هل ننسى دورهم؟! (15)

• دور أهل الكويت في مواجهة الأوبئة والكوارث الطبيعية (2)

نشر في 30-08-2023
آخر تحديث 30-08-2023 | 21:42
باسم اللوغاني
باسم اللوغاني
ليس في العالم، في كل دول العالم، مواطن أكبر من وطنه مهما بلغ هذا المواطن من القدر أو سما في الموقع. ولكن في كل دول العالم، روّاد في مجالاتهم وفي أزمانهم، تكبُر الأوطان بهم، وتعزُّ بشمائلهم، وتحرص على تخليد ذكراهم في وجدان شعوبهم. إلى أمثال هؤلاء في مسيرة الكويت، ممن عطّروا جدائلها بأخلاقهم، ورصّعوا عباءتها بمواقفهم، ورسّخوا حرياتها برؤاهم، أكتب هذه الحلقات.
 باسم اللوغاني

من عام 1868 وإلى عام 1871 انتشرت المجاعة في المناطق التي حول الكويت، ومات الكثير من الناس بسبب الجفاف والجوع، لذلك اتجه الكثير منهم إلى الكويت التي كان الطعام فيها متوافراً والحياة فيها شبه طبيعية.

سميت تلك السنة بسنة «الهيلق» أو «الهيلك» وأرَّخ بها الكويتيون كما يفعلون في بعض الأحيان، وكان ذلك في زمن الحاكم الخامس الشيخ عبدالله الثاني الذي بذل ما في وسعه لتخفيف معاناة القادمين. ومن أشهر مَن بذل ماله وما يملك في إغاثة المحتاجين التاجر يوسف البدر والتاجر يوسف الصبيح وأسرة معرفي والتاجر سالم بن سلطان وأسر كويتية ثرية، حيث قدموا الطعام والشراب إلى الفقراء والمحتاجين بدون مقابل ولمدة طويلة... وقد امتدح أحد الشعراء اليوسفين (البدر والصبيح) بأبيات منها:

إن الكويت حماها الله قد بلغت

اقرأ أيضا

باليوسُفَين مكان السبعةِ الشهبِ

تاللهِ ما سمعتْ أذني ولا بصرت

عيني بعزهما في سائر العربِ

فيوسف بن صبيح طيب عنصره

أزكى من المسكِ أن يعبق وأن يطب

ويوسف البدر في سعدٍ وفي شرفٍ

بدرُ الأماجد لم يَغرب ولم يغبِ

وقد تعرض أهل الكويت في عام 1918 لوباء الكوليرا فمات الكثير من الناس، وخصوصاً الأطفال. يقول المرحوم د. صالح العجيري في مقال له إن سنة الرحمة سميت كذلك «لكثرة من توفي فيها من الناس، لا سيما الأطفال بسبب وباء الإنفلونزا».

وأخبرني العم ناصر حمد الفلاح أنه وُلِد قبل عام من وفاة والدته في عام الرحمة حيث كثرت الوفيات، ومن كثرة الترحم على الأموات سميت بسنة الرحمة.

وفي عام 1932، انتشر وباء الجدري في الكويت، فقضى على الكثير من أهلها وسكانها، ومن بقي منهم حياً ممن أصيب بالمرض أصابه «الخرش» كما نقول باللهجة الكويتية وهي آثار على الوجه والجسم لا تختفي مدى الحياة، وقد رأينا الكثير منهم في حياتنا قديماً.

وقد قدرت الوفيات في تلك السنة بما يزيد على ثلاثة آلاف (من إجمالي تعداد السكان في ذلك العام وهو خمسون ألفاً) أغلبهم من الأطفال.

ولمن يريد تفاصيل عن تلك الأمراض القاتلة وتاريخها في الكويت، فليرجع إلى كتاب «الأمراض الفتاكة في تاريخ الكويت» لكاتبه د. محمد إبراهيم الشيباني. ولا بد من الإشارة إلى دور أحد أبناء الكويت في مكافحة الأوبئة، وهو الشيخ مساعد بن عبدالله العازمي الذي تعلم كيفية التطعيم في مصر عام 1885 ومارسه في الكويت ومناطق خليجية أخرى وأنقذ حياة الكثيرين؟ وهل ننسى ما وقع على الكويت من أضرار كبيرة وهدم للبيوت فيما نسميه بسنة الهدامة الأولى (1934) وسنة الهدامة الثانية (1954)؟ لقد نزلت أمطار غزيرة على الكويت في عام 1934 مع دخول شهر رمضان أسفرت عن أضرار ضخمة تكبدها آلاف الكويتيين حيث تهدمت مئات المنازل مما دفع أهلها إلى اللجوء للمدارس والمساجد وبعض المباني الحكومية، ومن شدة ما وقع عليهم، اعتبرها الناس من الحوادث النادرة التي لا تنسى في تاريخ الكويت وأرخوا بها مناسباتهم وأحداثهم.

ويمكن الرجوع إلى كتاب «سنة الهدامة في وثائق آل الخالد» الذي أصدره مركز البحوث والدراسات الكويتية لمعرفة تفاصيل كثيرة حول الأضرار الجسيمة التي تعرض لها الكويتيون وشرحتها وثائق أسرة الخالد الكريمة. يقول المرحوم مهلهل بن حمد الخالد مخاطباً والده: «بيت الهولي طاح، مسجد بن شرهان طاح، بيت الياسين طاح، بيت علي بن حسين وبيت السبيعي وبيت عبدالعزيز الحميدي طاحوا... بيت سلطان طاح شقه اللي على السكة، بيت زيد المحمد وبيت كزبوه طاحوا، بيت جعفر الذي أخذه ابن بحر وبيت عبدالعزيز الفهد الحميدي وجاخور مشعان وبيت البناي الذي لكم وما كان مجاورهم من الجنوب جميعهم طاحوا...». هذه تفاصيل بسيطة لما تعرض له أهل الكويت من كوارث وأمراض وأوبئة خلال الأزمنة الماضية. فهل ننساهم وننسى صبرهم وثباتهم؟! هل ننسى كيف أنقذ أهل الكويت القادمون من الخارج في سنة الهيلق؟ هل ننسى دورهم؟!

back to top