في الصميم: جارتنا التي حيرتنا
نعم، جارتنا إيران حيرتنا، ولم نعد نعرف بالضبط ما الذي تريده منا، فهي تنادي بحسن الجوار مع جيرانها، وتستنجد بالسعودية طالبة وساطتها مع أميركا كلما زادت عليها الضغوط، وفي الوقت نفسه تهاجم دول الخليج كلما طالبوا بحقوقهم في الجزر الإماراتية المحتلة، وتتدخل في مناطقنا البحرية تريد مشاركتنا في خيراتنا، معلنة عن إحياء مطامعها في شقيقتنا البحرين.
الحوار الذي دار في منتدى الدوحة الأخير بين الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي الأخ جاسم البديوي، وبين محمد جواد ظريف المسؤول الإيراني السابق، كشف صراحة عن نوايا إيرانية مكبوتة، تتعارض مع دعوتها إلى حسن الجوار. محمد ظريف لم يكن ظريفاً إطلاقاً في حواره، كان يتحدث باستعلاء ممجوج عن العرب، معبراً عن مشاعر غير ودودة ضد منطقتنا، وكان واضحاً انفعاله، وفَقَدَ أعصابه وعلا صوته أمام هدوء وثقة الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، مما دفع البديوي إلى أن يطلب منه الكف عن الصراخ، والالتزام بأدب الحوار.
الحقيقة أن أمر هذا البلد الجار محير، فقد تحولت إيران المستنيرة الغنية بتاريخها وحضارتها وشعبها إلى دولة غير محبوبة من معظم أمم الأرض، وانهارت عملتها، وشحت مياهها، وتكرر انقطاع كهربائها، ووصل اقتصادها إلى الحضيض حتى إن رئيسها تقدم باستقالته مستسلماً أمام عجز ميزانيتها.
فكم نتمنى على النظام الإيراني أن يتخلى عن عقلية الثورة المتلبسة فيه، والكف عن تصديرها بعد أن تبين فشلها، وليستبدلها بعقلية التسامح وحسن الجوار، فما الذي يضره لو أنه التفت إلى شعوبه التي عانت لسنوات طوال من الكبت والفقر، وهي ترى أموالها تهدر وتستنزف على شراء ولاءات خونة عرب وميليشيات عميلة، من أجل إحياء أطماع تاريخية عفى عليها الزمن؟
ماذا يضر النظام الإيراني لو أنه تعامل مع جيرانه بحسن نية، وما ضره لو أنه اتخذ من دول مجلس التعاون مثالاً يقتدي به، دول وضعت كل همها في رفاهية وتعليم شعوبها وتنمية مواردها بدلاً من بناء ترسانات أسلحة لم تنفعه في كل مواجهاته؟
كفى لكل ما مضى! فالعالم أجمع يعلم أنه لولا مباركة الغرب وإسرائيل لكم منذ أول يوم تخلوا فيه عن الشاه لما وصلتم إلى ما أنتم عليه الآن، هم من تركوكم تبنون ضدنا تلك الترسانة من السلاح، وهم من تغاضوا عن برنامجكم النووي، ولولا تماديكم فيه، ولولا أخذكم العزة بالنفس لتركوكم تستكملون مشاريعكم، ولكنه الطمع وتخطيكم خطوطاً حمراء مرسومة لكم هو الذي أنهى ذلك التساهل الغربي.
اتركوا عنكم أحلام التوسع الفاشلة، اتركوا لبنان في حال سبيله، اتركوا العراق واليمن، فلقد بلغ السيل الزبى، وتأكدوا من أنه كما دارت علينا الدوائر، فحتماً ستدور عليكم عاجلاً لا آجلاً.