في الصميم: فخاخ تبذيرية

نشر في 05-07-2023
آخر تحديث 04-07-2023 | 18:03
هناك فخاخ تبذيرية كثيرة نصبت لتخنق الكويت مستقبلاً ومنها تخصيص 200 دينار لما يسمى «مكافآت الطلبة»، مهما كان تخصص الطالب ومهما كان مستواه متدنياً، فتزايد الطلبة الطامعون بهذا المبلغ بلا جهد ولا تعب، وزادت أعداد من زوروا شهاداتهم بصورة مذهلة.
 طلال عبدالكريم العرب

‏الواضح والبين أن الحكومات المتعاقبة، ومعها نوائب كُثر في مجالس الأمة السابقة واللاحقة لا يهمهم من أمر البلد شيئاً، ما يهمهم إما كسب الولاءات، وإما كيفية ضمان عودتهم إلى مقاعدهم، رغم أن ما فعلوه عواقبه وخيمة على الكويت وعلى مستقبل أجيالها، بل حتى جيلنا الحالي، وقد فشل الاثنان.

مقترحات النوائب التبذيرية وانصياع الحكومات المتعاقبة لها تحولت إلى فخاخ مالية لدولة الكويت سيكون من الصعب عليها التخلص منها، فخاخ صبّت لمصالح ضيقة وآنية، فهي مكلفة جداً على المديين القريب والبعيد، وأخطر ما فيها أنها تتمدد وتتكاثر حتى خارج البلد، وقد بان تأثيرها على ميزانيات الدولة منذ سنوات، ولكن الحكومات بلا استثناء كانت متخاذلة.

أحدها زيادة رواتب قطاع النفط التي تمت على يد الوزير والنائب الأسبق محمد البصيري وبمباركة وسكوت مريب من رئيس الحكومة في وقته، فقد كانت نتائج تلك الزيادة الفلكية وغير المبررة كارثية على قطاع النفط بأكمله، وعلى وضع رواتب الكويتيين في القطاعين العام والخاص، فقد تزايدت أعداد الموظفين في قطاع النفط إلى حد التخمة طمعاً بتلك الرواتب، والسيئ أن هذه الزيادات المبالغ فيها لم يقابلها لا زيادة في العمل ولا في الأداء، ولا حتى في بذل المزيد من الجهد، المشكلة أن ازدياد عدد الموظفين أدى إلى التكاسل والتسيب، فعدد الموظفين أكثر مما يحتاجه القطاع بكثير، أما الأسوأ فهو أن معظم من تسربوا إلى هذا القطاع الاستراتيجي كانوا بالواسطة، ومن دون مراجعة شهادات بعضهم المزورة.

طبعاً هناك فخاخ تبذيرية كثيرة نصبت لتخنق الكويت مستقبلاً ومنها تخصيص 200 دينار لما يسمى «مكافآت الطلبة»، مهما كان تخصص الطالب ومهما كان مستواه متدنياً، فتزايد الطلبة الطامعون بهذا المبلغ بلا جهد ولا تعب، وزادت أعداد من زوروا شهاداتهم بصورة مذهلة، وتحولت جامعات الكويت وكلياتها إلى مفرخة هائلة لمخرجات تعليمية فاشلة علماً وأداءً.

الآن مجلس الأمة نصب شراكاً تبذيرية جديدة وبكلفة أكثر وعواقب أوخم، ومنها إضافة ربات البيوت إلى نظام «عافية»، هذا النظام الخاص بالمتقاعدين يكلف الدولة حالياً حوالي 354 مليون دينار، وهو أصلاً مبلغ كبير جداً، هذا النظام زاد أعداد المستشفيات التجارية الخاصة بشكل جنوني، وأفرغ المستشفيات الحكومية من أكفأ أطبائها، وجعلها وكأنها بنيت لغير الكويتيين.

مبلغ تكلفة عافية على الدولة سيزداد إلى ضعفين وعلى الأرجح إلى ثلاثة أضعاف، فالمستفيدات منه كثيرات جداً، وهناك من لديه أكثر من ربة بيت، سواء داخل الكويت أو خارجها، وعندما تُقر إضافتهن ستتصاعد صيحات نائبية جديدة تطالب بأن يكون من حقهن الاستفادة من نظام عافية وهن خارج الكويت أيضا، وهذا شرك محتمل جداً حصوله وستبلعه الحكومة كعادتها.

فإذا كان الهدف من نظام عافية استفادة المتقاعدين الكويتيين من الرعاية الصحية الخاصة والمميزة، فما المانع من توفير تلك المبالغ الهائلة لبناء مستشفيات عالمية المستوى للمتقاعدين بدلاً من إهدارها على نظام صحي جديد بدأ يتمدد كالأخطبوط؟ وهل هناك سر يمنع الحكومة من ذلك؟

البديل الاستراتيجي هو الفخ الثاني، والذي نشكر الحكومة على توضيحها المهم بأن ما نشر عنه غير صحيح، فالبديل الاستراتيجي يجب أن ينظر إلى مشقة العمل، والأداء المتميز، والكفاءة، ومستوى المسؤولية الملقاة على عاتق الموظف، فيجب ألا يكون المعيار هو تساوي الشهادات أو المسميات الوظيفية، ويجب ألا يتساوى ذوو التخصصات الأدبية السهلة بذوي الاختصاصات النادرة والصعبة، ويجب ألا يتساوى ذوو الدرجات الواحدة، فالموظف الجالس في مكتبه بلا جهد ولا أداء يجب ألا يتساوى مع من يساويه في الدرجة لكنه معرض للعوامل الجوية الصعبة والعمل الجدي الشاق والمسؤولية الملقاة على عاتقه.

الفخ الثالث هو المطالبة بزيادة ما يسمى زوراً «مكافأة الطلبة» من 200 إلى 300 دينار، هذه المطالبات المادية المخربة للطلبة أعمت قلوب البعض وأنست آخرين أن الكويت لا تزال تعاني سوء إدارة مالية وإدارية، وأن هناك مشاريع مهمة يمكن صرف هذه المبالغ المهولة عليها لتدر أموالاً إضافية.

حكومات الكويت ومجالسها «نائمين» في العسل، العالم والأمم والأشقاء من حولنا علّموا شعوبهم الاعتماد على النفس والعمل الشاق، أما هنا فالكل بلا استثناء استمرأ العيش في أحلام سيأتي يوم ويعضون فيه أصابع الندم على إهدار أموال لن تسترد.

الطيور طارت بأرزاقها، وربعنا يتسابقون على استنزاف أموال البلد تحت مسميات تدغدغ عواطف الناخبين، وسيكتشف من بيدهم أمرنا، ولكن بعد فوات الأوان، أن هناك من استفاد ويستفيد من هذه الفخاخ من خارج الكويت، وستتضاعف المصاريف، ولكن بعد ماذا؟

نقول: لقد خسرنا الداو، وتأخرنا من الاستفادة من إنجاز المصفاة الرابعة في وقتها، وتطوير حقول الشمال، وغيرها من مشاريع تنموية مهمة جدا، ويبدو أننا سنفلس أيضاً من ميناء مبارك وتطوير الجزر، وحتى من حلم مدينة الحرير.

back to top