بالتمكين... طفل اليوم قائد الغد
في ظل التغيرات الكثيرة في القرن الحادي والعشرين، يجدر بنا الاعتراف بأن هذه التغيرات قد مست طبيعة الطفولة. فالتحولات الثقافية والتطورات التكنولوجية غيّرت شكل الطفولة وأنواع الأدوار التي يمكن للأطفال القيام بها في المجتمعات. بدأ يُنظر إلى الأطفال على أنهم عناصر تغيير مستقلة، يمكنهم لعب أدوار مهمة في تشكيل الديموقراطيات والقرارات والتوجهات الحالية والمستقبلية. وهنا بات تمكين الطفل واجباً وطنياً وإنسانياً.
إن تمكين الطفل يعني الاعتراف بكونه شريكاً حقيقياً في عملية التنمية، وليس مجرد متلقٍ للقرارات أو الرعاية. وهذا الأمر يتحقق من خلال تعزيز مهارات التفكير النقدي ومنحه القدرة على التعبير عن آرائه والمشاركة الفاعلة في القرارات التي تخصه، وغرس القيم الإنسانية فيه، وتوفير بيئة آمنة تتيح له التعلم من خلال التجربة والخطأ دون خوف من العقاب أو الإهمال. كما أن إشراكه في وضع السياسات والبرامج التي تخصه يساهم في صياغة مستقبل أكثر استدامة وترسيخ ثقافة الاحترام لكرامته واستقلاليته وتشجيعه على تحمّل المسؤولية وفقاً لعمره وقدراته.
وتُعد المشاركة الفعالة للأطفال في صنع القرارات التي تؤثر عليهم أمراً بالغ الأهمية من منظور حقوق الإنسان، إذ تُؤكد اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل حق الأطفال في أن يُستمع إليهم في المسائل التي تؤثر عليهم، إلى جانب مجموعة من الحقوق الأخرى، بما في ذلك حرية التعبير، والحق في الحصول على المعلومات، وغيرها (اتفاقية حقوق الطفل المادتين 12 و13).
وتلعب الأسرة والمدرسة والمؤسسات المجتمعية دوراً محورياً في هذا المجال، إذ ينبغي أن تعمل جميعها على تنمية ثقة الطفل بنفسه وتشجيعه على الحوار والمبادرة. كما يجب أيضاً أن توفر بيئة آمنة ومحفزة تتيح للطفل التعلم والمشاركة والإبداع، فلا بد أن تساهم المناهج في زيادة مهارات التفكير النقدي، وفرص تطوير آليات التعاون والتواصل، وشعور الطلاب بأن معلميهم وأقرانهم يصغون إليهم باهتمام وصدق.
وهنا يجب عدم إغفال دور الإعلام والتكنولوجيا الحديثة حيث إنهما وسيلتان مهمتان لنشر الوعي بحقوق الطفل وتعزيز مشاركته في القضايا العامة ولابد من توجيههما نحو إنتاج محتوى تربوي هادف وآمن، يُنمي قدرات الطفل الفكرية والإبداعية ويعزز قيم المواطنة والانتماء. فوسائل الإعلام بمختلف أشكالها، من صحافة وإذاعة وتلفزيون ومنصات رقمية لها دور محوري في نشر ثقافة حقوق الطفل وتشكيل الوعي المجتمعي بأهمية احترام كرامته ورأيه. أما التكنولوجيا الحديثة، بما في ذلك الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، فقد أتاحت فضاءات جديدة للتعبير والمشاركة، مكّنت الأطفال من إيصال أصواتهم والتفاعل مع محيطهم بطريقة أكثر فاعلية وحرية.
ختاماً، إن تمكين الطفل التزام وطني وإنساني يضمن بناء أجيال واعية قادرة على المشاركة الإيجابية في المجتمع وصنع مستقبل أكثر استدامة، فحين يشعر الطفل بالقدرة على التأثير والمشاركة، ينشأ جيل واعٍ قادر على الإبداع مساهم في تحقيق التنمية المستدامة وبناء عالم أكثر إنصافاً وسلاماً.
* مترجمة وكاتبة وفنانة تشكيلية