50 عاماً محفورة بالحبر ومكتوبة على الورق
كنت، على مدى سنوات وأنا في «القبس»، أتولى ملف أحداث العام، نصدر صفحات تشترك فيها أقسام الاقتصاد والرياضة والمحليات والخارجيات والثقافة، تتحول إلى حلبة منافسة بين الأقسام نفسها بالصحيفة، وبين «القبس» والصحف الزميلة، نتبارى فيها بالأفكار التي تُطرح والزوايا التي نتناول أحداث سنة مضت، بحيث تصبح مرجعا موثقا وذا قيمة معرفية.
أكثر من مرة تتاح لي وللزملاء كتابة مقال أقرب إلى التمنيّات والتوقعات، وهو بخلاف تنبؤات ليلى عبداللطيف وميشيل حايك، والوجوه التي تتكرر كل سنة على الشاشات، يتبارزون فيما بينهم على الرؤى التي يجهدون عقلهم بالوصول إليها.
سنة بعد سنة كبرت الأسئلة، وصار العمر أشبه بـ «صندوق مغلق» نتحسر فيه على أيام مضت، لأنّ ما نعيشه يزداد سوءا وانحدارا.
أنا الآن في طريقي إلى بلوغ الـ 50 عاما بالكويت مع قدوم السنة الجديدة 2026 التي نستعد لاستقبالها، وسط حالة من السقوط المدوّي على مستوى الأحوال السياسية والاقتصادية في المغرب العربي والمشرق، خاصة في بلاد الشام وما أصابها من نكبات بتنا مغلولي الأيدي والكلام الحر، حتى أصواتنا لم تعد تُسمع.
قدّمت أوراق اعتمادي إلى الزميل أحمد الصراف، لإضافة اسمي إلى من أمضى 50 عاماً في الكويت من خلال جمعية الصداقة الكويتية الإنسانية، لعله في ذلك يمنحني شهادة الانتماء إلى نادي أصحاب الخمسين سنة بالكويت في بلد لم يفارقني يوما في رحلتي مع الصحافة والكتابة وعالم التوثيق والأرشفة.
صحيح أن أفضل سنوات العمر إنتاجية تبدأ بعد الـ 50، لكنني اكتشفت بالتجربة أن السبعينيات لا تقل أهمية عن سابقاتها، فالنضج يبلغ أعلى مراتبه، والآفاق تتوسع برؤية تجعلك في موقع مراجعة مع النفس، وتسأل: هل الطريق الذي مشيت فيه كان الأفضل؟
الحقيقة أنني وجدت في مفكرتي الشخصية ما يمنحني الرضا عن النفس، فجردة الحساب على صعيد المهنة التي لم أخترها بنفسي كانت، إلى حدّ كبير، مصدر سعادتي من تأسيس أهم مركز معلومات ودراسات في «القبس» العزيزة على قلبي، ومن إصدارات كتب وثّقت فيها خبراتي التي اكتسبتها، ونشر تحقيقات ودراسات ومقالات وضعت جزءا كبيرا منها على موقعي الإلكتروني (hamzaolayan.com).
كانت لي مساهمات ولا زالت في حقل الكتابة بجريدة الجريدة ومع زملاء أعزاء عرفت غالبيتهم منذ أيام «القبس» الأولى، ومع مالك الصحيفة الذي لازمته منذ أكثر من ربع قرن، وهو الأخ العزيز والأستاذ محمد جاسم الصقر.
الكويت بالنسبة لي ذلك الحضن الذي لم يبارح عقلي، فهو البلد الذي صادقته والناس الذين عرفتهم وصار بيني وبينهم مودّة ومحبة ولي فيه ذكريات ومواقف
وأحداث راسخة في الذاكرة وصفحات محفورة بالحبر ومكتوبة على الورق.