هل ننسى دورهم؟! (2)

نشر في 14-08-2023
آخر تحديث 13-08-2023 | 19:33
باسم اللوغاني
باسم اللوغاني
ليس في العالم، في كل دول العالم، مواطن أكبر من وطنه مهما بلغ هذا المواطن من القدر أو سما في الموقع. ولكن في كل دول العالم، روّاد في مجالاتهم وفي أزمانهم، تكبُر الأوطان بهم، وتعزُّ بشمائلهم، وتحرص على تخليد ذكراهم في وجدان شعوبهم. إلى أمثال هؤلاء في مسيرة الكويت، ممن عطّروا جدائلها بأخلاقهم، ورصّعوا عباءتها بمواقفهم، ورسّخوا حرياتها برؤاهم، أكتب هذه الحلقات.

عندما نشأت الكويت في القرن السابع عشر الميلادي، لم يكن بها سوى عدد قليل من البشر ممن يمتهنون صيد السمك ويزاولون أعمالاً بسيطة، وقد حفظ لنا التاريخ بعضاً من أسماء هذه الأسر والقبائل، مثل آل بورسلي الكرام، وآل المصيبيح الأفاضل، وغيرهم، إضافة إلى مجموعة قليلة من قبيلة العوازم العزيزة، وكانوا جميعاً يعيشون تحت حماية الدولة «الخالدية» (بني خالد) التي كان مقرها الأحساء آنذاك.

وبعد عقود قليلة من الزمان استقرت مجموعة العتوب التي تتكون من آلاف قليلة من البشر في الكويت وأصبحوا أهلها وغالبية سكانها، واختاروا بعد فترة من الزمن صباح الأول أميراً عليهم.

ولم تكن هناك حكومة ولا موارد مالية لإدارة هذا المجتمع الصغير، ولكن كان هناك نظام تكافلي اشترك فيه كل فرد من أجل الاستمرار والعيش الكريم الآمن؛ فقد كان التاجر يجهز سفينته الشراعية، ليقوم النوخذة بإدارتها والإشراف الكامل على استخدامها، ليعمل عليها المجدّمي، والسكوني، والغواص، والسيب، والنهام، والطباخ، والرضيف، والتباب. لم يعملوا على أساس الأجر مقابل العمل، بل كانوا يعملون كشركاء بحصص متفق عليها مسبقاً ويحصلون على حصصهم بعد انتهاء الموسم؛ سواء كان موسم الغوص أو موسم السفر إلى الهند والموانئ الأخرى.

اقرأ أيضا


وثيقة كتبها الرحالة السوري مرتضى بن علوان عام 1709 عندما مرّ على الكويت ومكث فيها أياماً قليلة، ووصف حالها وتجارتها وأهلها وثيقة كتبها الرحالة السوري مرتضى بن علوان عام 1709 عندما مرّ على الكويت ومكث فيها أياماً قليلة، ووصف حالها وتجارتها وأهلها

المهم أن الدولة، ممثلة بالأمير ومن يساعده، كانت تأخذ منهم ضريبة اختلفت قيمتها باختلاف الأزمان تسمى ضريبة الغوص أو السفر، وكانت تصرف على احتياجات الأمير الرسمية وفريق عمله. وعندما تأتي بضائع إلى الكويت، سواء عن طريق البحر أو البر، كانت الدولة تفرض على هؤلاء التجار ضريبة تجارية لتصرفها على احتياجات البلد. لم تكن هناك مصادر أخرى مالية للصرف على شؤون البلد إلا من خلال هذه الضرائب، ومن خلال فزعة الأثرياء عند الحاجة وفي أوقات الضرورة. إذن، كان استمرار وجود الكويت مرتبطاً مباشرة بما يدفعه الأثرياء والتجار والصناع وغيرهم من الأجيال الماضية للحكومة لكي تستطيع أن تقوم بدورها في تنظيم الحياة الاجتماعية وتنشيط التجارة والمحافظة على الأمن والاستقرار.

هذا هو التاريخ الذي يجب ألا ننكره في مسألة تأسيس الكويت كإمارة صغيرة في بداياتها، وقد استمر هذا النظام التكافلي أكثر من ثلاثة قرون من الزمان، ونمت الكويت وجذبت الكثير من الناس إليها، فجاؤوا ينشدون الأمن والعمل الشريف، وأصبحت قبلة للكثير من المضطهدين في أوطانهم، والراغبين في تطوير أنفسهم وتوفير الحياة الكريمة لأنفسهم ولعائلاتهم. فمن الذي عمل على تحقيق هذه البيئة في الكويت قبل النفط؟ ومن كان وراء استمرار الكويت كأرض مستقلة لها حكمها المتفق عليه ونظامها المتعارف عليه؟ هل ننسى أهل الفضل الذين وضعوا قواعد الاستقرار وصبروا على الحياة الصعبة والقاسية؟! هل ننسى فضل من حافظ على الكويت لتستمر ثلاثة قرون قبل النفط وننكر بذلهم وجهدهم في تعزيز الحياة وتوفير النظام وسبل العيش الكريم؟!

سأتحدث فيما سيأتي من حديث عن فضل الأوائل في بناء الكويت في عدد من المجالات وسأبدأها بموضوع الحروب الماضية، متمنياً أن يتوقف الجاحد عن جحْده، وأن يتعرف الجاهل على من له الفضل بعد الله تعالى في الوصول إلى كويت اليوم.

back to top