في الصميم: ملكيات ليتها لم تُبَد

نشر في 11-11-2025
آخر تحديث 10-11-2025 | 19:39
 طلال عبدالكريم العرب

مرت منطقة الشرق الأوسط في فترة الخمسينيات، وقبل إبادة معظم الملكيات فيها، باستقرار سياسي ووضع مالي مريح، وعملات قوية جداً، مع حريات تعبير لا يمكن إنكارها، كانت المنطقة في معظمها تعيش نوعاً من الرفاهية المعيشية المقبولة تحت ظل تلك الملكيات، مرجع استقرارها هو حكمها من قِبل أسر حاكمة وراثية، فلا تنافس ولا مؤامرات ولا صراع على الحكم، كانت تُحكَم من أسر يدين لها معظم سكانها بالولاء، مهما كانت نوعية ذلك الحكم، ومهما كانت سيئاته أو حسناته.

بعض الملكيات الوراثية أتت من رحم أوطانها ككل دول الخليج العربية، وبعضها حَكَمت بلاداً لظروف خاصة بها، ولكن وبوجه عام نَعِمَت معظم تلك الملكيات باستقرار ملحوظ، ووضع اقتصادي وتنموي جيد.

من المؤسف أن كل الانقلابات التي حصلت ضد تلك الملكيات لاقت في وقتها قبولاً شعبياً وحماساً وتأييداً منقطع النظير، والسبب وراء ذلك يعود إلى المد القومي المسيطر على منطقتنا العربية، حتى على إيران، فقد كان الاعتقاد السائد حينها أن تلك الأسر المالكة كانت فاسدة ومتسلطة، وأن بعضها يدين بالولاء للغرب لوقوعها تحت حمايته وهيمنته المباشرة، وأن من ينقلب عليها لابد وأن يكون أفضل.

ولكن ما إن تمكن الانقلابيون رافعو شعار تحرير فلسطين، الشعار المقرر والمعتمد لكل انقلابي، من التحكم وبسط سلطتهم على بلدانهم حتى تكشفت الجوانب المظلمة والإجرامية في سلوكهم تجاه شعوبهم، فقد وصل الأمر ببعضهم إلى أن باعوا أوطانهم من أجل الحفاظ على عروشهم، كما حصل في سورية وأسرة الأسد، وفي غيرها.

مَن فرح وهلل لتلك الانقلابات أدرك في وقت متأخر أن هؤلاء الانقلابيين هم أسوأ بكثير من الملكيات التي أطاحوا بها، فقد تحولوا هم أنفسهم إلى أسر حاكمة، والأسوأ أن بلادهم تحولت إلى مفرخة للانقلابات، يثب عليها كل من سنحت له فرصة باسم الديموقراطية وتحرير فلسطين، حتى الذين انقلبوا على شاه إيران استغلوا اسم فلسطين شماعة لهم.

تلك الانقلابات أفرزت أمماً فاشلة عسكرياً واقتصادياً وتنموياً، تحولت إلى سجون لأصحاب الرأي الحر، تسلطوا على شعوبهم، ونهبوا قوتهم، وأصبح هَمْ بعض سياسييهم نهب ما يستطيعون، في بعضها تحولت بلادهم إلى مرتع حقيقي للفساد والسرقات والهيمنة الطائفية السياسية، بعضهم حولوا ولاءهم إلى دول أجنبية من أجل تثبيت سلطتهم، فأصبحوا كالملكيات التي أدانوها.

انقلابات بني يعرب على ملكياتهم كانت كارثية، فقد تبين أن الملكية السيئة أفضل ألف مرة من أحسن انقلابي، وأنه لا استقرار سياسياً وتنمية حقيقية من دون اطمئنان شعبي إلى ثبات حكم ملكي صالح وعادل يحافظ على بلده كما يحافظ على حكمه، ونحن على يقين بأن معظم شعوب تلك الملكيات البائدة يتمنون عودتها بعد أن عانوا ما عانوه من ظلم وفساد وتقهقر في كل مناحي الحياة.

حفظ الله بلادنا وخليجنا من كل سوء، ونحمده ونشكره على أن رزقنا بحكم مستقر ندين له جميعنا بالولاء.

back to top