هل ننسى دورهم؟! (1)

نشر في 13-08-2023
آخر تحديث 12-08-2023 | 20:00
باسم اللوغاني
باسم اللوغاني
ليس في العالم، في كل دول العالم، مواطن أكبر من وطنه مهما بلغ هذا المواطن من القدر أو سما في الموقع. ولكن في كل دول العالم، روّاد في مجالاتهم وفي أزمانهم، تكبُر الأوطان بهم، وتعزُّ بشمائلهم، وتحرص على تخليد ذكراهم في وجدان شعوبهم. إلى أمثال هؤلاء في مسيرة الكويت، ممن عطّروا جدائلها بأخلاقهم، ورصّعوا عباءتها بمواقفهم، ورسّخوا حرياتها برؤاهم، أكتب هذه الحلقات.

يدور، هذه الأيام، في الكويت سجال فكري بين فئتين؛ إحداهما تقول إنه ليس لأحد ممن سبقنا من الأجيال فضل (أو دور) في تأسيس الكويت ووصولها إلى ما هي عليه الآن من رخاء، واستقرار، وأمن، وثراء، ونظام، وعمران، واقتصاد قوي، وأمان، والأخرى تعزو وضعنا الحاضر المزدهر إلى الأجيال المؤسِّسة التي عاشت في الكويت وساهمت في بنائها وازدهارها.

فأي فئة منهما على صواب؟ وأيهما أقرب إلى المنطق والعقل والحقيقة؟ سأتحدث حول ذلك في حلقات متتالية، وأُبدي وجهة نظري من الناحية التاريخية والفكرية بما يتيسر لي من معلومات وحقائق وشواهد وأفكار.

يرى علماء الاجتماع، وعلى رأسهم العالم العربي ابن خلدون، أن الدول لا تقوم إلا على أسس أهمها الشعب أو (المجتمع المدني) والأرض والمال. وحينما تأسست الكويت قبل نحو 400 عام، كان هناك شعب صغير وأرض ومال، فالشعب هم عدة آلاف ممن أُطلق عليه تحالف العتوب، والأرض هي «القرين» أو «كاظمة»، والمال هو ما توافر في أيدي الشعب من تجاراتهم ونشاطاتهم المهنية.

وتوزعت الأدوار بالتفاهم والحوار، فأصبح لآل صباح الحكم (أي قيادة المجتمع وإدارة الدولة الصغيرة)، وأصبح للآخرين من مكونات العتوب النشاط البحري والتجارة، وهذا ما اتفق عليه جميع المؤرخين.

وبدأ المجتمع المتواضع في الاستقرار والاستمرار، ورغم صعوبة العيش في هذه البقعة من الأرض بسبب ارتفاع الحرارة وقلة الماء وندرة النبات، استطاع العتوب، بفضل الله تعالى، أن يجعلوا من الأرض الطاردة وطناً لهم، وبنوا دولتهم الصغيرة الفقيرة بخطى ثابتة وقوية، ودافعوا عنها بأرواحهم ودمائهم عبر الأيام والسنين. فهل ننسى فضلهم؟

هل ننسى فضل الأسرة الحاكمة في تحمّل المسؤولية طوال أربعة قرون من الزمان مليئة بالتحديات، وقلة الأموال (إلا بعد تصدير النفط)، وقسوة الأعداء، وصعوبة العيش، وخطورة الأوضاع، ومواجهة النزاعات، وحل الخلافات، وتسوية المشكلات؟

وهل ننسى كيف واجهوا مع أبناء الشعب بكل فئاته هجوم بني كعب في معركة الرقة عام 1783؟ وهل ننسى كيف صمدوا في جميع المعارك الأخرى (الصريف، وحمض، والجهراء، وغيرها) ولم يتخلَوا عن الكويت؟ وهل ننسى فضل مَن ضحّوا بأرواحهم ليس طمعاً في مال أو مكافأة، بل رغبة في حماية أرضهم وأهلهم؟ وهل ننسى فضل مَنْ قدموا لبلدهم أموالَهم قبل أن يكون هناك نفط ولم يترددوا في دعم مجتمعهم بأشكال كثيرة؟ هل ننساهم وننكر فضلهم؟

وهل ننسى فضل الأجيال المتعاقبة التي ساهمت في بناء البلاد وكانت سبباً في استقرارها من تاجر، وثري، وصاحب حرفة، وعالم دين، ومعلم تربوي، وصاحب متجر، وبحّار، وبنّاء، وقلّاف، ومحارب، وصائغ ذهب، ونجار، وحداد؟... كل هؤلاء قدموا للكويت الكثير في وقت يصعُب فيه تقديم أي شيء، فهل ننسى فضلهم؟

إن الأمة التي تنكر فضل أجيالها السابقة ورجالها الصالحين أمة أنانية ناكرة للفضل ولا تستحق أن تُذكر في التاريخ، ولن تنظر إليها الأجيال اللاحقة إلا بنظرات مريبة.

في المقالات القليلة المقبلة، وإنصافاً لمَنْ كان لهم فضل في تأسيس الكويت وازدهارها، سأذكر للقراء الكرام معلومات كثيرة عن مساهمات أهل الكويت ورجالاتها قبل النفط في دعم البلاد وحمايتها وتعزيز اقتصادها وتجارتها.

back to top