيرة وتواصلت مع الجماهير الشعبية الكويتية والعربية التي سمعت الكثير عن كفاحها وبطولتها، في وجه الطغيان الفرنسي دون أن تراها.

وأجمع كل القادة الجزائريين على هذه الحقيقة، ومنهم السيد بن يوسف بن خدة رئيس الحكومة المؤقتة الثالثة للجمهورية الجزائرية أثناء استقباله للبعثة الطبية الكويتية عام 1962م، حيث قال: «صحيح أن كفاح الشعب الجزائري في الداخل قد حطم الاستعمار، ولكن هناك جهود الشعوب العربية... الكويت وقادتها الأشاوس بما قدموا من تبرعات ومساعدات أثرت كلها في سير المعركة».

أحمد المدني عن حاكم الكويت: أمير عربي شهم

لقد فتحت الكويت ذراعيها للمبعوثين الجزائريين المترددين عليها للقيام بنشاطات ثقافية تصب في مصلحة القضية الوطنية الجزائرية.

ولم يتخلف أغلب الشعراء الكويتيين عن الركب، فكتبوا عن الجزائر وحيوا نضالها، في قصائدهم، نذكر منهم: أحمد السقاف، وعبدالله سنان، وفاضل خلف، وغيرهم، تغنوا بالأوراس التي شهدت انطلاق أول رصاصة للثورة التحررية الجزائرية ليلة أول نوفمبر 1954م، وبجميلة بوحيرد، وبجيش التحرير الوطني.

فبفضلهم وفضل الشعراء العرب المعاصرين، تحولت جميلة بوحيرد إلى شخصية أسطورية تمثلوها رمزاً بطولياً خالداً، لمعايشتهم مأساتها ومعاصرتهم وقائع معاناتها، فكانت لهم صورة بطولية صادقة يحتذونها لتحقيق طموحاتهم الشعبية التحررية.

ولا شك أن الأدباء والكتاب الكويتيين قد قاموا بدور أساسي، في التطرق خلال مؤتمر الأدباء العرب، في دورته الرابعة، المنعقد في الكويت من 20 إلى 27 ديسمبر 1958م إلى القضية الجزائرية، وقيامه بإصدار بيان بخصوصها موجه إلى الكتاب والمفكرين.

الدور الوطني والقومي لتجار الكويت

ولأن أهل الكويت جُبلوا على الإحسان وفعل الخير ومساعدة المتحاجين منذ زمن بعيد فقد تأسست في السنة الأولى لاندلاع الثورة الجزائرية اللجنة الشعبية الكويتية لجمع التبرعات، بمبادرة من بعض الوجوه المحبة للخير والإحسان، من التجار ورجال الأعمال، عبدالعزيز حمد الصقر الرئيس التنفيذي، ويوسف عبدالعزيز الفليج أمين الصندوق، ومحمد عبدالمحسن الخرافي، ومرزوق عبدالوهاب المرزوق، وجاسم عبدالعزيز القطامي، وعبدالعزيز محمد الشايع، وبالرئاسة الفخرية للأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، رئيس دائرة الشؤون الاجتماعية آنذاك، المعروف باهتمامه بالعمل الخيري، بغرض تقديم المساعدة والغوث للمحتاجين، في مختلف بقاع العالم بصفة عامة، وفي العالم العربي والإسلامي بصفة خاصة، وخصوصا في فلسطين والجزائر، وقد كان لأمين الصندوق في اللجنة السيد يوسف الفليج، الدور الكبير في نجاح عمليات جمع التبرعات لفائدة الثورة الجزائرية.

مجلة العربي لعبت دوراً إعلامياً مؤثراً... وقصيدة السقاف تداولها القراء العرب

ولا تفوتنا الإشارة إلى الدور الكبير، الذي قام به تجار الكويت في حملة جمع التبرعات العينية، حيث جُمعت كميات كبيرة من الأغطية، لتخفيف وطأة البرد على الثوار واللاجئين، قامت بتسليمها بعثة شعبية كويتية سافرت إلى القاهرة لرئيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية فرحات عباس.

والحق أن الشعور القومي، لدى الشعب الكويتي فطري، برز في الكثير من المناسبات والقضايا، ومنها نكبة فلسطين عام 1948م، والثورة الجزائرية (1954م - 1962م)، والمواجهات العربية الإسرائيلية، وغيرها.

وعند إعلان استقلال الجزائر في 5 يوليو 1962م، خرج الكويتيون في مظاهرات شعبية احتفاء بالحدث، وتعبيرا عن بهجتهم وفرحتهم بهذا اليوم المجيد، الذي ساهموا فيه في حدود الاستطاعة والظروف، انسجاما مع الموقف الرسمي المدعم للثورة الجزائرية طوال أطوارها.

قصيدة السقاف ومجلة العربي

عند إعلان الاستقلال، فتحت مجلة «العربي»، التي لعبت دوراً مؤثراً، الباب لقرائها، لكي يكتبوا ويعبروا عما جاشت به قرائحهم بهذه المناسبة العظيمة، ومن أبرز ما نشرته في هذا الصدد، قصيدة للشاعر أحمد السقاف، والتي تداولها القراء العرب، جاءت في 22 بيتاً، عبّر فيها عن الفرحة العارمة التي أبداها الكويتيون بحصول الجزائريين على دولتهم المستقلة، وبنضالهم المستميت والباسل، فقال في بعض أبياتها:

طلع الفجر على رغم عدانا

وانجلى الليل وولى عن حمانا

ومسحنا دمعة قد طفرت

من مآق يبست منها زمانا

وهتفنا للبطولات التي

لم تجد في غير مثوانا مكانا

سائلوا «أوراس» عنها حينما

سدت الأفق لهيبا ودخانا

وتبارى للردى أبطالها

يدفعون العار عنا والهوانا

back to top