من صيد الخاطر: «القصيدة التي قتلت صاحبها»

نشر في 18-11-2022
آخر تحديث 02-03-2024 | 16:41
 طلال عبدالكريم العرب إلى جانب شهرة العرب قديما في الحروب والغزوات، فقد اشتهروا أيضا بالشعر لطلاقة لسانهم، وجزالة لغتهم، وغناها بالمفردات التي استغلوها ببراعة لوصف فارس لشجاعته، وللتغزل في امرأة هفا فؤاد شاعر نحوها.

والتاريخ العربي يزخر بقصائد جميلة لا تزال تخلد أصحابها حتى يومنا هذا، حتى أن بعض تلك القصائد علّقت على الكعبة أيام الجاهلية لقوتها وندرتها، كان لبعض تلك القصائد الغزلية قصص مشهورة ولا تزال متداولة عند العرب، كقصة جميل وبثينة، وعنترة وعبلة، وقيس وليلى، إلا أن هناك قصة نادرة لقصيدة غزلية قتلت صاحبها، القصيدة التي قالها الشاعر التهامي في الأميرة دعد.

وقد ذُكر أن سبب نظم تلك القصيدة بأن أميرة من نجد يقال لها دعد، كانت شاعرة بليغة إلى جانب أنها بارعة الجمال، ويبدو أنها كانت غير راغبة في الزواج، فقد خطبها من أبيها كثير من الأمراء إلا أنها رفضتهم كلهم متحججة بأنها تريد زوجاً أشعر منها.

شاع خبر شرط الأميرة في أنحاء جزيرة العرب، مما استحث قريحة الشعراء، فتهافتوا عليها بقصائدهم، إلا أنها لم ترق لها، وكان من بين من سمع بشرط الأميرة دعد شاعر بليغ من تهامة، قيل إنه ذو الرمة، ومنهم من قال إنه دوقلة المنبجي، فقام بنظم قصيدة فيها، وركب ناقته شاخصا بها إلى نجد إلى حيث دعد.

وفي طريقه التقى بشاعر متوجه أيضا الى نجد وقد نظم هو الآخر قصيدة في الأميرة دعد، وفيما هما يتسامران باح التهامي لصاحبه بسبب سفره، ثم قرأ له قصيدته، فرأى ذلك الشاعر أن قصيدة التهامي أعلى طبقة وأجزل من قصيدته بكثير، وأنها ستحوز رضا دعد، فسوّلت له نفسه أن يقتل التهامي ويسرق قصيدته، ففعل وأكمل بها طريقه الى دعد.

وصل الشاعر القاتل إلى نجد، وطلب رؤية الأميرة دعد لينشد لها قصيدة المغدور، إلا أن دعد أدركت من لهجته أنه ليس تهامياً وأن أبياتاً في تلك القصيدة دلت على أن ناظمها من تهامة، فعلمت بنباهتها وفراستها أن الرجل قتل صاحب القصيدة وانتحل قصيدته، صاحت بأبيها قائلة: اقتلوا هذا، إنه قاتل بعلي، فقبضوا عليه، واستنطقوه فاعترف.

فأما القصيدة قاتلة صاحبها فلا تزال تتداول عند العرب، وأما دعد فلا أحد يدري ما حل بها، وقد قيل إنها لم تتزوج قط، لأنه لا أحد من خاطبيها استطاع أن يجاري ما جادت به قريحة قائلها، ومنها هذه الأبيات:



لَهَفي عَلى دَعدٍ وَما حفَلت

إِلّا بجرِّ تلَهُّفي دَعدُ

بَيضاءُ قَد لَبِسَ الأَديمُ أديم

الحُسنِ فهو لِجِلدِها جِلدُ

فَالوَجهُ مثل الصُّبحِ منبلجٌ

والشعر مِثلَ اللَيلِ مُسوَدُّ

ضِدّانِ لِما اسْتُجْمِعا حَسُنا

وَالضِدُّ يُظهِرُ حُسنَهُ الضِدُّ

ملحوظة: منقول من التراث بتصرف.

back to top