فارعة أعادت لـ «عائشة» روح المكان دون تشويه
تتحاشى النظر إلى الأبراج العالية وأنت وسط شارع فهد السالم، وما إن تقترب من المكان حتى تنهض أمامك عمارة تعود بك إلى الزمن الأول، هنا مدرسة عائشة، تحمل أصالة بنيان ثابت في الأرض.
لم تشأ السيدة فارعة السقاف أن تترك لي مساحة للجلوس، بل رافقتني بجولة أعادت فيها الحديث عن كل ما هو جميل بالعمارة الكويتية القديمة.
شعرت أن روحها انتقلت إلى هذا المبنى الحلم، الذي تحوّل إلى واقع بعد رحلة مضنية، ها هي «لوياك» تنتقل من المدرسة القبلية إلى مدرسة عائشة.
بعد أن قطعت مسافة من العمر «ببناء البشر» جاء دور «بناء الحجر»، هكذا اختصرت القصة، والحديث لم ينته هنا، والتطابق بين الشعار والواقع هو ما تجسّده «لوياك» في نهجها وأعمالها، تحافظ على الأصالة بروح عصرية، لا تفصل فيها بين الشباب والهوية الوطنية، فالحداثة بمفهومها العصري لا تعني الانفصال عن الجذور.
ما رأيته كان في ليلة هادئة بعيدة عن صخب الشوارع وأضواء الأبراج التي تلتف من حولك، وإن كان البحر قريباً من ناظريك، إلّا أن روح المكان تأخذك إلى الغوص في الذاكرة وفي مبنى يقع بقلب منطقة تجارية حيوية لا يذوب بين الأسمنت والحديد، بل يقف بشموخ يحاكي الأصالة.
لم يكن هذا المبنى ليأخذ هذا الشكل لولا دعم وتبنّي شركاء «لوياك» الاستراتيجيين، وهم المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ومجموعة شركة التمدين بقيادة السيد محمد المرزوق، الذي أظهر قدراً عالياً من المسؤولية الاجتماعية والحس الثقافي بمتابعته وتبنّيه لهذا المشروع، فالشركات تعبير عن الدعم وصولاً إلى التكامل.
ها هي «لوياك» تكبر وتتوسع، فبعد أن منحها المجلس الوطني للثقافة جزءاً من المدرسة القبلية كحق انتفاع لاستخدامه، بالتعاون مع جهات تشترك في دعم الثقافة والفنون، بدأت ملامح مشروع أكبر تتشكل، إلى أن أطلقت حملة تنظيف بسواعد المتطوعين الشباب بمدرسة عائشة، في رسالة رمزية تقول «إن إحياء المكان يبدأ بإحياء الروح».
كانت الرسالة واضحة، كيف نعيد الاعتبار لمبنى تراثي كاد يُهمَل، ونؤمّن لجيل الشباب مساحة تعطيهم الحافز للنظر إلى مستقبل أفضل؟
المدرسة ليست مجرد مبنى، فهي سادس مدرسة للبنات في «الحي القبلي»، افتتحت عام 1951، تؤسس لبدء مرحلة تمثّل فصلاً جديداً لإنشاء تعليم البنات، وقيمتها تكمن في كونها شاهدا على فترة زمنية مهمة من بناء منظومة تعليم الفتيات.
في الكويت عام 1974 تحوّل المبنى إلى معهد للتأهيل الموسيقي، وانتقل اسم المدرسة إلى محافظة الجهراء، ولا تزال تحمل هذا الاسم.
«عائشة» كانت شاهدة على أكبر الأوبريتات الوطنية، حيث ارتبط اسمها بتلك الأعمال الخالدة، وهي: مذكرات بحّار - قوافل الأيام - أنا الآتي وحديث السور. في الجولة المسائية مع السيدة السقاف قالت إن إعادة الترميم لم تكن سهلة أبداً من شركة التمدين والقائمين عليها، بل واجهت صعوبات تبدأ بتآكل المواد الأصلية بفعل الرطوبة والأملاح، وتنتهي بعدم توافر المخططات الهندسية، المهم أن الترميم حافظ على الطابع التراثي دون المساس بالهوية المعمارية، حيث حمى روح المكان دون تشويه الذاكرة.