من صيد الخاطر: الأضداد

نشر في 14-11-2025
آخر تحديث 13-11-2025 | 18:44
 طلال عبدالكريم العرب

«الأضداد» ظاهرة نادرة وفريدة في لغتنا العربية، فعلى الرغم من تميز تلك اللغة بغرابة بعض كلماتها وصعوبة فهمها فإن الأغرب ظاهرة «الأضداد» فيها، إنها فعلاً لغة مثيرة للدهشة لمرونتها في تطويع بعض كلماتها لتصبح معاكسة لنفسها في معانيها، وهل هناك أغرب من لغة تستخدم فيها الكلمة الواحدة لتدل على معنيين متضادين ومتناقضين تماماً؟

في «الأضداد» يتم تحديد المعنى المقصود من الكلمة من سياق الجملة التي وردت فيها، وهناك أمثلة موثقة عن ظاهرة الأضداد في اللغة العربية من المفيد التعرف عليها، فمثلا كلمة «الجون» قد تعني الأبيض أو الأسود، فقد يقال: لبس الرجل ثوباً «جوناً» أي ثوباً ناصع البياض، أو قد يقال: رأيت فرساً «جوناً» أي شديد السواد، و«الصريم» قد تعني الليل أو النهار، فيقال: جاء «الصريم» فعمّ الظلام أي الليل، أو يقال: أشرقت الشمس على «الصريم» أي جاء النهار، و«الصارخ» قد تعني المُستَغيث أو المُغيث، فيقال: سمعنا صوت الصارخ أي المستغيث يطلب النجدة، أو جاء الصارخ أي المُغيث لينقذ الغريق، و«أَمَم» قد تعني القريب أو البعيد، فيقال: المكان الذي تقصده «أَمَم» أي قريب فسر إليه، أو يقال: لقد سافر إلى بلدٍ «أَمَم» أي بعيد لا يُدرك إلا بعد أيام.

وكلمة «الجُدّ» فهي تطلق على البئر القليلة الماء، وأيضاً الكثيرة الماء. وهناك كلمة «وراء» التي تعني في مفهومنا خلف، ولكن الله تعالى قال في محكم كتابه: «وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصباً» أي أن الملك كان في انتظارهم أي أمامهم، و«ظَنَّ» تعني عندنا الشك في أمر، ولكنها تعني أيضاً اليقين والاعتقاد الجازم، كقوله تعالى: «الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم»، أي أنهم يوقنون، لأن لقاء الله يقين لا شك فيه، أما في قوله تعالى، فقد تغير معنى الظن إلى الشك وعدم التيقن: «إن نظن إلا ظناً وما نحن بمستيقنين». 

كذلك عندما يقال إنه لأمر «جلل» أي لأمر عظيم، أما في سياق آخر فهو أمر يسير لا يُهتم به، و«هفا الطائر» تعني أي حلّقَ وأسرع، ويُقال أيضاً «هفا» في مشيه «أي أبطأ فيه»، و«الناحل» تعني السمين الممتلئ، وتعني أيضاً الهزيل الضامر، و«القرء» تعني الطهر، وتأتي أيضاً بمعنى الحيض أي النجاسة، وكلمة «المسجور» التي وردت في القرآن الكريم، في قوله تعالى: «والبحر المسجور» أي المملوء، وتأتي أيضاً بمعنى الفارغ. ومن يرغب في الاستزادة من هذا الموضوع الشائق فعليه بكتاب «الأضداد» لمحمد بن القاسم الأنباري، وهو جزء من سلسلة «التراث العربي»، التي أصدرتها دائرة المطبوعات والنشر الكويتية مشكورة في سنة 1960م.

back to top