في الصميم: انقلابات ولدت الأسوأ

نشر في 18-11-2025
آخر تحديث 17-11-2025 | 20:40
 طلال عبدالكريم العرب

الانقلابات على الملكيات في الشرق العربي تسببت في كبت الحريات، وتردي الاقتصاد، وتوقف التنمية، وانهيار العملات، إلّا أن الأسوأ أتى فأودى بدول كانت قوية متماسكة عندما بدأت تلك الانقلابات تلد انقلابات أسوأ منها.

فكل انقلاب أتى بأسوأ ما فيه، فالانقلابيون لم يَثِبوا على حكم من سبقوهم إلا بمؤامرات وسفك دماء، ولكي يحموا أنفسهم من انقلابات أخرى تحُاك ضدهم، كان لا بُد لهم من زيادة جرعة الدكتاتورية والتسلّط وكتم الأنفاس، وفتح المزيد من السجون، حتى التخلي عن السيادة لمصلحة الأجنبي.

وهذا وضع غريب فعلاً، فمعظم الانقلابات على الملكيات بدأت متماسكة، ولكن كلما جاء انقلاب على مَن سبقه صار أسوأ، وهو وضع يدعو إلى الشك بأن المؤامرة الكبرى لتقسيم الوطن العربي وإنهاكه، والتي بدأت منذ بداية الخمسينيات بانقلابات بحجة التخلص من المستعمر وتحرير فلسطين، وتم بها إبادة عدة ملكيات، ومن ثم تبعها ما سُمّي بالربيع العربي، هي في حقيقتها أيضاً انقلابات على انقلابيين.

الانقلابات العربية المتكررة كان لها أثر كبير على استقرار الدول التي ابتُليت بها، فقد أدى بعضها إلى تقسيمها رسمياً، كما حصل بالسودان في عهد عمر البشير، أو بصورة غير رسمية، كما هو حاصل الآن فعلياً في اليمن وليبيا والصومال والعراق وسورية ولبنان، وحتى في فلسطين المحتلة، عندما قامت «حماس» بفصل غزة عن السلطة الفلسطينية الشرعية المعترف بها عربياً ودولياً.

كثرة الانقلابات جعلت الاستقرار السياسي هشّاً في العديد من الدول العربية، لأنها مترافقة مع صراعات داخلية، وتصفيات حسابات سياسية، وتغييرات جذرية في أسلوب الحكم، بعضها أدى إلى حروب أهلية، وكثرة الانقلابات جعلت الولاء للسلطة أو الحزب أو الطائفة يتغلب على الولاء للوطن، مما أدى إلى تفكك النسيج الاجتماعي فيها.

تلك الانقلابات أدت إلى تشرذم العرب، وحتى تشرذم شعوب البلد الواحد وتفرقها طائفياً وحزبياً، مما صبّ في مصلحة إسرائيل، إنها بلا شك كانت المستفيد الأكبر من تلك الفوضى والانقسامات في الدول العربية التي أضعفت جبهتها الداخلية، فإسرائيل استغلت الانشغال العربي عنها بصراعاته الداخلية، لتعزز به سيطرتها على الأراضي الفلسطينية.

إيران هي الأخرى استغلت تلك الحالة المزرية لبعض الأنظمة العربية، مع غضّ طرف غربي إسرائيلي، فعززت نفوذها في دول مثل العراق وسورية ولبنان واليمن، بدعمها لميليشيات مسلحة، وسياسيين موالين وخونة.

أما الخاسر الأول والأخير، فهو بلا شك أمتنا العربية، فتلك الانقلابات التعيسة والفاشلة أودت بكل ما كان جميلاً، إنها مؤامرة لا شك فيها، مؤامرة ضد أمتنا العربية بدأت مع بداية الخمسينيات، مؤامرة متعمدة أسقطت ملكيات متماسكة متمكنة لتحلّ محلها أنظمة فاشلة، وأخرى عميلة.

back to top