من صيد الخاطر: «أبو الشمقمق»*

نشر في 12-01-2024
آخر تحديث 11-01-2024 | 19:42
 طلال عبدالكريم العرب

«أبو الشمقمق» شخصية هزلية وطريفة، حتى كنيته الغريبة لم تخلُ من الطرافة، فاسمه الحقيقي هو مروان بن محمد، ويُكنى أيضاً بأبي محمد، لُقِّب بأبي الشمقمق لطوله، كان عظيم الأنف قبيح المنظر، وضيع النسب والمنبت، ولد في البصرة، في العصر العباسي، من عائلة فقيرة معدمة، ويبدو أن هذا أثّر على أخلاقه وطباعه.

بدأ حياته الشعرية هجّاءً ومدّاحاً في عصر فيه كثيرٌ من الشعراء الكبار، كبشار بن برد، وأبي العتاهية، وأبي نواس، ومروان بن أبي حفصة، فكسب كثيراً من المال مقابل مدحهم، وأيضاً مقابل ألا يهجوهم، فهو شاعر مرتزق.

الطريف أنه كان يأخذ 200 درهم سنوياً من الشاعر الشهير بشار بن برد، كإتاوة مقابل ألا يهجوه، وكان يزور المدن العباسية ليجمع المزيد من المال حتى وصل إلى خراسان والأحواز وسجستان وسابور والموصل وغيرها، وقام كعادته بالترزّق وكسب المال من وراء مدح بعض ولاة هذه المدن، فكان طريقه الوحيد أن يستغل طلاقة لسانه في شعره للتقرب من الأمراء وأصحاب الجاه والمناصب، ولكنه بقي وضيعاً حتى في شعره، ذاكراً شدة فقره، ومستجدياً في قصائد لا تخلو من الطرافة والفكاهة، فقال:

في بيت من الغضارة قفرٌ

ليس فيه إلا النوى والنخاله

عطّلته الجرذان من قلة الخيـرِ

وطارَ الذباب نحو زباله

وقال أيضاً:

برزتُ من المنازلِ والقبابِ

فلم يَعسُر على أحدٍ حجابي

فمنزليَ الفضاءُ وسقفُ بيتي

سماءُ اللهِ أو قطعُ السحابِ

فأنتَ إذا أردتَ دخلتَ بيتي

عليَّ مُسَلِّماً من غَيْرِ بابِ

لأني لم أجد مصراعَ بابٍ

يكون من السحابِ إلى الترابِ

وهكذا حال كل وضيع، حتى لو دَنا أو «أُدني» من ذوي الجاه والسلطان، فلا يمكن له أن يتخلص من سوقيته وضحالته ودناءة نفسه، فمهما كسب من مال وصيت، ومهما لبس من فاخر الثياب، ومهما رفع راية الواعظين المصلحين، فسيظل عبداً للدرهم والدينار، عارضاً للبيع نفسه وشرفه، وحتى دينه ووطنه، إنها نوعية تعيش بيننا وتعتاش على سذاجة بعضنا، حتى إن بعضهم يمسك بتلابيب مستقبلنا.

* ملحوظة: من التراث بتصرف.

back to top