هل ننسى دورهم؟! (14)

• دور أهل الكويت في مواجهة الأوبئة والكوارث الطبيعية (1)

نشر في 29-08-2023
آخر تحديث 28-08-2023 | 19:35
باسم اللوغاني
باسم اللوغاني
ليس في العالم، في كل دول العالم، مواطن أكبر من وطنه مهما بلغ هذا المواطن من القدر أو سما في الموقع.
ولكن في كل دول العالم، روّاد في مجالاتهم وفي أزمانهم، تكبُر الأوطان بهم، وتعزُّ بشمائلهم، وتحرص على تخليد ذكراهم في وجدان شعوبهم.
إلى أمثال هؤلاء في مسيرة الكويت، ممن عطّروا جدائلها بأخلاقهم، ورصّعوا عباءتها بمواقفهم، ورسّخوا حرياتها برؤاهم، أكتب هذه الحلقات.
 باسم اللوغاني

مرت على الكويت أمراض وأوبئة عظيمة كانت نتائجها شديدة ومؤلمة على سكانها، فقد مات آلاف الناس بسبب الطاعون عام 1831، وانتشر الجوع في سنة الهيلك (1868-1871)، وانتشر مرض الكوليرا (سنة الرحمة) في عام 1918، وأصيب الآلاف بمرض الجدري عام 1932.

ومن المؤكد أن أهل الكويت لم يتركوا بلدهم رغم كل ذلك، ولم يتخلوا عن أرضهم، بل تشبثوا بها وواجهوا هذه الأمراض والأوبئة والكوارث بصلابة واحتساب، وهم يتذكرون قول الله تعالى «إن الله مع الصابرين».

سأتحدث في مقال اليوم عن سنة الطاعون وما جرى فيها، من واقع ما وردنا من روايات قليلة ذكرت في المصادر المتوفرة، ومن واقع بعض المقابلات التلفزيونية التي سجلت في الستينيات من القرن الماضي مع رجال من الكويت امتدت أعمارهم إلى ما فوق الثمانين.

اقرأ أيضا

وقع الطاعون عام 1831 حيث انتقل إلى الكويت من البصرة وانتشر في الكويت بشكل سريع وقاتل، وكان ذلك في فترة أشهر الصيف الحارة، حيث كان الكثير من الرجال يعملون خارج الكويت في الغوص.

يقول الشيخ عبدالعزيز الرشيد في كتابه «تاريخ الكويت»: «في سنة 1247هـ أصيبت الكويت بطاعون عظيم قضى على كثير من أهلها حتى كادت تصبح منه قفراً يباباً، لولا المسافرون من أهلها الذين لم يتراجعوا إليها إلا بعد صفاء جوها من تلك الظلمة، رجعوا إليها ولكن وجدوا الطاعون قد فتك بكثير من نسائهم فاضطروا إلى استقدام عوضهن من البلاد المجاورة، كالزبير ونجد وغيرهما، وبذلك حفظوا البلد من العدم والفناء، وفي أثناء تلك المعمعة أغلق أهل بيت في الشرق دارهم وادخروا فيها ما يكفيهم من طعام وشراب ولم يسمحوا لأحد بالدخول عليهم خوفاً من العدوى، فكان هذا البيت من جراء هذا التحفظ هو الوحيد في الكويت الذي لم يصب من يد الطاعون بضرر غير أن امرأة منهم حاولت الخروج لتنظر ما أصاب أهلها فأنزلوها بحبل من السطح، ثم رجعت إليهم أخيراً فلم يفتحوا لها فرجعت أدراجها وقضى عليها كما قضى على غيرها».

ويقول المؤرخ حمد السعيدان في موسوعته المعروفة إن الطاعون «مرض انتشر في الجزيرة العربية، ومنها الكويت في يونيو 1831م، ومات جميع السكان عدا الذين هربوا وأقاموا في عشيش في الشويخ بعيداً عن المدينة وامتلأت المقابر وأخذ الناس يدفنون موتاهم في البيوت»... من يصدق ذلك؟.

ويمضي السعيدان بالقول: «ومن حسن الحظ أن الطاعون وقع أثناء موسم الغوص، حيث كان معظم الرجال في البحر مما حفظهم عن العدوى، وكانت من أعظم الكوارث أن يعود الأبناء ليجدوا الأطلال في استقبالهم، فالأب مات والأم والزوجة والولد». على أثر ذلك، سجل شاعر كويتي آنذاك هذا الموقف فقال:

شفنا المنازل مثل دوي الفضا

عقب السكن صارت خلايا مخاريب

واحسرتي ليمن طرى ما مضى

عصر يذكرني الاهل والاصاحيب

وقد انخفض عدد سكان الكويت بسبب مرض الطاعون إلى الثلث تقريباً، ويؤكد ذلك ما وثقه بعض المستكشفين الأجانب، حيث ذكر أحدهم عام 1767 أن عدد سكان الكويت بلغ 10 آلاف نسمة تقريباً، بينما ذكر آخر زار الكويت بعد انتهاء الطاعون بقليل أن عدد سكان الكويت أربعة آلاف نسمة فقط. وقد اضطر أهل الكويت من الرجال إلى الزواج من نساء من المناطق المجاورة كالزبير والأحساء ونجد وصبروا على ما قسمه الله لهم وأعادوا بناء المجتمع مرة أخرى. هل ننساهم وننسى تضحياتهم؟! هل ننسى صبرهم على قدر الله؟! هل ننسى دورهم؟!

back to top