من صيد الخاطر: «حكمة بيدبا نصيحة للملك»

نشر في 17-11-2023
آخر تحديث 16-11-2023 | 19:17
 طلال عبدالكريم العرب

قال الحكيم «بيدبا» ناصحاً الملك «دبشليم»: إنه كان بأرض «دستاوند» شيخٌ كبير، وكان له ثلاثة من الأبناء، فلما بلغوا أشدهم، أسرفوا في مال أبيهم، ولم يكونوا قد احترفوا حرفةً يكسبون لأنفسهم بها خيراً، فلامهم أبوهم على ذلك، ووعظهم على سوء فعلهم قائلاً: «يا بنيّ إن صاحب الدنيا يطلب ثلاثة أمور لن يدركها إلا بأربعة أشياء، أما الثلاثة التي يطلبها، فهي السعة في الرزق، والمنزلة بين الناس، والزاد للآخرة، وأما الأشياء الأربعة التي يحتاج إليها ليدرك بها هذه الثلاثة، فهي اكتساب المال من أحسن وجه يكون، ثم حُسن القيام على ما كسبه، ثم استثماره، ثم إنفاقه من دون إسراف فيما يُصلح المعيشة ويُرضي الأهل والإخوان.

لأن ما سيفعلونه سيعود عليهم نفعه في الآخرة، أما من ضَيّع شيئاً من هذه الأحوال فلن يدرك ما أراد من حاجته، لأنه إن لم يكتسب فلن يكون عنده مالٌ يعيش به، وإن هو كان ذا مالٍ واكتسابٍ ثم لم يحسن القيام عليه وبذّره، فإن ماله سيفنى لا محالة وسيعيش معدماً، وإن هو وضعه ولم يستثمره، فلن تنفعه حتى قلة الإنفاق من سرعة الذهاب.

وسيكون ذلك المال كالكحل الذي لا يؤخذ منه إلا غبار الميل ثم هو مع ذلك سريعٌ فناؤه، وإن أنفق ماله في غير وجهه، ووضعه في غير موضعه، وأخطأ في مواضع استحقاقه، صار بمنزلة الفقير الذي لا مال له، فذلك لن يمنع ماله من التلف بالحوادث والعلل التي تجري عليه، ومن حوله.

أو سيكون ماله كمحبس الماء الذي لا تزال المياه تنصب فيه، فإن لم يكن له مخرجٌ ومفيضٌ ومتنفسٌ يخرج الماء منه بقدر ما ينبغي، خرِب وسال ونز من نواحٍ كثيرةٍ، وربما انبثق البثق العظيم فذهب الماء كله ضياعاً».

حكمة بالغة، وكلام من ذهب، والأخذ به أمر مستحق.

ملحوظة: مقتبسة من كتاب كليلة ودمنة بتصرف.

back to top