من صيد الخاطر: الأرقام العربية وصفرها

نشر في 24-11-2023
آخر تحديث 23-11-2023 | 18:53
 طلال عبدالكريم العرب

قرأت مقالة للأخ أحمد الصراف عنوانها «فوضى الأرقام والتاريخ الهجري»، وأنا هذه المرة أتفق معه في هذه الجزئية تحديداً، فقد سبق أن كتبت مقالة عن «الصفر والأرقام العربية» في جريدة «القبس» الغراء، بتاريخ 8/ 6/ 2016، وسأعيد نشر بعضها للفائدة، ولكن مع بعض التصرف، أما موضوع التواريخ الهجرية فسأكتب عنه لاحقاً، إن شاء الله:

لا نعلم سبباً واحداً يفسّر هذا الحقد والكراهية والتجاهل حتى الإنكار لإنجازات العرب ومساهماتهم عندما كان العلم والبحث والترجمة والابتكارات والاختراعات العربية في أوجها، عندما كانوا يعيشون عهد التنوير فقضت عليه مجموعة ظلامية حرمّت عمداً كل ما له صلة بالإبداع، والإبداع لا يتأتى إلا بالفلسفة والمنطق، فكان أقصر طريق إلى تجهيل العقل العربي هو تحريمهما، فتحولت الأمة العربية من عهد التنوير إلى عهد تجهيل وظلام، عهد تخلف وانكسار.

كانت الأرقام أهم ما أنجزه وقدمه العرب للعلم والإنسانية، فالأرقام المستخدمة حالياً هي الأرقام العربية التي نبذناها كعرب واستبدلنا بها الأرقام الهندية، لماذا؟ الله وحده أعلم، وهي أرقام اعترف بها العالم أجمع بأنها أرقام عربية، أما الصفر، فقصته مختلفة.

فقد اختلف الكثيرون في معرفة مبتكريه، لكنهم اتفقوا على أن العرب هم من طوره وحدد قيمته وفائدته واستخداماته وأوصله الى الجانب الأوروبي على صورته الحالية، فالصفر سواء كان اختراعاً عربياً بحتاً أم لا، فإنه يبقى من أهم القفزات العلمية التي أوصلتنا إلى ما نعرفه اليوم من علم ومعرفة رقمية.

وقد قيل إن الهنود هم من ابتدعوا الصفر، ولكن بتعريف واستخدام مختلفين وبدائيين، فكان عندهم عبارة عن فراغ لا قيمة رياضية له، وقيل إن البابليين هم الذين اخترعوه فقام بعدهم علماء الحساب العرب بتطوير استخدامه كما هو عليه الآن. ولكن هناك رأي مختلف يقول إن العرب القدماء عرفوا وعرّفوا معنى الصفر، واستشهدوا على ذلك بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن ربكم حييٌّ كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إلى السماء أن يردهما صفرا»، وهناك مثل قديم يقال لمن يعود من دون مكسب بأنه «عاد صفر اليدين»، وفي كل الأحوال والمعروف تاريخياً أن العرب استعملوا الصفر منذ عام 873م، أما الهنود فقد استعملوه بعدهم بسنوات. الطريف أن عرب الجاهلية اعتبروا الصفر دليل شؤم، إلا أن العرب لاحقاً طوروا استخدامه رياضياً في عصر النهضة ونقلوه مع أرقامهم إلى أوروبا، أما الأوروبيون فقد ظلوا مترددين في استخدام الأرقام العربية لمدة 250 عاماً، الى أن بادر عالم الرياضيات الإيطالي ليوناردو دو بيز إلى الاقتداء بالعرب واستخدامها، بل حتى كتابتها بدءاً من اليسار، فالعالم كله الآن يستخدم الأرقام العربية.

فالصفر أساساً يعني اللا شيء، أو المكان الخالي من أي شيء، لكنه كمفهوم يعني الشيء الكثير، فلولاه لما تطور علم الرياضيات بكل أفرعه، ولما وصلنا إلى عصر الرقميات والبرمجيات، ولولاه لما وجد الجبر، والسالب والموجب، والكسور العشرية، ويكفي أن نعرف ونكتب الفرق بين الـ0.5 والـ5 والـ50 بأسهل وأقصر طريقة، ولنتخيل كيف سيكتبها الأوروبيون بأرقامهم اللاتينية لو لم يعتمدوا الأرقام العربية وصفرهم!

back to top