من صيد الخاطر: «إذا كان الغراب دليل قوم»

نشر في 15-09-2023
آخر تحديث 14-09-2023 | 18:45
 طلال عبدالكريم العرب

قالت العرب المتشائمون من الغراب كثيرون، فقالوا: غراب البين، وأشأم من غراب البين، وأبطأ من غراب نوح، لمن يذهب في أمر فلا يعود، إشارة إلى الغراب الذي أرسله نوحاً، عليه السلام، لينظر هل انحسر الطوفان، فغاب ولم يرجع، وأكثر ما قيل عنه كان تشاؤماً، فمثلاً قيل:

إذا كان الغراب دليل قوم

يمر بهم على جيف الكلاب

وقولهم:

ومن يكن الغراب له دليلاً

فناووس المجوس له مصير

والناووس هنا هو صندوق من خشب أو حجر منقور يضعون فيه الميت. وهناك أبيات غيرها متشابهة قيلت لغرض واحد، وهو أن من يستعين بمن يشبه الغراب من البشر فمصيره الهلاك والخسران، فالغراب عند العرب دليل ورمز للشر، والخراب، يسوق من يتبعه إلى الرذائل والشرور، فأجمعوا على ألا يؤخذ بنصح الدنيء واللئيم كالغراب، كما قيل عن الغراب المعروف بذكائه عندما أراد التشبه بغيره:

إن الغراب وكان يمشي مشية

فيما مضى من سالف الأجيالِ

حسد القطاة ورام يمشي مشيها

فأصابه ضرب من العُقّال

فأضلّ مشيته وأخطأ مشيها فلذاك سمَّوه أبا المِرقال

والمقصود في العقّال هنا داء يصيب الأرجل، والمرقال يعني المسرع، فهي أبيات تسخر من يقلد غيره فنسي ما كان عليه.

أما المتنبي فقال حكمة عن الغراب:

لا تشكوَنّ إلى خلقٍ فتشمتَه

شكوى الجريح إلى الغِربان والرَّخَم

إلا أن الغراب لم يكن عند العرب رمزا للبين والخراب فقط، فكان أيضاً رمزاً لمعانٍ طيبة أيضاً، فيضرب به المثل في البكور، وفي الحذر، وفي السواد الذي كثيراً ما يكون مستحباً، فهو كذلك مضرب للأمثال، فيقال مثلاً: بكرت بكور الغراب، ويقال: فلان أحذر من الغراب، وفي وصف الأرض المخصبة، يقال: أرض لا يطير غرابها، كما يقال تعبيراً عن الوقار والوداعة: هو واقع الغراب.

ومن الأمثال المستمدة من شدة وثبات سواد الغراب، قولهم للشيء المستحيل: دون هذا شيب الغراب، فيقال في ذلك مثلاً: طار غرابه، أي شاب شعره، ومن ذلك قول الشاعر:

أَيا بومَةً قَد عَشَّشَت فَوقَ هامَتي

عَلى الرُغمِ مِنّي حينَ طارَ غُرابُها

ومثل ذلك وأرق منه القول:

وليلى ترى الفجر في عطفه

كما شاب بعض جناح الغراب

إلا أن أهم المعاني التي تنوه بمناقب الغراب هي تميزه بحسن اختيار بعض مآكله، فيقال: الغراب أعرف بالتمر، فهو لا يأخذ من تمر النخيل إلا الأجود، ولذلك يقال لمن وجد شيئاً نفيسا: وجد تمرة الغراب.

الطريف أن بعض العرب كانوا يتفاءلون بالغراب، فيقولون: إذا صاح الغراب مرتين كان ذلك نذيراً بشرّ، أما إذا صاح ثلاث مرات فذلك بشير بخير، فمتى يأتي يوم فيصم آذاننا نعيق الغربان ثلاثاً؟

back to top