من صيد الخاطر: «قسم فأحسن القسمة»

نشر في 08-12-2023
آخر تحديث 07-12-2023 | 20:20
 طلال عبدالكريم العرب

حدّث رجلٌ من البصرة قائلا: قدم إلينا أعرابي من البادية، فأنزلته في ضيافتي، وكان عندي دجاج كثير، ولي امرأةٌ أنجبت لي ابنين وابنتين، فقلت لها: بادري فاشوي لنا دجاجة، وقدميها لنا لنتغدى بها مع ضيفنا.

فلما حضر الغداء جلسنا جميعا ومعنا الأعرابي، فدفعت إليه الدجاجة وطلبت منه أن يقسمها بيننا، وكان في نيتي أن أتبين منه مدى فطنته، فقال لي بمكر: قد لا أحسن القسمة، فهل ترضى بها؟ فقلت: أرضى، وقام من فوره فقطع رأس الدجاجة وقدمه لي قائلاً: الرأس للرأس، ثم قطع الجناحين وقال: الجناحان للابنين، ثم قطع الساقين، وقال: الساقان للابنتين، ثم قطع الزمكي، أي منبت ذيل الدجاجة، وقال: العجز للعجوز، ثم أخذ الدجاجة بأسرها وقال وهو يضحك: أما الزور، أي كامل الدجاجة، فللزائر.

فلما كان من الغد قلت لامرأتي: اشوي لنا خمس دجاجات، فلما حضر الغداء طلبت مرة أخرى من الأعرابي أن أقسِمْ بيننا هذه الدجاجات الخمس، فقال مترددا: إني أظن أنكم وجدتم في أنفسكم مني شيئا؟ قلت: لا، فاقسِم، فسألني بخبث: أأقسم شفعاً أم وتراً؟ قلت: اقسم وترا، فقال إذاً: أنت وامرأتك ودجاجة ثلاثة، ورمى إلينا بدجاجة، ثم قال: وابناك ودجاجة ثلاثة، ورمى إليهما بدجاجة، ثم قال: وابنتاك ودجاجة ثلاثة، ورمى إليهن بدجاجة، ثم قال ضاحكا: أنا ودجاجتان ثلاثة، فأخذ الدجاجتين.

ثم إن الأعرابي رآنا ونحن ننظر إلى دجاجتيه، فقال: ما تنظرون؟ لعلكم كرهتم قسمة الوتر فهي لا تجيء إلا هكذا؟ فهل لكم في قسمة الشفع؟ قلنا: نعم، فضم إليه الدجاجات الخمس، ثم قال: أنت وابناك ودجاجة أربعة، ورمى الينا بدجاجة، ثم قال: والعجوز وابنتاها ودجاجة أربعة، ورمى إليهن بدجاجة، ثم قال ضاحكا: أنا وثلاث دجاجات أربعة، وضم إليه الثلاث دجاجات، ثم إن الأعرابي رفع يديه الى السماء مبتسما وهو يقول: اللهم لك الحمد أن أهديتني إلى هذه القسمة.

أما صاحب الدجاجات فلا يزال فاغراً فاهه حتى يومنا هذا لسذاجته وفطنة ذلك الأعرابي، فهي حكاية طريفة عن الخداع في القسمة بين الناس السذّج.

ملحوظة: الطرفة منقولة من التراث بتصرف.

back to top