«أسواق المال»: إلزام الشركات بمعايير الاستدامة سيكون تدريجياً والبداية بالسوق الأول

الفيلكاوي: 75% من المستثمرين العالميين يركزون عليها قبل القرار الاستثماري
• النجدي: المعايير تتسم بالعدالة والتنافسية والشفافية عن طريق تطبيق سياسة الإفصاح الكامل

نشر في 29-01-2024
آخر تحديث 28-01-2024 | 18:52
جانب من المشاركين في ورشة هيئة أسواق المال الاستراتيجية عن ملف الاستدامة
جانب من المشاركين في ورشة هيئة أسواق المال الاستراتيجية عن ملف الاستدامة

مواكبة للتطورات العالمية، رسمت هيئة أسواق المال مبكرا مسارا إرشاديا وتوجيهيا وتعريفيا للشركات المدرجة، لحثّها على المواكبة للنهج العالمي في ملف الاستدامة الذي يفرض نفسه كاستحقاق وتحدّ.

ووفقا لتصريحات مسؤولة خاصة لـ «الجريدة»، فإن أسبقية الهيئة في ملف الاستدامة تعود إلى سنوات سابقة توّجت بقرار الهيئة رقم 136 لسنة 2022 بشأن مقتضيات التمويل المستدام الصادر بتاريخ 25 أغسطس 2022، والذي أوجب على الشركات المدرجة التي تصدر تقارير استدامة أن تلتزم بمتطلبات إعداد التقارير في حدودها الدنيا، إضافة إلى متطلبات تتعلق بالحوكمة، وأخرى مرتبطة بأنظمة الاستثمار الجماعي.

ووفقا لتقديرات ورؤية الهيئة الاستشرافية المستقبلية، فإن تعزيز دور الاستدامة في واقعنا عموماً، ولدى الشركات المدرجة على وجه التحديد، أصبح مطلباً لا خياراً.

وانطلاقا من الأهمية المحورية للتطورات العالمية في مجال الاستدامة، وظهور معايير جديدة لإعداد التقارير، رأت الهيئة ضرورة تفعيل دورها التوعوي بهذا الشأن من خلال توضيح متطلبات إعداد تقارير الاستدامة المطلوبة من قبلها، وكذلك دعوة المختصين في مجال الاستدامة لشرح الجوانب المتعلقة بهذا الموضوع، بما في ذلك نقل التجربة من وجهة نظر الشركات المدرجة التي تُصدر تقارير الاستدامة من خلال دعوة ذوي الخبرة العاملين لديها في هذا المجال.

عرض تقديمي

بداية، قدّم المحلل الرئيسي لدى إدارة تنظيم الأسواق في هيئة أسواق المال، حمد النجدي، عرضا شاملا في ورشة موسعة لمسؤولي الشركات المدرجة بين فيه بوضوح مفهوم الاستدامة من منظور الهيئة التي تولي اهتماماً بالغاً بتنظيم مقتضيات التمويل المستدام، لاسيما مع ازدياد حركة رؤوس الأموال المستثمرة في الأصول والمشاريع التي تتبنى مفاهيم الاستدامة.

وأشار النجدي إلى أن تقريراً صادراً عن وكالة الطاقة العالمية أكد ضرورة استثمار ما لا يقل عن 4 تريليونات دولار، بدءاً من 2030، للوصول الى الحياد الكربوني بحلول عام 2050، أي بمجموع 80 تريليون دولار، إضافة الى ارتفاع مستويات الاستثمار في الطاقة النظيفة بالاقتصادات المتقدمة، الأمر الذي يجعل من إنشاء بيئة تنظيمية سليمة مواتية للاستدامة ضرورةً قصوى، إضافة الى ضرورة مماثلة لتبنّي رأس المال للاستثمار في مقتضيات الاستدامة، لافتاً إلى توجّه الهيئات الرقابية لتبني تطوير بنية تشريعية وتنظيمية تخدم هذه المفاهيم، وعلى رأسها المنظمة الدولية لهيئات الأوراق المالية (IOSCO).



وأكد النجدي أن إعداد ونشر تقارير الاستدامة بعناصرها البيئية والمجتمعية والحوكمة المؤسسية - وهو مطلب لشريحة كبيرة من أصحاب رؤوس الأموال - من شأنه أن يسهم في تحقيق الهيئة لأهدافها المتعلقة بتنظيم نشاط الأوراق المالية بما يتسم بالعدالة والتنافسية والشفافية عن طريق تطبيق سياسة الإفصاح الكامل، بما يحقق العدالة والشفافية وحماية المتعاملين، وتقليل المخاطر النمطية المتوقّع حدوثها.

وعلى صعيد هيئة أسواق المال، كشف النجدي عن سعي الهيئة لتنظيم مقتضيات التمويل المستدام عن طريق إيجاد الأطر التنظيمية للسندات الخضراء والاجتماعية وسندات الاستدامة، والتي تُعنى باستخدام عوائدها في مشاريع تتبنى الاستدامة في عملياتها، كما أوجدت تنظيما لصناديق الاستدامة التي تكون متوافقة مع أحد أهداف الاستدامة المتعارف عليها دولياً، وتتبنى منطلقات الاستدامة في استراتيجياتها في استخدام أموالها، وتصدر تقارير توضح ذلك الأمر، سواءً كان متعلقاً بالسندات أو الصكوك أو الصناديق الاستثمارية.

وبيّن أن من الخطوات السباقة التي اتخذتها الهيئة في هذا الملف، تطوير منظومة حوكمة الشركات، حيث يتبنى مجلس إدارة الشركة مفاهيم ومقتضيات الاستدامة عند إعداد استراتيجية الشركة وعند قياس المخاطر التي يمكن أن تواجهها تلك الشركة.

مقومات نجاح خارطة الاستدامة

من جهته، أوضح كريم أبوعيد، من مجموعة RSM، أن الاستدامة تقوم على ثلاث ركائز، أولاها الاستدامة البيئية، التي تتضمن إدارة حوكمة التغير المناخي، المبادرات البيئية وانبعاثات الغازات الدفيئة، إدارة النفايات والتنوع البيولوجي وغيرها، والركيزة الثانية الاستدامة المجتمعية وما تشمله من تمكين للطاقات المحلية والاستثمار في الأنشطة المجتمعية، إدارة سوق العمل، الصحة والسلامة المهنية، التعويضات والمزايا للموظفين، والمساواة في العمل.

وأضاف أبو عيد أن استدامة الحوكمة المؤسسية لا تقل أهمية، فالركيزة الثالثة تتضمن وضع استراتيجيات تضمن الاستدامة البيئية والمجتمعية والحوكمة المؤسسية ومكافحة الفساد وغسل الأموال والرشاوى، إصدار السندات الخضراء والاجتماعية، ميثاق العمل الأخلاقي، استقطاب أصحاب الخبرات لشغل عضوية مجالس الإدارات، الاستثمار في التدريب المهني، إدارة المخاطر وأمن المعلومات.

وخلص إلى أن خارطة طريق نحو الاستدامة تتطلب أمورا عدة لضمان نجاحها، أهمها إشراك أصحاب المصالح، تقييم الأداء الحالي في الاستدامة، تحليل وعمل دراسة مقارنة بين النظراء في السوق، تطوير منظومة لاستراتيجية الاستدامة، ووضع بصمة من خلال تقارير الاستدامة، وتأتي أهمية تقارير الاستدامة كونها تعرض تحليلا مزدوجاً للمواضيع الجوهرية (double materiality)، كما يتم أثناء عملية جمع المعلومات إشراك أصحاب المصالح، بالإضافة إلى تطوير الاستراتيجية ووضع مؤشرات الأداء الرئيسية.

إفصاحات مهمة

وختم أبوعيد بالإحصائيات الرئيسية المتعلقة باعتماد المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية على مستوى العالم، موضحا أن الدراسات الاستقصائية تشير إلى أن حوالي 98% من المستثمرين يقومون بتقييم الإفصاحات غير المالية، ويعتبر 83% من المستثمرين أن أطر وضع التقارير ضرورية لتحديد قيمة المؤسسة على المدى البعيد، وهو ما يؤكد أهمية تقارير الاستدامة وإفصاح المعلومات حول ركائزها الثلاث في سمعة الشركات ومكانتها لدى مجتمع المستثمرين حول العالم.

المعايير الدولية

بدوره، ذكر مدير إدارة تنظيم الأسواق في هيئة أسواق المال عبدالرحمن الفيلكاوي أن الأسواق التي ستطبق معايير مجلس المعايير الدولية تكون مهيأة بشكل أكبر لجذب رأس المال المستدام، لافتا إلى إصدار مجلس المعايير الدولية ISSB معيارين لتقارير الاستدامة ضمن التقارير المالية، هما IFRS S1 وIFRS S2، بهدف توفير لغة موحدة للمستثمرين لقراءة عوامل الاستدامة التي لها أثر جوهري على الشركات.

وأشار الفيلكاوي إلى أنه من المنتظر أن يسري تطبيق هذه المعايير على التقارير المالية لسنة 2024، والتي تصدر في بداية 2025، إلا أن مجلس المعايير الدولية ISSB ترك إلزامية ومنهجية التطبيق بيد الجهات الرقابية في الدول.

وبالنسبة لهيئة أسواق المال في الكويت، أوضح أن الهيئة لن تقوم بإلزام التطبيق في بداية 2025، وذلك على ضوء الاستطلاع الموسع الذي قامت بإجرائه لقياس جاهزية الشركات المدرجة ومراقبي الحسابات، لافتا إلى استطلاع آخر في ذات السياق سيتم إجراؤه في وقت لاحق للوقوف على مدى جاهزية السوق للعمل وفق هذه المعايير.

ولفت إلى أن إلزام الشركات بإصدار تقارير الاستدامة والعمل بمعيار مجلس المعايير الدولية ISSB تبقى أمورا متوقعة، إلا أن ذلك سيكون تدريجيا بداية بالسوق الأول، وسيكونان محكومين بقياس جاهزية السوق للتطبيق.

وتأكيدا على ضرورية تقارير الاستدامة، بين أن استبيان PWC للمستثمرين العالميين عن سنة 2023 انتهى إلى أن 75% من المستثمرين يضعون عوامل الاستدامة في الاعتبار قبل اتخاذ القرار الاستثماري، كما أشار نفس التقرير إلى أن 94% من المستثمرين لديهم اعتقاد بأن تقارير الاستدامة غير مدعمة، مما يزيد الحاجة إلى تدخل الجهات الرقابية لإرساء الشفافية في تقارير الاستدامة.

تحديات... وتوصيات!

وفي ختام حديثه، قال الفيلكاوي إن ترقية السوق ضمن المؤشرات العالمية ودخول مستثمرين عالميين يضعون الاستدامة ضمن أجندتهم الاستثمارية، أدى إلى استجابة الشركات لقاعدة مستثمريهم بتوفير تقارير ومعلومات الاستدامة قبل إصدار الإطار التنظيمي من الهيئة، حيث يمكنهم ذلك من الانضمام إلى مؤشرات الاستدامة من قبل جهات المؤشرات العالمية.

أما بالنسبة للتحديات التي تواجه الشركات على صعيد الاستدامة وتقاريرها فتتمثل وفق استطلاع رأي قامت به الهيئة مؤخرا في قلة الخبرات المختصة في مجال الاستدامة، إضافة إلى تكاليف الالتزام الرقابي وكثرة المعايير وسرعة تغيرها، وصعوبة تجميع البيانات خاصة للشركات التي لديها عمليات في أماكن جغرافية مختلفة.

وخلص الفيلكاوي إلى التوصية بضرورة قيام الشركات ببناء قدراتها في هذا المجال والتواصل مع مراقبي الحسابات تحضيراً لتطبيق المعايير الدولية للاستدامة.

من جهتها، ذكرت الرئيسة التنفيذية للاستدامة في شركات زين جينيفر سليمان أن تطوير تقرير استدامة يوفر مزايا كبيرة للمؤسسة إذ يؤكد توجهاتها الاستراتيجية، ويغير الفكر ويتيح وضوحًا أكبر وتركيزًا على تلك التوجهات، مع قياس التأثير الناتج في نفس الوقت، ويعزز أيضًا العلاقات مع الأطراف المعنية الرئيسية.

وتابعت سليمان أنه من الأهمية البالغة أن يكون لدينا نهج من الأعلى إذ يظهر ملكية مجلس الإدارة ورقابته على العمليات، ويضع معايير للمساءلة، كما أن إدارة الاستدامة وجميع مؤشرات الأداء البيئي ضرورية لأنها تسمح بإدارة فعالة وضمان استدامة العمل نفسه، علاوة على أن إعدد ونشر التقارير من شأنه أن يسمح للشركة بجمع بيانات مواد تكون حيوية عند قياس التقدم وتكون عنصرًا هامًا للمستثمرين الأجانب.

وأكدت ضرورة إتاحة تقارير الاستدامة وإفصاحات الشركة بشأنها للجمهور، إذ تتم معاينتها من المؤشرات وجمهور المستثمرين واستخدامها عند اتخاذ قرارات الاستثمار ولأغراض التقييم، لافتة إلى استخدام تقارير الاستدامة على نطاق واسع عند جمع تسهيلات التمويل من الهيئات الدولية مثل international finance corporation IFC إذ أن أمراً كهذا يساعد في عملية التقييم للتأكد من مدى تماشي تلك المؤسسات مع معايير IFC، ومن شأن تعيين طرف ثالث (خارجي) للتأكد من عناصر التقرير أن يضمن كفاءة أعلى للتقرير.

أما بالنسبة للتغير المناخي، فقد اعتبرته سليمان موضوعًا مهمًا بالنسبة للمستثمرين الأجانب، ومن المهم أن يكون التغير المناخي هدفًا استارتيجيًا لدى المؤسسات الحوكمة السليمة، بدءًا من مجلس الإدارة وصولاً إلى مختلف الوظائف، أما الالتزام بالوصول إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2050 تماشياً مع اتفاق باريس فلا ينبغي أن يكون مجرد التزام بل ينبغي أن يترجم خطوات لازمة وفقاً للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ Intergovernmental Panel on Climate Change – IPCC ومواكبة مسارها للتقليل من الانبعاثات.

قيمة مضافة

في المحصلة، يمكن القول إن تعزيز دور الاستدامة في واقعنا عموماً، ولدى الشركات المدرجة على وجه التحديد أصبح مطلباً لا خياراً، وأن قيمةً مضافة بالغة الأهمية تقدمها تقارير الاستدامة للشركات ومن الأهمية بمكان دمج عناصرها في استراتيجياتها، وأن توجهاً كهذا يتضمن كمّاً من الفرص والتحديات في ذات الوقت، ولا بدّ من مسارعة إجراءات التوافق مع المعايير الدولية المعنية بقضايا الاستدامة.

الغواص: توجُّه عالمي نحو الحياد الكربوني
في ختام الحلقة ذكرت المستشارة المؤسسة لدى «سواباك»، د. دلال الغواص، أن نتائج مؤتمر الأطراف COP28 أثبتت أن العالم يتجه نحو الحياد الكربوني من خلال عدة مبادرات على شكل تعهدات مثل:

- تعهد 200 دولة من المخزون العالمي Global Stocktake للتحول من الوقود الاحفوري إلى الطاقة المتجددة بحلول عام 2050.

- التعهد باستثمار 10 مليارات دولار في مبادرة توسيع نطاق الزراعة المستدامة وتعزيز نظم الغذاء (SAFE) بهدف توفير الأمن الغذائي في الشرق الأوسط وإفريقيا.

وتابعت الغواص أن مثل هذه المبادرات والتعهدات سيكون لها تأثير مباشر على الخليج والكويت، خصوصاً أن اقتصاداتها تعتمد على النفط، مشيرة إلى تأثير وضع ضرائب على الانبعاثات الكربونية وما يؤدي لزيادتها مثلما حصل في سنغافورة خلال هذا العام، حيث إن هذه التكاليف سيتم في نهاية المطاف تمريرها على المستهلك النهائي، مما قد يشكل تحدياً، خصوصاً وسط وجود التضخم الحالي.

كما عرضت التجربة السنغافورية، التي أفضت إلى تبني الدولة منهجاً معتدلاً للابتعاد عن استخدام الوقود الأحفوري، إذ قامت الهيئة النقدية لسنغافورة بتوجيه الجهات الاستثمارية الخاضعة لرقابتها بمحاولة التأثير على الشركات التي لديها انبعاثات كربونية عالية بمحاولة الضغط عليها بالتحول التدريجي إلى الطاقة النظيفة، بدلاً من التخلي عن استثماراتها ببيع الأسهم، بالتالي أصبح من الضروري وضع خطط ومعلومات تؤكد هذا التحول، مما يؤدي إلى زيادة الحاجة إلى الشفافية في إعداد تقارير الاستدامة.

back to top