نور الحبشي تروي قصة العلاقات الكويتية - اليابانية... في أول دراسة أكاديمية شاملة من نوعها بالبلاد (الحلقة الأخيرة)

ماذا فعلت الدبلوماسية اليابانية تجاه الغزو العراقي للكويت (1990-1991)؟

نشر في 15-12-2023
آخر تحديث 14-12-2023 | 17:35
تخوض الدكتورة نور محمد الحبشي، أستاذة التاريخ الحديث والمعاصر في كلية الآداب بجامعة ‏الكويت، تحدياً جديداً، بتقديم عمل يحمل في ثناياه قيمة مضافة ومعلومات غنية بشأن علاقة الكويت مع ‏إحدى القوى الصناعية الكبرى في العالم، وهي اليابان، وكان الاختيار كتاب «العلاقات الكويتية – اليابانية ‏ونشأتها وتطورها 1880 - 2006»، وهو عبارة عن دراسة في العلاقات الدولية. ‏ من أجل ذلك قامت الحبشي بزيارة العاصمة طوكيو، وأجرت عدداً من اللقاءات مع سياسيين يابانيين، أبرزهم ‏يوريكو كويكي عمدة طوكيو، وأجرت أحاديث مع الجيل الرابع من المستعربين اليابانيين، ‏وحضرت مؤتمرات ولقاءات وانتسبت إلى مركز خدمة المجتمع لتعلم اللغة اليابانية.‏ وتشير المؤلفة، في كتابها، إلى أن الكويت كانت إحدى بوابات الدخول الياباني إلى منطقة الخليج، وأنها رأت في ‏الطموح الياباني فرصة لينعم الوطن وأبناؤه بالثروة النفطية، من خلال شركة الزيت العربية، على سبيل ‏المثال. ‏ ويعد الكتاب دراسة أكاديمية فريدة بكل المعايير لباحثة رصينة وجادَّة، تمكنت، وفق تقديم سفير الكويت لدى ‏اليابان سامي الزمانان، من الجمع بين الاقتدار الذي يتصف بعمق التحليل ورصانته، وبين الموضوعية العلمية.‏ ويروي الكتاب، بفصوله الخمسة والخاتمة والملاحق، النقاط المحورية التي ساهمت في دفع الروابط ‏بين الشعبين إلى مستويات أرحب، وهو أول كتاب أكاديمي من نوعه يحصر تاريخ العلاقات بين الدولتين، وسوف يسد فراغاً كبيراً في ‏المكتبتين الكويتية واليابانية، ويأتي بعد إنجاز الحبشي لكتاب العلاقات الكويتية – الأميركية، وإصدارات أخرى ذات ‏أهمية في تاريخ الكويت، وتناولها لشخصية وطنية، هي المرحوم عبدالعزيز الصقر. ‏ ‏ وتستعرض «الجريدة» الكتاب عبر ثلاث حلقات، وفيما يلي الحلقة الثالثة والأخيرة:

موقف اليابان من الغزو العراقي للكويت ‏1990

دخل الجيش العراقي الكويت يوم ‏2‏ أغسطس عام ‏1990، واحتلها بأكملها في يوم ‏واحد، وفي الـ 28‏ منه أعلن النظام العراقي ضم الكويت، وعدّها «المحافظة العراقية التاسعة ‏عشرة»، وبذلك أصبح العراق يسيطر على أكثر من ‏20‏ بالمئة من المخزون العالمي للنفط.‏

وقد كانت حماية تدفّق النفط، واستمراريته الهدف الأول، لأن هناك تصريحًا للرئيس ‏الأميركي جورج بوش الأب، وكان بليغًا في وصفه، يقول فيه: «وظائفنا ‏وأنماط حياتنا، وحريتنا وحرية الدول الصديقة حول العالم ستتأثر لو تمكّن صدام من فرض ‏سيطرته على المخزون النفطي العالمي»‏ ‏. ‏

اقرأ أيضا

ويقول الصحافي المخضرم بجريدة واشنطن بوست، بوب ودورد، في كتابه الموسوم ‏‏»القادة» إن الرئيس الأميركي جورج بوش الأب، ومستشاريه، وأعضاء إدارته قد اتخذوا قرار ‏الحرب من أجل إبقاء تدفّق النفط من منطقة الخليج.

أزمة الخليج أجبرت اليابان على مواجهة أسئلة لم تختبرها منذ الحرب العالمية الثانية

وقد أدركت الولايات المتحدة الأميركية، من جهتها، أنها بصدد اتخاذ قرار تاريخي من ‏حيث الوقوف مع الحق الكويتي، وإخراج الجيش العراقي من الكويت على مرأى ومسمع من ‏العالم أجمع، وتحت مظلة الأمم المتحدة، وعبر قراراتها، فأنشأت التحالف الدولي الذي جمع ‏عددًا كبيرًا من البلدان، سواء الدول العربية، أم الغربية من شتى بقاع العالم، لذا كان لا بد من ‏الحضور العسكري في الخليج لحماية مناطق الإنتاج النفطي، وتبع ذلك سلسلة من الإجراءات، ‏التي كان الهدف من خلالها التنسيق لمهمة تحرير الكويت من العراق، لذا فقد طلبت الولايات ‏المتحدة الأميركية رسميًا مساعدة البلدان النفطية، التي لم تتردد بدورها لحظة واحدة، وعلى ‏رأسها الدول الخليجية جميعها من دون استثناء، كما طلبت المساعدة من الدول الغربية، وكانت ‏إنكلترا أول وأهم حليف للولايات المتحدة الأميركية، وكان الرئيس بوش الأب قد ناقش مع رئيسة ‏وزراء بريطانيا مارغريت ثاتشر ‏ ‏Margaret Thatcher‏ التعاون مع الولايات المتحدة الأميركية ‏لإعادة الحكومة الشرعية إلى دولة الكويت‏.‏

كما طلبت الولايات المتحدة رسميًا من الدول الصناعية الكبرى التي لا تستطيع التدخل ‏ميدانيًا، بسبب وضعها السياسي الموروث عن الحرب العالمية الثانية، وبوجه خاص اليابان ‏وألمانيا، المساعدة المالية والدعم، وقد قدمت اليابان ذلك على شكل دفعات متفاوتة، فقد ساهمت بمليار دولار في أواخر شهر أغسطس، وبـ 3 مليارات دولار ما ‏بين شهري سبتمبر ونوفمبر من عام ‏1990م، وكذلك طلبت الولايات المتحدة الأميركية منها ‏المساهمة بمبلغ إضافي 9 مليارات دولار بعد اندلاع الحرب الجوية بتاريخ ‏17‏ ‏يناير1991م، فهاجمت طائرات قوات التحالف وحدات عسكرية عراقية في العراق والكويت، ‏مستهلة الحملة الجوية باسم «عملية عاصفة الصحراء» ‏Desert Storm‏ ‏Operation، وبذلك ‏يكون إجمالي مساهمة اليابان في حرب تحرير الكويت كأكثر دولة أجنبية بإجمالي يبلغ ‏13‏ ‏مليار دولار، إلا أن ذلك لم يمنع من أن تتعرض اليابان للنقد، لاستغراقها وقتًا في تسديد ‏تلك الدفعات.‏

موقف شجاع وبطولي للسفير شيروتا أثناء الغزو

ولعل بعضهم فسر ذلك بأنه أيضًا كان محل نقد لدى الكويتيين، ويعلل المراقبون ذلك ‏بسبب نشر الحكومة الكويتية بعد تحرير الكويت، وعودة الشرعية الكويتية إعلان شكر وتقدير ‏في جريدة نيويورك تايمز، ولم تكن اليابان جزءًا منه، كما ظهرت بصورة أو بأخرى بأن ‏المساعدات الاقتصادية اليابانية لم يتم تقديرها على المستوى الدولي، على الرغم من تقديم ‏الحكومة الكويتية بيانين توضيحيين في الصحيفة نفسها، وذكرت فيه أن عدم ذكر الاسم في ‏إعلان الشكر كان خطأ مطبعيًا ليس أكثر من ذلك.

الإعلان في جريدة واشنطن بوست ‏

وهذا الإعلان أثار عددا من الأسئلة، جاء ذلك في تقرير الكتاب الأزرق الصادر عن ‏وزارة الخارجية اليابانية عام ‏1990م، وكان بعنوان الكويت لم تشكر اليابان في صحيفة «واشنطن بوست»، ولا يوجد تقدير للمال! إذاً هل نحتاج لإرسال جنود؟

وذكرت البروفيسورة في جامعة تشيبا كيكو ساكاي في إحدى أوراقها البحثية المتعلقة ‏بهذا الأمر، وقد أطلعتني عليها مشكورة، قولها: «أجبرت أزمة الخليج اليابان على معاينة، ‏ومواجهة عدد من الأسئلة التي لم تختبرها من قبل بعد الحرب العالمية الثانية، حيث إن احتياج ‏الحكومة إلى بعض الوقت لتحدد سياساتها أو وجود بعض القيود التي حدت من حركتها، وكان ‏أمرا لا مفر منه إلى حد ما». ‏

‏ صحيح أن اليابان استجابت لحليفها الولايات المتحدة الأميركية في نهاية الأمر، ‏وخضعت لمطلبها في الدعم المالي، إلا أن هذا الأمر لم يكن كافيا من وجهة نظر الطرف ‏الآخر، فقد كانت اليابان تحاول جاهدة لتثبيت الأقدام على الساحة الدولية، وترسيخ مبدأ التحالف ‏مع السياسة الخارجية الأميركية قدر المستطاع، لأنها كانت تسعى منذ وقت طويل لتصبح ‏عضوا دائما في مجلس الأمن، وقد أفصحت عن ذلك صراحة عام ‏1995م، لذا كانت ترى أن ‏الفرصة سانحة لإثبات حضورها الدولي والعالمي، مع عدم إغفال التناغم مع السياسات الدولية، ‏والتوافق مع الرأي العام العالمي.‏

البعثة الدبلوماسية اليابانية في الكويت‏

لم يكتف العراق باحتلال الكويت، ولم يعبأ بصداقته مع اليابان، فقد تعرض اليابانيون ‏المقيمون داخل الكويت للاحتجاز، وحظر عليهم السفر والتنقل، وتم استخدامهم دروعا بشرية في ‏هذه الحرب، إذ تم تقييد ‏213‏ يابانيا مقيما في دولة الكويت، ومنعهم من المغادرة، ومعاملتهم ‏كأسرى حرب في محاولة لتحييد الرأي العام الياباني، ومحاولة الضغط عليه في عدم اتخاذ أي ‏موقف رسمي ضد العراق. ‏

إلا أنه يجب ذكر الموقف الشجاع والبطولي للسفارة اليابانية في دولة الكويت إبان الغزو ‏العراقي عام ‏1990م، فقد جاء ذلك على لسان السفير الأميركي في العاصمة الكويتية، ناثانيل ‏هويل آنذاك، ومن خلال ما رواه في كتابه الموسوم «قرن في الكويت»، بقوله: «تلقيت اتصالا ‏هاتفيا في الساعة ‏2‏ فجرا، من صباح الخميس الموافق ‏2‏ أغسطس ‏1990م، من ضابط ‏السفارة يبلغه فيها بأن القوات العراقية عبرت الحدود الكويتية، وقد طلب منه القدوم حالا، وهو ‏يسكن على بعد مئات الأقدام، وما إن وصل، حتى تم تبليغ الموظفين كافة، بضرورة الوجود ‏في السفارة، وتمكن معظمهم من الوصول إلى مبنى السفارة خلال الصباح دون وقوع أي ‏حادث، ومع ذلك اضطرت مجموعة من الموظفين إلى اللجوء للسفارة اليابانية، حيث قام السفير ‏أكيو شيروتا ‏Akio Shirota‏ بتوفير المأوى لهم بشجاعة لأكثر من أسبوع، حتى تمكنت ‏السفارة الأميركية من إرسال سيارات نقل لتقل المجموعة، ومن المشاهد التي تعطي أروع ‏صورة في التكافل والتعاون زمن الغزو، ما فعلته السفارة اليابانية من تحميل السيارات بحوالي ‏عشرة أكياس ضخمة من الأرز، وكان يتضمن هذا التلاحم الرمزي معاني كثيرة، كما كانت ‏للسفارة الأميركية مساهمة في تقديم سمك الإسقمري ‏ ‏Mackerel‏ المعلب للسفارة ‏النرويجية، إضافة إلى أنها رتّبت إيصال الطعام للسفارة الفلبينية، حيث تجمعت مئات ‏المستخدمات في المنازل دون مؤونة.‏

دور شركة الزيت العربية المحدودة أثناء الاحتلال العراقي للكويت

‏لعبت شركة الزيت العربية المحدودة دورا محوريا أثناء الاحتلال، وكان ذلك خير دليل ‏على عمق وأصالة العلاقات بين الكويت واليابان، وكان ذلك موضحا في التقرير الصادر في ‏العاصمة اليابانية طوكيو، والمؤلف من ‏23‏ صفحة، ويذكر دور الشركة أثناء الغزو، ووصف ما ‏حدث لمنتسبي الشركة، وعائلاتهم، حيث أُسِرَ ستة موظفين يابانيين عاملين بمكتب الشركة في ‏دولة الكويت مع عائلاتهم، وعددهم الإجمالي ‏11‏ فردا، وأرسلوا إلى بغداد حيث احتجزوا كرهائن ‏في العراق، وظل بعضهم محتجزاً 105‏ أيام. ‏

‏213 يابانياً مقيماً في الكويت استخدمهم صدام حسين دروعاً بشرية في الحرب

‏ وكان دور الشركة ينم عن التزام أخلاقي قبل كل شيء، إذ لم تتوقف طوال تلك الأيام ‏الصعبة عن الالتزام، أو الوفاء بالتزاماتها المالية، فقد كانت تسدد الضرائب كالمعتاد لحكومة ‏الكويت بالمنفى في مدينة الطائف في المملكة العربية السعودية في ذلك الوقت، كما كانت ‏رواتب وعلاوات جميع الطلبة، أو المبتعثين للدراسة في الخارج على نفقة الشركة تحول لهم ‏بالكامل طوال فترة الاحتلال العراقي للكويت من دون تغيير.‏

وأشاد المسؤولون الكويتيون والسعوديون على حد سواء بشجاعة وحنكة منتسبي شركة ‏الزيت العربية المحدودة في صمودها، واستمرارية عملها إذ كان العمل جاريا في عمليات ‏استخراج الزيت حتى آخر لحظة، عندما قصف الجيش العراقي مدينة الخفجي، التي تحولت إلى خط دفاع أول وأصبحت نقطة يتمحور حولها العالم، وقد كانت ‏شجاعة منتسبي الشركة مصدر فخر لليابانيين، إذ تم منح شركة الزيت العربية المحدودة شهادة ‏شكر وتقدير عرفانا بالجميل، لما قدمته الشركة من مساعدات سخية لأبناء الكويت في محنتهم. ‏

ولم يغب عن الشركة التعاون مع سفارة الكويت في طوكيو من خلال حملات وأنشطة ‏تطالب بحرية الكويت، واستمرت الحملة إلى أن تم تحريرها من براثن الاحتلال العراقي ‏في فبراير من عام ‏1991م.‏ ‏

ويتبين لنا أن شركة الزيت العربية المحدودة قد مرت بظروف صعبة، إلا أنها كانت ‏جديرة بالاحترام، فكانت جهودها مستمرة، ولم تتوقف قطرة زيت واحدة عن الإنتاج حتى انطلاق ‏حرب تحرير الكويت المسماة عاصفة الصحراء في 17‏ يناير1991م.‏

‏6 موظفين يابانيين يعملون في شركة الزيت العربية أُسِروا مع أُسَرهم وأرسلوا إلى ‏بغداد

وبعد تحرير الكويت تم التحقق من تعرض معهد الكويت للأبحاث العلمية داخل دولة الكويت للسرقة والسلب والنهب، إذ كان هذا ‏المعهد مصدر فخر واعتزاز، ومن أهم الإنجازات لشركة الزيت العربية، حيث أنشأته في يناير ‏عام ‏1967م، وسلمته لحكومة الكويت عام ‏1972م، وكانت داعمة له في توفير المختبرات، ‏والمرافق، والتجهيزات، كما يتم منحه منحة سنوية بلغ مجموعها حتى عام ‏1993م، ما يعادل ‏18‏ مليون دولار أميركي.‏

‏ ‏إلا أنه تعرض للسرقة والتدمير والتخريب من قوات الاحتلال العراقية، لذا عملت ‏الشركة والحكومة اليابانية على تقديم عون مالي للمعهد لإعادة تعميره وتجهيزه بعد تحرير ‏الكويت مباشرة، وتوج بتقديم منحة يابانية بمبلغ ‏626‏ مليون ين، أو ما يعادل ‏1.5‏ مليون دينار للمعهد في أغسطس ‏1992م، وكان دافع الشركة لذلك إدراكها قيمة المعهد، والهدف الذي ‏أنشئ من أجله، وكذلك لأنه أحد نتاج وثمار العلاقة الوطيدة، والتعاون الوثيق بين الشركة ‏والكويت.‏

كما لعبت الشركة دورا ملموسا إبان الاحتلال العراقي للكويت في الداخل الياباني عبر ‏جمعية الصداقة اليابانية الكويتية، إذ أنشئت جمعية الصداقة اليابانية- الكويتية عام ‏1965م، ‏بمبادرة من «الزيت العربية» المحدودة لتعزيز العلاقات الودية، والتعاون الاقتصادي، والتبادل ‏الثقافي بين الكويت واليابان.‏

شركة الزيت العربية أوفت بالتزاماتها المالية طوال فترة الغزو وسددت الضرائب لحكومة ‏الكويت في المنفى ودفعت رواتب الطلبة والمبتعثين للدراسة

وقد أصدرت مجلة باسم الجمعية، وتصدر كل شهرين إبان الاحتلال العراقي للكويت، ‏وفيها تفعيل لدور الجمعية الثقافي في نشر معلومات ذات قيمة بالنسبة للباحثين والمهتمين ‏والراغبين في معرفة كل ما يتعلق في دولة الكويت، وقد اتخذت الشركة تلك المجلة. ‏

‏البعثة الدبلوماسية اليابانية في العراق‏

يبدو أن الصداقة اليابانية العراقية لم تكن كافية على الرغم من حظوتها ومكانتها، فقد ‏تعرض ‏214‏ يابانيًّا مقيماً في العراق إلى الخطف رغم إقامتهم كأجانب داخل العراق، ‏وحظر عليهم السفر والتنقل، واستخدم اليابانيون المقيمون في دولة الكويت دروعا بشرية وأسرى ‏حرب، وتم منعهم من مغادرة الكويت.‏

وعلى الرغم من كل تلك المعاناة، التي عانى منها المواطن الياباني الأعزل من السلاح ‏من قبل قوات النظام العراقي، فإن القيادة السياسية في اليابان تجنبت القيام بأي مفاوضات ‏من شأنها أن تبرز، أو تعطي إشارة للعراق لاستخدامها كوسيلة ضغط أو تنازل، وذلك الموقف ‏توافقت عليه كليا مع موقف الولايات المتحدة الأميركية، إلا أن المحاولات كانت من قبل بعض ‏أعضاء البرلمان الياباني من حكومة ومعارضة، وقد زار العراق رئيس وزراء اليابان السابق ‏ناكاسونيه في نوفمبر1990م، وتمكن من تحرير ‏74‏ من الرهائن اليابانيين.‏

ويبدو أن شخصية ناكاسونيه كانت مقبولة للذهاب للعراق، فقد لعب دورا جيدا عندما ‏كان وزيرا للتجارة العالمية والصناعة اليابانية في السبعينيات من القرن المنصرم حسب ما تم ‏ذكره في صحيفة أساهي اليابانية ‏. ‏

مدينة الخفجي تحولت إلى خط دفاع أول وأصبحت نقطة يتمحور حولها العالم

ويبدو أن ‏38‏ شركة يابانية قد عملت فيما بينها بتكتل اسمته «لجنة الاستجابة لأزمات ‏اليابانيين المقيمين في العراق»، وهي من طلبت من رئيس الوزراء ناكاسونيه، وعدد من ‏المسؤولين اليابانيين زيارة العراق، ومتابعة أوضاع المواطنين اليابانيين هناك، نظرًا لتأخر الرد ‏من قبل وزارة الخارجية اليابانية، وهذا ما أكده سفير اليابان كاتاكورا لدى بغداد آنذاك بقوله: «فيما ‏يخص حماية المواطنين اليابانيين، فإن الرد من طوكيو يستغرق وقتًا طويلًا، وقد كنا عاجزين ‏عن تخطي الفجوة»‏‏.‏

ويتضح مما سبق أن اليابانيين مع العراق، بل تعرضوا كأي جنسية أخرى للمضايقات. ‏

‏البعثة العراقية في طوكيو‏

تعد العلاقات الدبلوماسية بين اليابان والعراق منذ وقت مبكر جدا، وتحديدًا منذ حكم ‏العائلة الهاشمية في العراق، أي قبل ثورة ‏14‏ يوليو ‏1958م، فهي قديمة، وتحظى بالاهتمام من ‏كلا البلدين، إذ تشكلت المصالح وتحديدًا في فترة السبعينيات والثمانينيات، وقد تم التطرق لها في ‏موقعين من هذه الدراسة عند الحديث عن أزمة النفط عام ‏1973م، وأثناء الحرب العراقية ‏الإيرانية، حيث كانت الشركات اليابانية تقوم بعدد من المشروعات الحيوية التي ينفذها القطاع ‏الخاص الياباني، التي من خلالها تشكلت علاقات ثنائية بين البلدين.‏

‏ وكان القطاع الخاص الياباني قائدا لمرحلة العلاقات الثنائية مع العراق في تلك المدة، فكان ‏يطرح نظرته، فهو يعد شريكًا اقتصاديًا للدول النفطية بعيدا عن سياسة الولايات المتحدة ‏الأميركية، وبدا ذلك واضحا في الوساطة اليابانية، وقبولها من حيث المبدأ من كلا الطرفين ‏المتحاربين أثناء الحرب العراقية - الإيرانية.‏

معهد الكويت للأبحاث العلمية تعرّض للنهب والسرقة على يد الاحتلال العراقي... واليابان ‏قدّمت عوناً مالياً لإعادة إعماره وتجهيزه

‏ بالنسبة للبعثة العراقية في طوكيو، فهي لم تغادر العاصمة اليابانية طوكيو طيلة مدة ‏الاحتلال العراقي للكويت، ولم تتعرض لأي نوع من المضايقات، رغم قطع كثير من ‏البلدان العربية والغربية على حد سواء علاقاتها الدبلوماسية مع العراق، فكان سحب ‏الدبلوماسيين، وطلب بعض البلدان مغادرة الدبلوماسيين العراقيين مقر السفارة العراقية في ‏مختلف العواصم العربية والغربية، إلا أن اليابان لم تتخذ أي إجراء بحق البعثة الدبلوماسية ‏العراقية، وقد بقي السفير والكادر الدبلوماسي في سفارة العراق بطوكيو يمارسون مهامهم بصورة ‏طبيعية دون أي معوقات‏.‏

‏ من خلال ما سبق يمكن الاستدلال بالنتائج الآتية: إن اليابان كانت في موقف الصديق ‏للكويت، والحليف بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية، لكون الأخيرة قائدة التحالف الدولي ‏بجناحيه العسكري والدبلوماسي في عملية تحرير الكويت.‏

وإذا كانت المعايير اليابانية واحدة من خلال أداء دبلوماسيها الأكثر روعة في كل من ‏الكويت والعراق إبان فترة الغزو العراقي عام ‏1990م، وكانت الشجاعة والبطولة سمة أساسية ‏تحسب لمنتسبي وزارة الخارجية اليابانية.‏


صورة لسفير الكويت في اليابان صورة لسفير الكويت في اليابان

وتضمن موقف اليابان أربع نقاط، كانت كل واحدة مفصلة قدر المستطاع، ومن خلال ‏ما وجد في الوثائق والدراسات، ولعل من المناسب القول: إن شركة الزيت العربية المحدودة ‏ودورها إبان الاحتلال العراقي يعد وسام فخر واعتزاز، وأداء راقٍ، وعلى مستوى عالٍ من الجودة، ‏لذلك هذا النوع من العلاقات بين إحدى البلدان النفطية المتمثلة بالكويت، وبين شركة تمثّل ‏اليابان العملاق الاقتصادي الآسيوي.‏

وقد أبدت اليابان جدية عالية في تنفيذ قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالعقوبات ‏الاقتصادية على العراق، إذ تراجعت خلال تلك المدة عن التعاملات الاقتصادية والتجارية بين ‏البلدين - انعدمت تقريبا - لصرامة الموقف الياباني تجاه العمل الذي أقدم عليه نظام صدام ‏حسين آنذاك. ‏

back to top