من صيد الخاطر: مَنْ اسْتَرْعَى الذِّئْبَ ظَلَم
«مَنْ اسْتَرْعَى الذِّئْبَ ظَلَم» مثل عربي قديم أو مقولة تعني أن من يُولِّي أو يُعَيِّن غير الأمين، أو من ليس كفئاً للمسؤولية، يكون قد ظلم نفسه، وظلم من أوكل إليها، فكيف يطلب من الذئب أن يكون راعياً وحافظاً للغنم؟ وكيف يؤتمن الفأر على «شحمة»؟ وكيف «تضرب القطو بمصير»؟ إنها أمثلة تُضرب عند سوء الاختيار، ووضع الأمانة بيد من سيخونها حتماً.
المثل وراءه حكاية فيها بعض التعقيدات التي يصعب استيعابها، ولا تحتاج إلا إلى بعض الصبر، وقد يكون كثيره، فالمثل «مَنْ اسْتَرْعَى الذِّئْبَ ظَلَم» قاله رجل يقال له أكْثَم بن صَيْفي كان قد زوّج أخته صعبة إلى عامر بن عبيد بن وهيب، فولدت له ثلاثة أبناء فَسُمّوا بأسماء غريبة: ذئب، وكلب، وسبع.
كلبٌ تزوج امرأة من بني أسد ثم من بني حبيب، وقد أغار على الأقياس الثلاثة، وهم قيس بن نوفل، وقيس بن وهبان، وقيس بن جابر، فأخذ أموالهم، فقام بنو أسد بالإغارة على بني كلب، الذين هم أبناء أختهم، فأخذوهم بالأقياس، أي ثأروا لهم بأخذهم رهائن مقابل الأقياس الثلاثة.
عندها وفد كلب بن عامر على خاله أكثم، وقال له: ادفع إلى الأقياس أموالَهم حتى أفتدي بها بَنِيَّ من بني أسد، فأراد أكثم أن يفعل ذلك، فَقَالَ أبوه صيفي: يا بني لا تفعل، فإن الكلب إنسان زهيد إن دفعت إليه أموالهم أمسكها، وإن دفعت إليه الأقياسَ أخذ منهم الفداء، ولكن تجعل الأموال على يد الذئب فإنه أمْثَلُ إخوته وأنْبَلهم، وتدفع الأقياس إلى الكلب، فإذا أطلقهم فمُرِ الذئب أن يدفع إليهم أموالهم.
فجعل أكثم الأموال على يد الذئب والأَقياس على يد الكلب، فَخَدعَ الكلب أخاه الذئب فأخذ منه أموالهم، ثم قَالَ لهم: إن شئتم جززت نَوَاصيكم وخليت سبيلكم، وذهبت بأموالكم، وخليتم سبيل أولادي، وذهبتم بأموالكم، وبلغ ذلك أكثم فَقَالَ: «مَنْ اسْتَرْعَى الذِّئْبَ ظَلَم»، وأطمع الكلب في الفِداء، فطوَّلَ على الأَقياس، فأتاه أكثم فَقَالَ: إنك لفي أموال بني أسد وأهْلُكَ في الهوان، ثم قَالَ: «نَعِيمُ كلبٍ في هَوَان أهله»، فأرسلها مثلاً.
وهناك أقوال قيلت حول هذا المعنى، منها:
ومَنْ جَعَلَ الذِّئبَ رَاعِيًا لِشَاةٍ * فَقَدْ ظَلَمَ الشَّاةَ وَالرَّاعِيَا
إذا كان الغرابُ دليلَ قومٍ * مَن اسْتَرْعَى الذِّئْبَ ظَلَمَ
إذا كان الغرابُ دليلَ قومٍ * فلا فَلَحُوا ولا اهتَدُوا سبيلا
فالحذر ثم الحذر من الأعداء بالفطرة، فالله سبحانه وتعالى حذّر منهم قائلاً: «وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً»، فلا يجب أن يُؤمَنُ جانبُ الحَيَّةِ التي لا يُرجى منها إلا السم، ولا الذئب الذي لا يُرجى منه إلا الافتراس، فمن الأوجب والأسلم ألا توضع الثقة في يد فاسد أو فاجر أو خائن.