من عبق الورق إلى وهج الشاشة

نشر في 28-11-2025
آخر تحديث 27-11-2025 | 17:16
 هدى كريمي

في ظل ثورة التحوُّل الرقمي واكتساح لغة الخوارزميات حياتنا الخاصة، تغيَّرت معظم الأشياء من حولنا، حتى طالت هواياتنا، ضمنها القراءة، فتغيَّرت أنماطها، في ظل انتشار الكُتب الرقمية.

وهنا وُجب الاعتراف بمزايا القراءة الرقمية، والتي من بينها سهولة الوصول إلى الكتاب للإبحار بالمعرفة، وتوفير سعر التكلفة، وإمكانية حمله وتحميله، وكأن جهاز الهاتف المحمول الصغير هذا مكتبة كاملة. علاوة على أن التطبيقات التفاعلية أضافت بُعداً اجتماعياً للقراءة، من خلال التواصل مع القرَّاء والكُتَّاب والناشرين، وإنشاء تطبيقات تُعنى بمراجعة الكُتب، ومشاركة الملاحظات والتعليقات.

لكن أما آن الأوان لننظر إلى الأمر من زاوية ثقافية، تتكامل فيها الكُتب الورقية مع الكُتب الرقمية، بغية الحفاظ على القراءة، خصوصاً أن الكُتب الرقمية تضع معارض الكتاب أمام تحدٍّ كبير لمحاولة تثبيت جذورها على أرضها التقليدية؟ فهل بقي للكتاب الورقي جاذبية خاصة وملمس حسي مخملي يفوح منه عبق الأوراق؟

وحيث إن معرض الكتاب يُعد من أبرز الفعاليات الثقافية التي تُسهم في نشر العلوم والمعرفة، وتعزيز التواصل الفكري والثقافي بين القرَّاء والمهتمين والناشرين والمؤلفين، فهو ليس مجرَّد مساحة أرض بقواطع خشبية لبيع الكُتب، بل هو منصة للتفاعل المعرفي. 

وراق لي في الآونة الأخيرة إقامة الحلقات النقاشية ومناقشات الكُتب والندوات ومساحات القراءة للأطفال التي تثري العقول، وتدعم الإبداع، وتُحوِّل هذا المعرض إلى مساحةٍ ثقافية متكاملة، وليست مجرَّد مكتبات لبيع الكُتب.

وفي هذا الصدد، نُوصي بتطبيق بعض الاستراتيجيات المُبتكرة لضمان استمرار دور معارض الكُتب، في ظل هذا التحوُّل الرقمي، على سبيل المثال لا الحصر:

• دمج الطُّرق التقليدية بتلك الرقمية عن طريق تنوُّع الفعاليات الثقافية، وتنظيم ورش عمل عن النشر الرقمي والقراءة الإلكترونية، واستضافة جلسات حوارية افتراضية عبر البث المباشر.

• التكامل مع المكتبات الرقمية بطريقة تقديم محتوى إلكتروني بجانب الكُتب الورقية.

• التركيز الإعلامي على هذه المعارض، والتسويق لها على المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، لتعزيز الحضور والمشاركة.

• تحسين تجربة الزوار، من خلال التكنولوجيا، باستخدام عدة وسائل، منها: توفير تطبيق موحَّد للمعرض يتضمَّن خريطة ذكية، وجدول الفعاليات، وحجز الجلسات، والتواصل مع المؤلفين.

• تعزيز استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي عن طريق اعتماد أدوات توصية ذكية تُساعد الزائر في اكتشاف الكُتب المناسبة لاهتماماته.

• توفير مساعد رقمي للإجابة عن أسئلة الزوار، وتسهيل تحديد أماكن العثور على الكُتب والمكتبات والمختصين.

• تغيير آلية توقيع المؤلفين لكُتبهم، بحيث يتم تخصيص مساحة لهذا الغرض وشاشة للتعريف بالكتاب.

ختاماً، إن الجمع بين الأصالة والابتكار هو السبيل للحفاظ على دور معارض الكتاب الحيوي، وإسهاماتها في بناء مجتمعٍ قارئ ومطلع ومثقف. فالقراءة نافذة أساسية للمعرفة، وأداة لمقاومة صدأ الجهل، وجسر يربط الإنسان بالعلوم والثقافات.

*مترجمة وكاتبة وفنانة تشكيلية

back to top