في الصميم: كَبَّلوا الكويت بما لا تستطيع

نشر في 08-11-2023
آخر تحديث 07-11-2023 | 19:49
 طلال عبدالكريم العرب

مجلس الأمة الكويتي انتصر لفلسطين بإقراره 13 توصية، الكويت حكومة وشعبا استنكروا الجرائم الصهيونية، والكويت حكومة وشعبا أرسلوا المساعدات الإنسانية الى الشعب الفلسطيني، والكويت رفعت صوتها عاليا في المحافل الدولية ضد المجازر والترحيل القسري للفلسطينيين، وطالبت بالوقف الفوري للحرب على غزة، إنها مطالب مستحقة قامت بها الكويت من دون تردد ومن دون ضغوط، فكفى.

الكويت دولة صغيرة على «قد حالها»، لكن نوابا اختلفت مشاربهم وتوجهاتهم اتفقوا بسبب مصالح متناقضة، فكبّلوها بتوصيات لا تستطيعها، فلا الكويت ولا العرب ولا حتى العالم أجمع يستطيعها، أميركا وحدها التي تستطيع، إنها توصيات غاب عن بعضها صوت العقل وتغّلبت عليها العواطف، وسادت عليها المزايدات والمبالغات على حساب أمن الوطن، ولكن التسابق الى تسجيل المواقف أعمى بصرهم وبصيرتهم.

بعض التوصيات إنشائية وعامة ومكررة، فكثير من دول العالم نادت بها إعلاميا، لكنها مجرد تمنيات لن تتحقق إلا بموافقة أميركية، ولكن المشكلة أن هناك توصيات نادى بها نواب واضح أنهم بالغوا بقدرة الكويت على تحقيقها.

فهم أوصوا بملاحقة رئيس الكيان الصهيوني وقادته العسكريين والسياسيين كمجرمي حرب في المحافل الدولية، والمحكمة الجنائية الدولية وبرلمانات العالم، وهي مطالب أميركا والغرب وحدهم المخولون بها والقادرون على تحقيقها، والشواهد على ذلك كثيرة.

وأوصوا بأن تقوم الحكومة والقطاع الخاص وصناديق التنمية بإنشاء صندوق إعادة إعمار غزة ودعم صمودها، ولكن لماذا تريدون تحميل الكويت ذنباً لم تقترفه؟ لماذا لا يتحّمل ذلك الوزر تجار القضية الذين نهبوا مليارات تبرعاتنا وكدّسوها في حساباتهم؟ فهم من تسبب في ذلك الدمار، وهم من استولوا على أموالنا، وهي كافية وتزيد لإعادة إعمار غزة وكامل فلسطين.

بعض النواب لا يزالون يصدّقون بأن الكويت في حالة حرب مع إسرائيل، يا إخوان الحرب انتهت بين إسرائيل ومع ما يسمى دول الصمود والتصدي منذ خمسين سنة مضت، وهناك معاهدات سلام وتطبيع وُقِّعت بين إسرائيل والمتحاربين والمقاطعين، فتحلَّوا بالعقلانية، فالعقل زينة الرجال، اكتفوا بتوصيتكم ببث جلساتكم الخاصة فضائياً، وترجموها إلى لغات العالم الحية والميتة، لعل وعسى أن تتحرر بها فلسطين.

رفضكم القاطع لأي شكل من أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني مفهوم عاطفيا الآن، لكن المصالح والأوضاع السياسية تتغير بين يوم وليلة، فمن الحصافة والحنكة أن تحفظ للكويت خطوط رجعة، فلا تجعلوا الكويت ملكية أكثر من الملك، فنحن لا نريد أن نبقى كما نحن الآن نعيش في جزيرة معزولة، ليس لها لون ولا طعم ولا حتى رائحة.

الأمم لا تدار بالعواطف، فلا تُكَّبلوا الكويت بما لا تستطيع، فوجودها وأمنها واستقرارها مرهون بتحالفاتها مع أميركا والغرب تحديدا، فهذا قدرنا، وتأكدوا بأن العراق لم يتجرأ على غزو الكويت إلا بسبب مواقفها القومية المبالغ فيها، ولرفضها للتحالفات التي حمت كثيراً من دول عربية وأجنبية أكبر منّا.

المصالح الآن تغيرت، وهي ليست في مصلحتنا، فمواقفنا المتعنتة لا تشجع العدو ولا الصديق ليفزع لنا مرة أخرى، العالم يعيش حقبة القطب الواحد شئتم أم أبيتم، فكفّوا عن استفزازه وتحدّيه، فكلنا يعلم والعالم أجمع يعلم، أن إسرائيل هي خطهم الأحمر، فاكتفوا بتسجيل مواقفكم، وكفى الله المؤمنين شر القتال.

back to top