دراسة تحليلية للقانون رقم 21/ 2019 بشأن التسجيل العيني (3 - 3)

حوكمة العقارات وتوثيقها... بين الشهر العقاري والسجل العيني

نشر في 15-11-2022
آخر تحديث 14-11-2022 | 20:20
حوكمة العقارات
حوكمة العقارات
,تنشر «الجريدة» قراءة تحليلية للدكتور بدر العتيبي في القانون رقم 21/ 2019 بشأن التسجيل العيني، عبر 3 حلقات، وفيما يلي الحلقة الأخيرة:
وفي النهاية، يكون على إدارة التسجيل العقاري الإعلان في الجريدة الرسمية عن ‏البيانات الخاصة بكل عقار، ويتم إخطار أصحاب الشأن بما تم إثباته على الصحيفة ‏العقارية من ملكية وحقوق عينية ومعاملات وتعديلات (م/7 قانون، م/10 لائحة).‏

الردع الجزائي بعد انتهاء المراحل العقارية الانتقالية... مواجهة ممارسات التجاوز ‏على العقارات

بعد إتمام القيد في السجل العيني، فإن مواجهة الجرائم والممارسات غير المشروعة ‏على العقارات ستكون أكثر فاعلية، وفق ما يلي:‏

‏(1) مواجهة الغصب العقاري أو التعدي على حدود العقار: فلا يمكن بطبيعة ‏الحال أن يغصب أحد عقار المالك المقيد في السجل بموجب صحيفة عقارية، لأن ‏ملكيته مسجلة بشكل واضح وقطعي في السجل العقاري، وهكذا يستطيع المالك ‏المطالبة بتمكينه من عقاره أمام القضاء استناداً إلى البيانات القطعية من صحيفة ‏العقار في السجل العيني، ومن ثم يستعيد السيطرة على العقار.‏
اقرأ أيضا


ومن جهة أخرى، لا يمكن لصاحب العقار أن يتعدى على حدود عقار مجاور له، لأن ‏السجل العيني يعتمد على خرائط مساحية مفصلة ودقيقة.‏

وبالتالي، فإن الرؤية تكون دقيقة للقاضي في حال وقوع نزاع على ملكية أجزاء من ‏العقار، والسبب أن التحديد والتحرير الدقيق ينفيان أي شبهة أو غموض.‏

فإذا حاول مالك عقار أن يغصب جزءاً من عقار جاره، فإن القضاء يستطيع حسم ‏المنازعة بشكل سريع ودقيق وقطعي، بعد إجراء خبرة عقارية بغرض الاطلاع على ‏العقارين، ثم مطابقة الأوصاف في السجل العيني على تقارير الخبرة التي تم إعدادها ‏على أرض الواقع، وهكذا سيتم اكتشاف أي تجاوز على العقار الموصوف في السجل.‏

‏(2) مواجهة النصب العقاري: فلا يمكن لمالك العقار أن يبيع عقاره أكثر من مرة ‏ويقبض ثمنه عدة مرات، والسبب أن مالك العقار الأخير مذكور على الصحيفة ‏العقارية الوحيدة للعقار.‏

أما وفق الشهر العقاري، فلا يظهر المالك الأخير، بل يظهر المحرر الشخصي، والذي ‏قد لا يمثل آخر عقد بيع، وقد يصعب اكتشاف قيام المالك ببيع العقار ثانية من ‏خلال الدفاتر الشخصية، بسبب تشابه الأسماء أو البيع بالوكالة، وبالتالي قد يقوم ‏المالك ببيع العقار مرتين أو أكثر بموجب عقد واحد مسجل في الشهر العقاري.‏

بينما وفق السجل العيني، ما على الشخص الذي ينوي شراء عقار، سوى استخراج ‏بيان عقاري لذات العقار، بحيث يظهر فيه المالك الأخير، إضافة لمواصفات العقار ‏والحقوق التي عليه، وهذه البيانات ذات حجة رسمية لا يمكن للغير الاحتجاج ‏بعكسها في مواجهة الغير حسن النية من حيث المبدأ.‏

أما المجني عليه المهمل الذي يشتري عقاراً من غير مالكه أو يشتريه من مالكه ‏كمشترٍ ثانٍ أو ثالث، من دون أن يستخرج بياناً عقارياً للعقار الذي ينوي شراءه من ‏السجل العيني، ومن دون أن يتأكد من أن الشخص الذي يريد بيعه العقار هو المالك ‏الحالي الأخير، فهذا المجني عليه يكون قد وقع ضحية لإهماله الجسيم، ورغم ذلك ‏تقوم المسؤولية الجزائية على البائع المحتال.‏

• هل أصبح قانون السجل العقاري العيني 21/ 2019 ملزماً للمحاكم؟

الفترة القانونية الانتقالية... الطبيعة الخاصة لقانون السجل العيني


كما أن السجل العيني يحتاج إلى مرحلة تحديد الأقسام المساحية والتخطيط ورسم ‏المسطحات والخرائط التفصيلية قبل تطبيقه، فإن القانون ذاته يحتوي على مرحلة ‏انتقالية أيضاً، ليس من الناحية الفنية، بل القانونية أيضاً.‏

فلا يمكن فرض أحكام قانونية شكلية صارمة بخصوص التسجيل في الصحائف ‏العقارية إذا لم تكن هذه الصحائف موجودة أصلاً، فهذا الأمر ينافي المنطق.‏

لذا، فقد كان لابد للمشرّع من إتاحة المجال الزمني الكافي لمرحلة قانونية انتقالية، ‏بهدف إعداد المستندات اللازمة لتطبيق القانون، والسماح للموظفين، والمتعاملين، ‏وأصحاب الحقوق باستيعاب التغيير الجذري الذي حدث في آلية التوثيق من الشهر ‏العقاري المستمر منذ 1959، إلى السجل العيني وفق قانون 21/ 2019.‏

• ما الفترة الانتقالية الصريحة قبل نفاذ قانون السجل العيني؟

نصَّت المادة الأخيرة من قانون السجل العيني على التزام رئيس مجلس الوزراء ‏والوزراء، وفق اختصاصاتهم، بتنفيذ القانون، على أن يكون القانون نافذاً بعد سنة ‏واحدة من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية (م/32 قانون).‏

بناءً عليه، فإن المشرّع منح الجهات الحكومية مهلة سنة واحدة حتى تمهد ‏الطريق الفني لتطبيق القانون، وهذه المهمة ملقاة بشكل أساسي على:‏

‏وزير العدل: الذي تقع عليه مهمة اختيار الأقسام المساحية التي سيطبق عليها ‏السجل العيني (م/7 لائحة).‏

‏ بلدية الكويت: التي يقع عليها العبء الفني الأكبر من حيث الكشوف المساحية ‏على الطبيعة، ورسم الخرائط والمسطحات اللازمة لتحديد أوصاف كل عقار، ‏وحفظ صحائف عقارية لكل عقار أيضا (م/9 لائحة).‏

ويفترض أنه مع نهاية مدة السنة من تاريخ نشر القانون رقم 21/ 2019 أن يكون ‏القانون نافذاً فنياً وقانونياً، عندها يبدأ التزام بلدية الكويت بإخطار أصحاب الحقوق ‏بما آلت إليه بيانات الصحيفة العقارية التي تخص مصالحهم خلال مدة سنة من ‏تاريخ العمل بهذا القانون (م/7 قانون).‏

لكن ماذا إذا لم تستطع الجهات الحكومية تحضير البيئة الفنية المطلوبة ‏لتطبيق القانون؟ هل توجد فترة قانونية ضمنية يفرضها الواقع قبل نفاذ قانون السجل العيني؟

لم يجب القانون 21/ 2019 عن هذا التساؤل، أي أن المشرّع لم يضع في حسبانه ‏مجرد إمكانية تأخر وزير العدل عن اختيار الأقسام المساحية الخاصة بالسجل ‏العيني، أو تأخر بلدية الكويت في تحضير المستندات الفنية والإدارية اللازمة لقيد ‏الحقوق والتصرفات كما نص القانون.‏



لذا، فإن حلول تاريخ نفاذ القانون -أي بعد انتهاء سنة من تاريخ نشره في الجريدة ‏الرسمية- يجعل قواعد القانون واجبة التطبيق.‏

لكن المشكلة أن وجوب التطبيق النظري يتعارض مع استحالة التطبيق العملي. ‏وبغض النظر عن الجهة التي تتحمَّل مسؤولية هذا التأخير، فإن الحديث عن نفاذ ‏قانون يستحيل تطبيقه على أرض الواقع أمر غير منطقي.‏

وفي هذا الخصوص، نجد أن اللائحة التنفيذية لقانون السجل العيني أجابت ‏بشكل غير مباشر عن التساؤل الخاص بتطبيق القانون النافذ نظرياً، رغم أنه مستحيل ‏التطبيق فنياً وعملياً،‏ حيث جاء في نص اللائحة: «عند بدء سريان القانون في الأقسام المساحية يرسل ‏مكتب السجل العيني إخطاراً مع العلم بالوصول لأصحاب الشأن...» (م/10 لائحة).‏

فلم يذكر نص اللائحة هذا أن سريان القانون يبدأ مع انتهاء المهلة القانونية -وهي ‏السنة من تاريخ نشره- بل وضعت اللائحة بشكل غير مباشر تاريخاً آخر لنفاذ ‏القانون، ألا وهو سريان القانون في الأقسام المساحية التي اختارها وزير العدل.‏

يشير هذا النص بشكل غير مباشر إلى أن سريان القانون يستحيل أن يبدأ قبل اختيار ‏الوزير للأقسام المساحية المطلوب تطبيق القانون عليها وانتهاء الإجراءات الفنية ‏والإدارية الخاصة بتحضير السجل.‏

أي أن اللائحة تقول بشكل ضمني إن القانون قد يعتبر نافذاً نظرياً، لكنه لن يسري ‏في الواقع إلا إذا تم اختيار الأقسام المساحية وانتهاء إجراءات التحضير لتطبيق ‏القانون.‏

وهنا نتساءل:‏ كيف نظر القضاء الكويتي إلى هذه الإشكالية؟ وما الاتجاهات الأساسية في ‏تفسير النصوص الخاصة بنفاذ قانون السجل العيني؟ وكيف اعتبر جانب من القضاء الكويتي بأن قانون السجل العيني دخل حيز ‏النفاذ؟

صدر حكم محكمة التمييز بالطعن رقم 4082 لسنة 2021 تجاري/1 بتاريخ 25 ‏مايو 2022، وقد أكدت المحكمة على المبادئ التالية:‏

‏عدم رجعية القوانين، فالقانون النافذ على عقد بيع عقار يبقى نافذاً على جميع ‏الحقوق التي نشأت في ظل هذا القانون.‏

‏تطبيق القانون القديم على آثار التصرفات المستقبلية التي نشأت في ظل هذا ‏القانون، حتى وإن صدر قانون جديد بأحكام مخالفة، فإذا أراد المشتري إقامة دعوى ‏تثبيت بيع لعقد مبرم في 2013، فينطبق عليه مرسوم بقانون رقم 5/1959، وليس ‏قانون السجل العيني رقم 21/ 2019.‏

‏الاستثناء من هذه القواعد هو النظام العام، وهي الحالة المذكورة في قانون ‏السجل العيني رقم 21/ 2019 الذي نص على ضرورة قيد دعوى البيع العقاري على ‏صحيفة العقار تحت طائلة عدم سماعها، ليس فقط بخصوص الدعاوى الجديدة ‏التي تقام بعد العمل بهذا القانون، بل حتى بخصوص الدعاوى القديمة التي أقيمت ‏قبل صدور هذا القانون أصلاً، حيث تم منح أصحاب الدعاوى القديمة هذه مهلة ‏‏60 يوماً من تاريخ طلب التأشير على صحيفة العقار بطلبات الدعوى، حتى يتم ‏إبراز بيان عقاري فيه إشارة للدعوى على صحيفة العقار.‏

بناءً عليه، قضت محكمة التمييز برد دعوى البيع، لأن المدعي لم يبرز بياناً عقارياً ‏عليه تأشير بالدعوى على صحيفة العقار وفق أحكام قانون السجل العيني ‏‏21/ 2019، الذي اعتبرته المحكمة أصبح نافذاً.‏

• ما مبررات الجانب الثاني من القضاء الكويتي الذي يقول بعدم دخول قانون ‏السجل العيني حيز النفاذ بعد؟

ذهبت محكمة الاستئناف المدنية في حكم حديث صادر في 2022 إلى أن قانون ‏السجل العيني رقم 21/ 2019 لم يدخل حيز النفاذ بعد.‏

وكان موضوع الدعوى يتناول حق ميراث عقار، وهي من الحقوق واجبة القيد ‏عبر التأشير على صحيفة العقار في السجل العيني حتى تنشأ، وتعتبر قاعدة التأشير ‏هذه من النظام العام، الأمر الذي يوجب على المحكمة عدم سماع الدعوى في حالة ‏عدم التأشير وفق القانون 21/ 2019 (م/11)، وقد خلت الدعوى المنظورة أمام ‏المحكمة من أي شهادة تثبت هذا التأشير، الأمر الذي كان حرياً بعدم سماع الدعوى، ‏كما ذهبت محكمة التمييز في حكمها المشار إليه سابقا.‏

لكن محكمة الاستئناف استعلمت من مدير الإدارة العامة للتسجيل العقاري، الذي ‏أفاد بأن القانون رقم 21/ 2019 لم يعمل به حتى الآن، كما أرسل المدير المذكور ‏صورة صادرة من رئيس المكتب الفني لقطاع التسجيل العقاري والتوثيق تفيد بأنه لا ‏يمكن الاستجابة لطلب شهادة تدل على التأشير في السجل العيني عن العقار ‏لاستحالة تنفيذه.‏

فرغم وجوب نفاذ قانون السجل العيني لمرور سنة من تاريخ نشره (م/32 ‏قانون)، فإن مدير إدارة التسجيل العقاري أفاد للمحكمة بأنه من الواجب قبل ‏تطبيق القانون صدور قرار من وزير العدل بتحديد المنطقة المساحية التي يسري ‏عليها القانون، وهو الأمر الذي لم يحصل بعد. وهكذا، فإن العمل في الدوائر العقارية ‏لا يزال جارياً وفق المرسوم 5/ 1959 بشأن التسجيل العقاري، لحين صدور القرار ‏الوزاري بتحديد الأقسام المساحية وفق خطاب المدير المذكور.‏

وهكذا، فقد حكمت محكمة الاستئناف بأن شرط التأشير على الصحيفة العقارية ‏لسماع دعوى الميراث بالنسبة للورثة هو بدعة، كما ذهبت وفق مرسوم بقانون ‏‏5/ 1959 رغم تعديل هذا المرسوم وإقرار وجوب التأشير (المادة 11 مكرر 1 ‏الصادرة بالمرسوم بقانون رقم 73/ 1979).‏

كما أقرت المحكمة بأن قانون السجل العيني رقم 21/ 2019 -الذي نص على شرط ‏التأشير لسماع الدعوى- لم يدخل حيز النفاذ بعد، وعليه يجب تطبيق المرسوم ‏بقانون رقم 5/ 1959.‏

وهكذا حكمت بصحة الدعوى بموضوع ميراث عقار دون وجود تأشير للدعوى.‏

• ما رأينا إزاء نفاذ قانون السجل العيني رقم 21/ 2019؟

يبدو أن رأي محكمة الاستئناف في حكمها المذكور ذهب مع نص المادة 10 من ‏اللائحة التنفيذية لقانون السجل العيني، التي لم تتحدث عن نفاذ القانون إلا ‏بالتوازي مع سريان القانون على الأقسام المساحية، والتي يقرر وزير العدل البدء ‏بتطبيق القانون عليها، وهو ما يجب أن يتوازى أيضاً مع تحضير بلدية الكويت ‏للخرائط والصحائف العقارية المطلوبة.‏

وفي الحقيقة، لا يمكن للقضاء تطبيق قانون يستحيل تنفيذ قواعده على أرض ‏الواقع، حتى إن كانت نصوصه تقول إن القانون أصبح نافذاً من الناحية الزمنية ‏النظرية البحتة، حيث إن نفاذه في مثل هذه الحالة يبقى حبراً على ورق.‏

وهنا يكون البطء في التحضير والتنفيذ الحكومي للمرحلة الانتقالية الفنية نحو السجل ‏العيني، عاملاً موجباً لعدم التطبيق القضائي للقانون، والقول بغير ذلك يعني طلب ‏شيء مستحيل من أحد أطراف الدعوى، وهو تقديم شهادة تأشير على صحيفة ‏عقارية غير موجودة أصلاً، الأمر الذي يتنافى مع المنطق ويخالف العدالة بشكل ‏صريح.‏

بناءً عليه، فإننا نذهب مع رأي محكمة التمييز الذي يقول بنفاذ القانون 21/ 2019 ‏في حالة وجود صحيفة عقارية للعقار محل الدعوى من جهة، وبعدم نفاذ هذا ‏القانون بأمر الواقع ووفقاً للمادة 10 من لائحته التنفيذية إذا لم تكن الصحيفة ‏العقارية للعقار محل الدعوى موجودة لدى إقامة الدعوى، واستحال على المدعي ‏التأشير بإشارة الدعوى على الصحيفة من جهة أخرى.‏

back to top